ارشيف من :ترجمات ودراسات
الحرب العالمية الثالثة... هل وضعت أوزارها ؟
الكاتب De Rivas
عن موقع َAgoravox
13 تشرين الأول / أكتوبر 2014
مرة أخرى ... روسيا هي التي ستنقذ العالم
هذه الحرب العالمية الثالثة هي شديدة الخصوصية. إنها من تدبير الطغم الحاكمة التي تنفذ أوامر الصناعة المالية في الولايات المتحدة. الوسائل التي تستخدمها هي من النوع القذر، وهي موجهة بشكل أساسي ضد المدنيين : عقوبات اقتصادية وقصف للمراكز الحيوية. والذين يموتون هم النساء والأطفال بوجه خاص. أما العسكريون الذين يتقاضون أجوراً فهم لا يتضررون من الناحية العملية.
وإذا ما ركزنا التحليل بشكل أكثر دقة على المسؤولين عن هذه الحرب، فإننا نجد ثلاثة عناصر : البنتاغون، صناعة السلاح، وعالم المال. أما العناصر الأخرى فهي ليست أكثر من ألعاب يتم تحريكها، وأول تلك الألعاب هم أولئك الذين يتناوبون على منصب الرئاسة في الولايات المتحدة.
وإذا ما بحثنا عن ذلك الشيء الهش الذي تسعى تلك الحرب إلى حمايته ، فإننا نصل منطقياً إلى الورقة الخضراء، أي إلى تلك القطعة من الورق التي تقوم عليها قوة الولايات المتحدة الأميركية.
فمنذ العام 1945، لم يكن بمستطاع أحد أن يعترض على هيمنة الدولار الأميركي على المبادلات التجارية. وكل من حاول الاعتراض، كان مصيره التصفية. أما المثال الأكثر بروزاً على ذلك فهو العراق (عام 2003)، عندما قرر صدام حسين بيع النفط بالعملة الأوروبية (اليورو). وبعد شهرين على ذلك بدأ الهجوم على العراق.
في العام 1971، قرر الرئيس الأميركي نيكسون التخلي عن ربط سعر الدولار بالذهب، وذلك بهدف تعزيز استقرار العملة الخضراء. ولكن الهدف الحقيقي كان ربط سعر الدولار بالنفط . ومن هنا كانت ولادة البترودولار. والواقع أن هذا النظام الجديد قد مكن الولايات المتحدة من طباعة الأوراق المالية دون أي مقابل بفعل زوال استناد الدولار إلى الذهب. وبالطبع، كان نيكسون قد اتخذ الاحتياطات اللازمة عبر الاتفاق مع مجموعة البلدان المصدرة للنفط على تسعير هذه المادة بالدولار الأميركي في جميع المعاملات في شتى أنحاء العالم.
وحتى اليوم، لم يجرؤ أحد على ربط هذه العملة الجديدة بالذهب، وكل من حاول ذلك كان مصيره التصفية. أما المثال الأقرب زمنياً فهو ليبيا، عندما قرر معمر القذافي اعتماد رصيد ذهبي للدينار الليبي الذي كان يمكنه أن يتحول بذلك إلى عملة معتمدة في بلدان إفريقيا. وهكذا، تمت تصفيته في تشرين الثاني / أكتوبر 2011.
النفط والذهب
وتمتلك الولايات المتحدة صرحاً مالياً آخر يسمح للبلدان الغنية بالإثراء على حساب البلدان الفقيرة : إنها المؤسسات المالية الكبرى المتمثلة بصندوف النقد الدولي والبنك الدولي. وتقوم هاتان المؤسستان بتقديم القروض وتغرق بالديون لمدى الحياة شعوب البلدان التي تمر بظروف صعبة.
