ارشيف من :نقاط على الحروف
’داعش’ بين صورتين... ’طرائف’ متوحشة
تحولت المنظمة التكفيرية الارهابية "داعش" الى طرفة.. ومع أن الأمر ليس "طرفة"، لكنه حقيقة تعكسها أهواء الجمهور العربي. وكما يقال يستطيع العرب وبسرعة خاطفة تحويل المأساة الى ضحكة، حتى تكاد تعتقد أن هذا الجمهور غير مصدق للغزو القاتل الذي بدأته هذه الجماعة الارهابية، أو أنه مستخف بمخاطر هذه الحركات التي تتجاوز اطار الخطر المرحلي، الى خطر حقيقي على المستقبل الذي تريد "داعش" تحديدا رسمه بحد السيف، وتظلله بالرعب الذي تنشره أينما مرت.
وعلى الرغم من البسمة التي قد تحملها "طرائف داعش" المتوحشة فإن الجمهور العربي بات يعي اليوم حجم الأثر الذي ستخلفه "داعش" ومثيلاتها في وعي ووجدان الأجيال القادمة، لذلك بدأ يرتفع منسوب التنبّه، ولم تعد أفلامها "الساحرة" تجد ممراً سهلاً لها عبر هواتف الأذكياء من الناس.
فجأة صارت "داعش" محور البرامج الفكاهية والنكتة الأكثر تداولا على لسان الناس. رغم أن معظم هذه الطرائف والنكات ليست بغريبة عن واقع داعش وقوانينها الحجرية التي فرضتها حيث سيطرت، في المناطق السورية والعراقية، لا بل إن الفرمانات التي يصدرها "الخليفة أبو بكر البغدادي" وولاته وأمراؤه على المناطق، هي مادة خصبة للظرفاء في اطلاق تغريداتهم الضاحكة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل ذهب الكثير من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي الى ابتكار قوانين داعشية لزيادة مساحة التندر واطلاق النكات، مثل قوانين مباريات كرة القدم أو الأعراف الخاصة بتشكيل الحكومات الداعشية ومسميات الوزارات في دولتهم.
لا شك أن عودة "داعش" بأنماطها الفكرية والعقائدية الى سالف الزمان، هو بحد ذاته مثير للانتباه ويدعو أبناء القرن الواحد والعشرين وأجيال التكنولوجيا الذكية الى الاستهزاء بمحاولة هؤلاء استجلاب أفكار ظلامية مقيتة من التاريخ.. أفكار قد تجاوزها العلماء أو حذفوها من برامجهم.
من هنا، حين تنظر الى "داعش" بين صورتين، الأولى وهي الصورة الطريفة للوحش! يسأل سائل هل للوحش ابتسامة، وان كان له ابتسامه فهل تعكس نواياه الطيبة أم تخفي خبث الشياطين التي تسكن في قلبه؟
في مقابل هذه الصورة الطريفة - والتي يتناقل الناس عبر هواتفهم مقاطع كثيرة منها - يأنف المتلقون مشاهدة الأفلام الاجرامية الوحشية لداعش، كما يتردد الكثير من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي في مشاهدة أو نشر صور "داعش الوحش"، لكراهيتهم لفعل الارهاب والاجرام الذي تمارسه في حق من يقع بين أيديها متهماً بمخالفة أفكارها ومعتقداتها التكفيرية، أو ثبوت أنه من "أهل الكفر" وهي تهمة تشمل في قائمة داعش كل من لا يشاركها المعتقد التكفيري الوهابي.
كاريكاتور ساخر عن "داعش"
أي صورة تريدها "داعش"؟
ثبت من خلال المتابعة في الأشهر الأخيرة وما رافق غزوة الموصل من أفلام دعائية للجماعة وصلت الى هواتف الجمهور بكل شرائحه، أن "داعش" تتعمد نشر الصور البشعة والكريهة لأعمالها الاجرامية، بهدف بث الرعب في قلوب الناس وزرع بذور الهزيمة في عقل كل من يناصبها العداء. فهي تريد أن تهزمه قبل أن تصل اليه برصاصها أو خنجرها، ما يمكن أن يسمى "استراتيجية اسقاط العدو على المستوى النفسي قبل العسكري".
وهذا الأمر لم يكن عرضياً في سياق الأداء الاعلامي المحترف للجماعة بل هو استراتيجية موثقة لديها في الكتب الصادرة عن قيادات ومنظرين في القاعدة والتي شكلت الأفكار الارهابية الاستراتيجية للمنظمة التكفيرية، بنسخة مطورة عما قامت به المنظمات الصهيونية مع وصول أولى طلائعها الى فلسطين المحتلة مطلع القرن العشرين، كما يرد حرفياً في أحد كتبها.
دولة الخرافة
لا شك أن "دولة الخرافة" كما صار اسمها في احد البرامج التلفزيونية في العراق أو "داعش والغبراء" كمسرحية كوميدية في الاردن أو ما تحفل به البرامج الكوميدية على المحطات اللبنانية هي في سياق رد الفعل الشعبي بتعبير فني على هذه الخرافة، وهي نقيض صورة القوة والرعب التي تحاول أن تعممها عنها، وتظهرها بمشاهد غزواتها وانتصاراتها الوهمية، بينما تخفي "داعش" صور اخفاقاتها وهزائمها المشهودة من كوباني وغيرها في سوريا الى أنحاء مختلفة من العراق وأشهرها هزيمة ناحية آمرلي. أما الغريب فهي حين تلجأ محطات تلفزيونية كالـmbc الى تسويق داعش من خلال برنامج تلفزيوني تظهر فيه صورة محببة للداعشي الذي مرة يغني للاطفال مهددا أمانيهم في المستقبل بعبوة تقتل "الكفرة" .. أو داعك مسحوق الغسيل الذي يشكل الحل للمشكلات المستعصية.
لا يختلف اثنان على أن "داعش" هي اليوم أكثر جماعة مرفوضة من الناس في كل انتماءاتهم ومشاربهم. لكن الحقيقة تقول إن من يتسلل عبر القنوات التي يملكها ويمولها الى عقول الناس حتى يخترق تلك الصورة القاتمة هو الراعي الحقيقي لداعش.. والذي يريد لـ "داعش" أن تخبو اليوم، ليعيدها الى الظهور متى يشاء، ربما بصورة أو حلّة أو اسم مختلف، تحت شعار مذبوح سلفاً كما هي عقيدة الظلاميين.."عاشت مملكة الدواعش".
"داعش" في الصورتين وفي أي صورة حاولت أن تظهر، لا بد أن تواجه بالرفض.. ولا بد من وعي شعبي يرفض مساعدة هذه الجماعات التكفيرية في نشر فكرها الارهابي عبر هواتفنا الذكية أو حساباتنا على مواقع التواصل.