ارشيف من :آراء وتحليلات
أميركا والحالة اللبنانية
العلاقة بين السياسة والثقافة إشكالية وتشهد جدلاً دائماً، أيهما يؤثر في الآخر؟ مثلاً هل يؤدي التماثل الديني الى إنتاج تقارب سياسي أم أن المصالح السياسية تؤدي الى إنتاج تقارب ديني؟ يذهب جايمس هانتر – بروفيسور الدين والثقافة والنظرية الاجتماعية في جامعة فيرجينيا – الى أن الثقافة أعظم وأسبق من السياسة وتقودها. فيما ألان وولف – مدير مركز Boisi للدين والحياة العامة الأميركية في معهد بوسطن – يشير الى أن القيم الثقافية بما فيها تلك ذات الجذر الديني ليست أبدية أي بمعنى تخضع لإعادة تفسير دائمة وتتغير بصورة دراماتيكية. السياسة قد تكون مهمة لدرجة أنها تحدد الموقف الديني، لكنه يشير الى أن تحديد أيهما الأقوى ليس مطلقاً ويمكن أن يتفاوت بين جماعة وأخرى وكيفية تقديرها للدين والسياسة.
السياسة والثقافة: علاقة متداخلة
لا شك أن العلاقة متداخلة بنحو يجعل من تفكيكها عملية معقدة تجعل من الصعب إطلاق تعميمات من دون العودة الى أطر عمل نظرية تدمج جملة من المحددات التفسيرية. من البديهي افتراض علاقة متبادلة وتأثير إيجابي بين الانجذاب الثقافي والتقارب السياسي، إلا أن عدة عوامل قد تتدخل لتضع قيوداً وحدوداً ما بين هذين المجالين. مثلاً, رغم التماهي الثقافي بين ضفتي الأطلسي وحالة الانجذاب الأوروبي للثقافة الأميركية إلا أن ذلك لم يمنع حالة التوتر السياسي والنفور الشعبي في أوروبا اتجاه الولايات المتحدة التي اعتبرتها شريحة واسعة من الأوروبين، عقب اجتياح العراق، التهديد الأول للسلم العالمي.
ترتكز فكرة القوة الناعمة والدبلوماسية الثقافية أو الإمبريالية الثقافية على فرضية مفادها أن التأثير في ثقافة الآخر – أي قيمه ومعتقداته - وجذبه ثقافياً يؤدي تالياً الى جذبه سياسياً. وقد توسعت الجهود الأميركية الناعمة بعد هجمات 11 أيلول ولا سيما في الشرق الأوسط إلا أن سياسات بوش أدّت الى إحباطها بشكل واسع. يظهر من مراجعة استطلاعات الرأي الدورية لمركز "بيو" الأميركي أن مستوى تفضيل الولايات المتحدة تراجع منذ العام 2002، ثم ارتفع بدء من عام 2009 أي تاريخ وصول أوباما الى الرئاسة حيث كانت التوقعات الإيجابية مرتفعة، ثم تراجعت بنسب متفاوتة عام 2012.
الثقافة الأميركية أقل شعبيةً في العالم الإسلامي
يلاحظ هنا استثناء في الحالة اللبنانية، إذ كان مستوى التفضيل اللبناني لأميركا 36% عام 2002، وارتفع الى 55% عام 2009 ليعود ويهبط الى 48% عام 2012. الاستثناء اللبناني هنا على صعيدين مقارنة بدول العالم الإسلامي المشمولة بالاستطلاع، أولاً من حيث نسبة الزيادة العالية مقارنة بالعام 2002, وثانياً مستوى التفضيل عام 2012 (48%) وهو مستوى مرتفع جداً مقارنة بتلك الدول. بشكل عام تبقى الثقافة الشعبية الأميركية أقل شعبيةً في العالم الإسلامي مقارنة بباقي دول العالم. ومن بين الدول الستة في العالم الإسلامي التي شملها استفتاء "بيو" حازت شعبية الثقافة الأميركية الرقم الأعلى بشكل لافت في لبنان 65%, فيما كانت 30% في تركيا، 38% في الأردن، 36% في مصر، 42% في تونس. (استطلاع 2012).
إلا أن هذا الإعجاب بالثقافة الأميركية يقترن بالقلق بخصوص مستوى التأثير الأميركي حتى في البلدان حيث لصورة الولايات المتحدة شعبية واسعة، يخلص أحد إستطلاعات "بيو". عام 2012، وعند سؤالهم عما إذا كان من الجيد انتشار الأفكار والعادات الأميركية في بلدانهم، أجاب بالإيجاب فقط 10% من الإردنيين (كانت النسبة 13% عام 2002) ، و10% من الأتراك (كانت النسبة 11% عام 2002)، و11% من المصريين (كانت 13% عام 2007)، فيما أجاب بالإيجاب – بشكل لافت مجدداً - 41% من اللبنانيين (كانت 26% عام 2002).
