ارشيف من :آراء وتحليلات
داعش والغبراء
لم يكن قيام تنظيم داعش باعلان الخلافة عملا عشوائيا ومتسرعا وانفعاليا، على الاقل من وجهة نظر الداعين اليه.
ورغم ان هذه الدعوة كانت مستهجنة عند البعض، ومرفوضة عند آخرين، لكنها بشكل او بآخر لاقت ترحيبا واسعا في صفوف ما يسمى" بالجهاديين"، خصوصا تلك المجموعات التي رأت أن تنظيم القاعدة قد أصابه الوهن منذ اغتيال زعيمه اسامة بن لادن.
فكثير من قادة تنظيم القاعدة وقاعدته قد ابدوا استياءهم واظهروا تململا واضحا حتى ما قبل اعلان داعش خلافتها.
من اليمن الى الصومال ومن المغرب العربي الى مشرقه، رسائل كثيرة وجهت الى زعيم القاعدة ايمن الظواهري ترثي حال التنظيم وما آل اليه من انعدام الافق وتحجيم قيادات على حساب اخرى.
في هذه الظروف الداخلية جاء اعلان الخلافة الاسلامية. اراد الخليفة أبو بكر البغدادي ان يكون اعلانا مدويا، فلم يكتف بالاعلان عنها بواسطة الناطق باسمه ، بل اعقبه تسجيل صوتي للبغدادي نفسه ثم استعراض "ديني" متلفز عبر صلاة الجمعة من الموصل.
لقد كان واضحا منذ بداية الاعلان ان داعش يسعى لوراثة القاعدة وان يجعل "دولته" قبلة "للجهاديين". لذلك دعا البغدادي جميع الفصائل للهجرة الى دولته في محاولة لاستلهام الهجرة النبوية، وقسم الملتحقين به الى مهاجرين وانصار.
لكن اعلان "الدولة" لم يكن حدثا "طفروياً" اتى من فراغ بل سبقه تنظير فكري يمكن ملاحظته في المواقع المتخصصة التابعة لهذه الجماعات.
اعلان الخلافة وإمارة الملا عمر
هذا التنظير يتعلق بنقطة محورية في البحث الفقهي المتعلق باقامة دولة اسلامية وهي: هل يشترط التمكين في اعلان الدولة او الخلافة؟ وبعبارة اوضح : هل لا بد لاصحاب الدولة قبل اعلان دولتهم ان يكونوا قد تمكنوا من الارض التي سيعلنون عن قيام دولتهم فيها؟ ام ان ذلك ليس شرطا؟.
داعش
من الواضح ان التمكين وجعله شرطا لاعلان الدولة يرتبط بشرعية الحاكم. اي ان المتمكن هو الحاكم الشرعي وتاليا هو المخول اعلان قيام الدولة.
ومن الواضح ان المنظرين لشرط التمكين كانوا يسعون لابطال بيعة الملا عمر امير امارة افغانستان. اذ مع احتلال الغرب " للامارة" تسقط معها البيعة بعد ان خسر الملا عمر السلطة.
وقد حاول البعض التحدث عن مفهوم الغلبة بدل التمكين. ومهما يكن من امر فقد كانت مجموعة من منظري القاعدة، المعارضين لداعش توقعوا ان الاخيرة تمهد للاعلان عن قيام "الدولة" او ا"الخلافة" من خلال التركيز على مبدأ التمكين.
الدعوة والدولة وابن تيمية
ان هذا النوع من التنظير "الداعشي" ليس وليد الساعة، ولا هو وليد حالة اضطرارية "فكرية"، بل هو استلهام لتعاليم ابن تيمية في الدين والسياسة، عندما اعتبر ابن تيمية ان الدين والدعوة تحتاجان الى دولة تحميهما.
