ارشيف من :آراء وتحليلات

كرة الثلج العسكرية والسياسية

كرة الثلج العسكرية والسياسية
في خضم الأحداث المتسارعة في المنطقة وكثرة التحليلات السياسية بعد بدء الضربات العسكرية الأمريكية الأولى على الارهاب أو ما يسمى بالدولة الاسلامية "داعش"، وبغض النظر عن بعض المواقف المترددة والمتحفظة لبعض الدول العربية في حسم مشاركتها الفعلية في هذه الحملة فإن الحملة الجوية العسكرية حصلت بالفعل وادخلت المشرق في فوضى جديدة. وهكذا بدأت الدول والقوى تعيد حساباتها وتموضعها:

مصر وقطر اكتفتا بتقديم الدعم المعنوي واللوجستي حتى الان، مع تشديد الرئيس المصري خلال مفاوضاته مع وزير الخارجية الامريكي جون كيري الاسبوع الماضي على ضرورة  المحافظة على وحدة الأراضي السورية كاملة وعدم السماح بسيطرة أي جماعات دينية على أي جزء من سوريا مھما رفعت تلك الجماعات من شعارات الاعتدال، وطالب السياسة الأميركية عدم التمادي في التلاعب بالورقة الطائفية وتقسيم بلاد الرافدين على أسس مذھبية، وطالب بأن تكون مواجھة الدولة الإسلامية جزءاً من استراتيجية أشمل لمواجھة الإرھاب في المنطقة بحيث تمتد إلى المجموعات التكفيرية التي تنشط في سيناء وعلى الحدود الغربية لمصر في ليبيا.

على المقلب الآخر يأتي موقف حزب الله المتمثل بالأمين العام حسن نصر الله من خلال رفضه للتدخل العسكري الأمريكي وضد التحالف الدولي، مذكرا بأن الاصل في الارهاب في المنطقة هو وجود اسرائيل.

وأن الحل البديل هو في وقف تمويل وتسليح الجماعات الإرھابية والإسراع في دعم الجيش والقوى الأمنية ومساعدة لبنان على حل مشكلة النازحين كما أن على اللبنانيين التوحد خلف الحكومة والدولة والجيش لمواجھة الإرھاب.

وعلى كل الاحوال فإن حزب الله لا يثق إطلاقا بما تتعهده واشنطن من تحالف لمنازلة حملة الارهاب المتنوع الصور والانماط.
ولهذا فإن الحرب الامريكية على سورية يُنظر إليھا على أنھا تطور مھم ونقطة تحوّل، ليس فقط في مسار الأزمة السورية وإنما في السياسة الأميركية التي تعود الى الدور القيادي في التورط بعد انكفاء لسنوات في عھد أوباما والى استراتيجية التدخل بدل الانسحاب، وأيضا في مسار المنطقة المقبلة على مرحلة جديدة وإعادة رسم لخارطتھا السياسية، وربما تكون ھذه الحرب الأميركية عنوانا لمرحلة جديدة واستراتيجية أميركية جديدة في المنطقة تماما مثلما كانت الحرب الأولى (عاصفة الصحراء) لتحرير الكويت مطلع التسعينات،  والحرب الثانية في العراق لإسقاط نظام صدام حسين بدءا من العام ٢٠٠٣ . وأما الحرب الثالثة التي تشمل سوريا للمرة الأولى، فإنھا حددت ھدفا وعنوانا لھا ھو محاربة الإرھاب والقضاء على "داعش"، ولم يتم تحديد أي ھدف آخر معلن لھا يتعلق بالنظام ومستقبل سوريا.

فالضربات العسكرية الامريكية جاءت أسرع مما كان متوقعا وفي توقيت لم يكن أحد ينتظره، فقد استبقت تطورات كان يعد لھا داعش" في جنوب الأردن انطلاقا من مدينة معان حيث له بيئة حاضنة، واستباق الولايات المتحدة لضربة كبيرة كانت تعد ضدھا على يد جماعة مرتبطة بالقاعدة وخشية تركيا من تطورات اقتربت من حدودھا مع سوريا من جراء انفجار الحرب بين "داعش" والأكراد وحركة النزوح الكردي باتجاه تركيا مقابل نزوح موازٍ مسلح لحزب العمال الكردستاني باتجاه سوريا...

 دول عربية أخرى شاركت في  الغارات مثل الأردن والإمارات والبحرين والسعودية، وشكلت المملكة رأس الحربة العربية لا بل الإقليمية، في التحالف وفي الحرب ضد الإرھاب وهذا ما يعكس أنھا  بدأت تستشعر خطورة التطرف والإرھاب عليھا وعلى أمن الخليج وعلى مجمل النظام العربي الأمني والسياسي.

فالولايات المتحدة لا تريد أي تعاون او تنسيق مع النظام السوري من شأنه ان يعزز موقفه الدولي او تحسين وضعه على الارض فهي تتعاطى مع النظام السوري كواقع موجود وتبقي على خيط اتصال وتواصل لهذا اخطرت الجانب السوري وعبر اقنية دبلوماسية بالضربات الجوية قبل ساعات من بداية التنفيذ .

كان الموقف السوري في التعاطي مع الضربات الأميركية  يميل الى الانتظار والترقب، لأن ما يحصل هو تأكيد صوابية طرحھا وحربھا ضد الإرھاب وهي تريد في هذه المرحلة تركيز الانتباه على الإرهاب دون الدخول في معارك جانبية  من اجل فضح النوايا والمخططات قبل مواجهتها.

وھذا الموقف تكامل ولو بأسلوب مختلف مع موقف إيران  المتحفظ على تحالف دولي جرى تركيبه بمواصفات أميركية    ومنسق مع موقف روسيا التي تخشى تكرار تجربة ليبيا في سوريا من خلال تحالف بدأ في مكان وانتھى  في مكان آخر وسيناريوھات عسكرية أحادية الجانب ومن دون إطار دولي شامل.

في نهاية الأمر فإن الحرب الأميركية ضد الإرھاب في المنطقة ھي حرب مفتوحة من دون سقف زمني وسياسي: فلا مھل زمنية حددت للعمليات العسكرية ولا أھداف سياسية حددت للحرب التي ستتدحرج عسكريا وستتطور سياسيا تبعا لمجريات الصراعات والمصالح الدولية والإقليمية المتشابكة والمتداخلة والموزعة بين محورين: محور "التحالف" ضد الإرھاب، ومحور من ھو ضد الإرھاب وضد التحالف في آن.
2014-09-29