الحالة اللبنانية..استثناء
تظهر الاستطلاعات أن الشرائح الشبابية هي الاكثر إعجاباً وانجذاباً الى الثقافة الأميركية، وكذلك مستخدمو الإنترنت كون أغلبهم من الشباب أولاً وثم كونهم أكثر عرضةً لمغريات ورموز تلك الثقافة. وبحسب الاستطلاعات، يتناقص مستوى التفضيل والانجذاب للولايات المتحدة كلما ارتفعت أعمار المشمولين بالاستطلاع، أي أنه عندما يتخلص الفرد من "صدمة" الانبهار الثقافي ويقارب الولايات المتحدة من ناحية سلوكها السياسي يتجه للنفور والقلق منها. مجدداً يبرز ما هو لافت في الحالة اللبنانية، وهو الفارق الواسع بين تأييد الشباب ومن هم فوق ال 50 وذلك بنسبة تقارب 40% زيادة في الإعجاب بالثقافة الأميركية لدى الشباب اللبناني.
بالمحصلة إن التحول في الموقف من الولايات المتحدة وثقافتها تأثر بشكل واضح بالنهج السياسي الذي تتخذه الإدارة الأميركية. وقد لاحظنا الفوارق الواضحة بين حقبتي بوش وأوباما. ثانياً إن ما يمكن وصفه "بالاستثناء اللبناني" يعود في أحد أسبابه الى السياسة وخصوصا منذ العام 2005 حيث نجحت الولايات المتحدة في إحداث تحول داخل البيئة السنية اللبنانية من خلال إذكاء العداء السني تجاه إيران وحلفائها على حساب العداء للولايات المتحدة. هذا التحول السني بالخصوص يفسر ارتفاع التفضيل السياسي للولايات المتحدة في لبنان بعد 2005، إذ كان نسبة هذا التفضيل 36% عام 2002, ثم انخفض الى 27% عام 2003 قبل أن يرتفع الى 42 % عام 2005.
إن هذا النجاح الأميركي في الساحة السنية اللبنانية كان بفضل تعاون تيار المستقبل (الواجهة المحلية للمشروع) وحجم الموارد المالية والإعلامية التي عملت على تحويل التصورات حول العدو من ضفة لأخرى تحت وطأة الضغط النفسي لاغتيال الرئيس الحريري والشحن المذهبي الممنهج. بالمقابل نجحت المقاومة في تحصين البيئة الشيعية الى حد بعيد وتمكنت من تحطيم أجزاء كاملة من الجدار السياسي والثقافي (وإن بدرجة أقل) الفاصل بينها وبين المسيحيين الى حد لافت بفعل التحالف والشراكة مع التيار الوطني الحر. في بلد صغير جداً كلبنان، يمكن لبضعة مليارات أميركية ونفطية أن تحدث تحولات هامة من حيث قدرتها في التأثير والتعبئة، هذا أحد التحديات الإضافية التي يفرزها الواقع اللبناني بوجه المقاومة.
السياسة والثقافة: علاقة متداخلة
لا شك أن العلاقة متداخلة بنحو يجعل من تفكيكها عملية معقدة تجعل من الصعب إطلاق تعميمات من دون العودة الى أطر عمل نظرية تدمج جملة من المحددات التفسيرية. من البديهي افتراض علاقة متبادلة وتأثير إيجابي بين الانجذاب الثقافي والتقارب السياسي، إلا أن عدة عوامل قد تتدخل لتضع قيوداً وحدوداً ما بين هذين المجالين. مثلاً, رغم التماهي الثقافي بين ضفتي الأطلسي وحالة الانجذاب الأوروبي للثقافة الأميركية إلا أن ذلك لم يمنع حالة التوتر السياسي والنفور الشعبي في أوروبا اتجاه الولايات المتحدة التي اعتبرتها شريحة واسعة من الأوروبين، عقب اجتياح العراق، التهديد الأول للسلم العالمي.
ترتكز فكرة القوة الناعمة والدبلوماسية الثقافية أو الإمبريالية الثقافية على فرضية مفادها أن التأثير في ثقافة الآخر – أي قيمه ومعتقداته - وجذبه ثقافياً يؤدي تالياً الى جذبه سياسياً. وقد توسعت الجهود الأميركية الناعمة بعد هجمات 11 أيلول ولا سيما في الشرق الأوسط إلا أن سياسات بوش أدّت الى إحباطها بشكل واسع. يظهر من مراجعة استطلاعات الرأي الدورية لمركز "بيو" الأميركي أن مستوى تفضيل الولايات المتحدة تراجع منذ العام 2002، ثم ارتفع بدء من عام 2009 أي تاريخ وصول أوباما الى الرئاسة حيث كانت التوقعات الإيجابية مرتفعة، ثم تراجعت بنسب متفاوتة عام 2012.