والحقيقة ان هذه الرؤية تجانب التجربة النبوية الشريفة التي اعتمدت على الدين لاقامة الدولة وليس على الدولة لنشر الدين. فليس هدف الدولة الاسلامية نشر الدعوة، بل تنظيم الاجتماع الانساني المتدين وفق هذا الدين، والسهر على تطبيق احكام الشريع في مجتمع يؤمن ويلتزم به.
لذلك لم نر النبي محمدا (ص) يقوم بنشر الدعوة عبر صليل السيوف ونصال الرماح كما يدعي الداعشيون ومن حمل فكرهم، بل عن طريق مخاطبة وجدان الناس وفطرتهم. فالنبي(ص) لم يحارب الا بعد ان اوغلت قريش بمنعه من الدعوة عن طريق السعي لقتله ما دفعه للهجرة، وبعد ان حورب وحوصر وتعرض لظلم كبير. وهذا ما ظهر في الاية القرآنية التي شرعت القتال لاول مرة عندما قالت : ( اُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ ) (سورة الحج).
داعش والغبراء واستلهام اعراب الجاهلية
ان ما تقوم به داعش ليس اكثر من ترسيخ مفهوم سعى الى ترسيخه الغرب المتصهين واعني "الاسلاموفوبيا"، عن طريق قيام "داعش" بسلوكها باستلهام عادات اعراب الجاهلية الذين كانوا يغيرون على القبائل المخالفة لعبادة اوثانهم المنتشرة في الغبراء، وليس استلهام الدولة النبوية التي شددت على ان الدعوة والاخلاق توأمان لا ينفكان عن بعضهما البعض.
ان الدين هو جوهر الدولة النبوية وروحها، اما الدولة فهي تمظهر قانوني لهذا الدين.
ولانه لا يمكن ان يكون المتمظهر هو حامي الجوهر، فلا يمكن للدولة ان تكون حامية للدين بشكل قهري والا فَقَدَ الدين ركنا اساسيا من اركانه وهو انه دعوة ترتكز بشكل اساسي على مخاطبة الفطرة والعقلانية في الانسان. نعم ان الدولة تحمي الدين من التهديدات الخارجية، وهذا شأن آخر لا علاقة له بكون الدولة تفرض دينا على اتباعها وتنشر الدين بقوة السيف.
ورغم ان هذه الدعوة كانت مستهجنة عند البعض، ومرفوضة عند آخرين، لكنها بشكل او بآخر لاقت ترحيبا واسعا في صفوف ما يسمى" بالجهاديين"، خصوصا تلك المجموعات التي رأت أن تنظيم القاعدة قد أصابه الوهن منذ اغتيال زعيمه اسامة بن لادن.
فكثير من قادة تنظيم القاعدة وقاعدته قد ابدوا استياءهم واظهروا تململا واضحا حتى ما قبل اعلان داعش خلافتها.
من اليمن الى الصومال ومن المغرب العربي الى مشرقه، رسائل كثيرة وجهت الى زعيم القاعدة ايمن الظواهري ترثي حال التنظيم وما آل اليه من انعدام الافق وتحجيم قيادات على حساب اخرى.
في هذه الظروف الداخلية جاء اعلان الخلافة الاسلامية. اراد الخليفة أبو بكر البغدادي ان يكون اعلانا مدويا، فلم يكتف بالاعلان عنها بواسطة الناطق باسمه ، بل اعقبه تسجيل صوتي للبغدادي نفسه ثم استعراض "ديني" متلفز عبر صلاة الجمعة من الموصل.
لقد كان واضحا منذ بداية الاعلان ان داعش يسعى لوراثة القاعدة وان يجعل "دولته" قبلة "للجهاديين". لذلك دعا البغدادي جميع الفصائل للهجرة الى دولته في محاولة لاستلهام الهجرة النبوية، وقسم الملتحقين به الى مهاجرين وانصار.
لكن اعلان "الدولة" لم يكن حدثا "طفروياً" اتى من فراغ بل سبقه تنظير فكري يمكن ملاحظته في المواقع المتخصصة التابعة لهذه الجماعات.