وحتى اليوم، لم يتمكن أي بلد فقير من تلك الغارقة في الديون من الاستغناء عن المساعدات التي تقدمها هاتان المؤسستان. وكل بلد يحاول ذلك يكون مصيره التصفية. وتشكل رومانيا مثالاً على ذلك. ففي العام 1989، تمكن تشاوشسكو ـ بعد أن طلب إلى شعبه تحمل عشر سنوات مليئة بالتضحيات الصعبة- تمكن من سداد كل ما تدين به بلاده للمؤسسات المالية الغربية، بما في ذلك الديون غير المستحقة. وفوق ذلك، تمكنت رومانيا من مراكمة فائض في موازنتها من عدة مليارات من الدولارات. وعلى الفور، قررت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تصفية تشاوشسكو في إطار مهزلة جاءت وضيعة بقدر ما هي خبيثة. ثم استلم الحكم بعد تشوشسكو مساعده إيليسكو، وفي غضون عامين اثنين، ازدادت ديون رومانيا عما كانت عليه عام 1979.
وفي إطار هذه الحرب العالمية الخبيثة، كان هنالك خصم تنبغي تصفيته. ولكن هذا الخصم لم يكن أضعف الخصوم. إنه روسيا. وحتى الآن، مضت عشرون عاماً (منذ سقوط الاتحاد السوفياتي) والولايات المتحدة والإمبراطورية البريطانية تسعيان إلى تفكيك هذا البلد الكبير. فقد قامتا بمحصارته تدريجياً من خلال توسع حلف الناتو ونشر الجيوش وآلة الحرب المرعبة على حدوده. وقد فشلت محاولات عديدة للاعتداء عليه عبر عمليات استفزازية هنا وهناك. والآن، نشهد المعركة النهائية التي وظفت فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها كل ما لديهم من إمكانيات ضد موسكو.
وفي الوقت نفسه، تجري على الأرض تطورات هامة :
1- بلدان البريكس شرعت بإنشاء بنك للتنمية خاص بها.
2- بدأت روسيا بتصدير النفط بالبواخر نحو أوروبا على أن يدفع ثمنه بالروبل لا بالدولار. كما تقوم روسيا ببيع النفط للصين عبر خط أنابيب شرق سيبيريا/ المحيط الباسيفيكي على أن يدفع ثمنه باليوآن الصيني لا بالدولار.
بكلام آخر، لا يمكن لصندوق النقد والبنك الدوليين أن يواصلا إلى ما لانهاية إثراء اصدقائهما من حيتان المصارف على حساب فقراء العالم.
والأهم من ذلك أن الصين التي أصبحت، منذ العام 2014، القوة الاقتصادية الأولى في العالم، وروسيا التي تشكل المنتج الأول للنفط والثاني للغاز في العالم، ستبدآن، منذ الآن فصاعداً، بإجراء مبادلاتهما التجارية بعملتيهما. وهذا الهجوم على البترودولار سيجبر البلدان الأوروبية المستوردة للنفط والغاز الروسيين على تسديد الحساب لروسيا بالروبل.
ذلكم هو الرد الأقصى من قبل موسكو المدعومة من بكين على العدوان الأميركي. وهذا الرد سيؤدي إلى تدمير القوة الأميركية وانهيارها كقصر من ورق. لن يكون من الممكن للولايات المتحدة أن تكتفي بطباعة الأوراق النقدية لسداد ديونها الضخمة. ولن يكون بإمكان الأميركيين أن يواصلوا العيش بالتقسيط على حساب البلدان الأخرى.
الإنهيار الشامل هو ما سيطبق على هذه الامبراطورية الإمبريالية المستكبرة بفضل استراتيجية موسكو الناجعة أكثر من أي عمل عسكري. وعندما نعلم أن الصين التي تشكل أكبر مصادر المديونية الحكومية الأميركية، يصبح بإمكاننا أن نتصور مدى الألم الذي سيصيب اليانكي من ابناء العم سام.
فكما أن معركة ستالينغراد هي التي أدت إلى اندحار الجيش الألماني، فإن روسيا هي التي تطلق، مرة أخرى، هذه العملية الضرورية لتركيع الغزاة الحاليين من الإمبرياليين الأميركيين.