اعلان الخلافة وإمارة الملا عمر
هذا التنظير يتعلق بنقطة محورية في البحث الفقهي المتعلق باقامة دولة اسلامية وهي: هل يشترط التمكين في اعلان الدولة او الخلافة؟ وبعبارة اوضح : هل لا بد لاصحاب الدولة قبل اعلان دولتهم ان يكونوا قد تمكنوا من الارض التي سيعلنون عن قيام دولتهم فيها؟ ام ان ذلك ليس شرطا؟.
داعش
من الواضح ان التمكين وجعله شرطا لاعلان الدولة يرتبط بشرعية الحاكم. اي ان المتمكن هو الحاكم الشرعي وتاليا هو المخول اعلان قيام الدولة.
ومن الواضح ان المنظرين لشرط التمكين كانوا يسعون لابطال بيعة الملا عمر امير امارة افغانستان. اذ مع احتلال الغرب " للامارة" تسقط معها البيعة بعد ان خسر الملا عمر السلطة.
وقد حاول البعض التحدث عن مفهوم الغلبة بدل التمكين. ومهما يكن من امر فقد كانت مجموعة من منظري القاعدة، المعارضين لداعش توقعوا ان الاخيرة تمهد للاعلان عن قيام "الدولة" او ا"الخلافة" من خلال التركيز على مبدأ التمكين.
الدعوة والدولة وابن تيمية
ان هذا النوع من التنظير "الداعشي" ليس وليد الساعة، ولا هو وليد حالة اضطرارية "فكرية"، بل هو استلهام لتعاليم ابن تيمية في الدين والسياسة، عندما اعتبر ابن تيمية ان الدين والدعوة تحتاجان الى دولة تحميهما.
والحقيقة ان هذه الرؤية تجانب التجربة النبوية الشريفة التي اعتمدت على الدين لاقامة الدولة وليس على الدولة لنشر الدين. فليس هدف الدولة الاسلامية نشر الدعوة، بل تنظيم الاجتماع الانساني المتدين وفق هذا الدين، والسهر على تطبيق احكام الشريع في مجتمع يؤمن ويلتزم به.
لذلك لم نر النبي محمدا (ص) يقوم بنشر الدعوة عبر صليل السيوف ونصال الرماح كما يدعي الداعشيون ومن حمل فكرهم، بل عن طريق مخاطبة وجدان الناس وفطرتهم. فالنبي(ص) لم يحارب الا بعد ان اوغلت قريش بمنعه من الدعوة عن طريق السعي لقتله ما دفعه للهجرة، وبعد ان حورب وحوصر وتعرض لظلم كبير. وهذا ما ظهر في الاية القرآنية التي شرعت القتال لاول مرة عندما قالت : ( اُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ ) (سورة الحج).
داعش والغبراء واستلهام اعراب الجاهلية
ان ما تقوم به داعش ليس اكثر من ترسيخ مفهوم سعى الى ترسيخه الغرب المتصهين واعني "الاسلاموفوبيا"، عن طريق قيام "داعش" بسلوكها باستلهام عادات اعراب الجاهلية الذين كانوا يغيرون على القبائل المخالفة لعبادة اوثانهم المنتشرة في الغبراء، وليس استلهام الدولة النبوية التي شددت على ان الدعوة والاخلاق توأمان لا ينفكان عن بعضهما البعض.
ان الدين هو جوهر الدولة النبوية وروحها، اما الدولة فهي تمظهر قانوني لهذا الدين.
ولانه لا يمكن ان يكون المتمظهر هو حامي الجوهر، فلا يمكن للدولة ان تكون حامية للدين بشكل قهري والا فَقَدَ الدين ركنا اساسيا من اركانه وهو انه دعوة ترتكز بشكل اساسي على مخاطبة الفطرة والعقلانية في الانسان. نعم ان الدولة تحمي الدين من التهديدات الخارجية، وهذا شأن آخر لا علاقة له بكون الدولة تفرض دينا على اتباعها وتنشر الدين بقوة السيف.