الثقافة الأميركية أقل شعبيةً في العالم الإسلامي
يلاحظ هنا استثناء في الحالة اللبنانية، إذ كان مستوى التفضيل اللبناني لأميركا 36% عام 2002، وارتفع الى 55% عام 2009 ليعود ويهبط الى 48% عام 2012. الاستثناء اللبناني هنا على صعيدين مقارنة بدول العالم الإسلامي المشمولة بالاستطلاع، أولاً من حيث نسبة الزيادة العالية مقارنة بالعام 2002, وثانياً مستوى التفضيل عام 2012 (48%) وهو مستوى مرتفع جداً مقارنة بتلك الدول. بشكل عام تبقى الثقافة الشعبية الأميركية أقل شعبيةً في العالم الإسلامي مقارنة بباقي دول العالم. ومن بين الدول الستة في العالم الإسلامي التي شملها استفتاء "بيو" حازت شعبية الثقافة الأميركية الرقم الأعلى بشكل لافت في لبنان 65%, فيما كانت 30% في تركيا، 38% في الأردن، 36% في مصر، 42% في تونس. (استطلاع 2012).
إلا أن هذا الإعجاب بالثقافة الأميركية يقترن بالقلق بخصوص مستوى التأثير الأميركي حتى في البلدان حيث لصورة الولايات المتحدة شعبية واسعة، يخلص أحد إستطلاعات "بيو". عام 2012، وعند سؤالهم عما إذا كان من الجيد انتشار الأفكار والعادات الأميركية في بلدانهم، أجاب بالإيجاب فقط 10% من الإردنيين (كانت النسبة 13% عام 2002) ، و10% من الأتراك (كانت النسبة 11% عام 2002)، و11% من المصريين (كانت 13% عام 2007)، فيما أجاب بالإيجاب – بشكل لافت مجدداً - 41% من اللبنانيين (كانت 26% عام 2002).
الحالة اللبنانية..استثناء
تظهر الاستطلاعات أن الشرائح الشبابية هي الاكثر إعجاباً وانجذاباً الى الثقافة الأميركية، وكذلك مستخدمو الإنترنت كون أغلبهم من الشباب أولاً وثم كونهم أكثر عرضةً لمغريات ورموز تلك الثقافة. وبحسب الاستطلاعات، يتناقص مستوى التفضيل والانجذاب للولايات المتحدة كلما ارتفعت أعمار المشمولين بالاستطلاع، أي أنه عندما يتخلص الفرد من "صدمة" الانبهار الثقافي ويقارب الولايات المتحدة من ناحية سلوكها السياسي يتجه للنفور والقلق منها. مجدداً يبرز ما هو لافت في الحالة اللبنانية، وهو الفارق الواسع بين تأييد الشباب ومن هم فوق ال 50 وذلك بنسبة تقارب 40% زيادة في الإعجاب بالثقافة الأميركية لدى الشباب اللبناني.
بالمحصلة إن التحول في الموقف من الولايات المتحدة وثقافتها تأثر بشكل واضح بالنهج السياسي الذي تتخذه الإدارة الأميركية. وقد لاحظنا الفوارق الواضحة بين حقبتي بوش وأوباما. ثانياً إن ما يمكن وصفه "بالاستثناء اللبناني" يعود في أحد أسبابه الى السياسة وخصوصا منذ العام 2005 حيث نجحت الولايات المتحدة في إحداث تحول داخل البيئة السنية اللبنانية من خلال إذكاء العداء السني تجاه إيران وحلفائها على حساب العداء للولايات المتحدة. هذا التحول السني بالخصوص يفسر ارتفاع التفضيل السياسي للولايات المتحدة في لبنان بعد 2005، إذ كان نسبة هذا التفضيل 36% عام 2002, ثم انخفض الى 27% عام 2003 قبل أن يرتفع الى 42 % عام 2005.
إن هذا النجاح الأميركي في الساحة السنية اللبنانية كان بفضل تعاون تيار المستقبل (الواجهة المحلية للمشروع) وحجم الموارد المالية والإعلامية التي عملت على تحويل التصورات حول العدو من ضفة لأخرى تحت وطأة الضغط النفسي لاغتيال الرئيس الحريري والشحن المذهبي الممنهج. بالمقابل نجحت المقاومة في تحصين البيئة الشيعية الى حد بعيد وتمكنت من تحطيم أجزاء كاملة من الجدار السياسي والثقافي (وإن بدرجة أقل) الفاصل بينها وبين المسيحيين الى حد لافت بفعل التحالف والشراكة مع التيار الوطني الحر. في بلد صغير جداً كلبنان، يمكن لبضعة مليارات أميركية ونفطية أن تحدث تحولات هامة من حيث قدرتها في التأثير والتعبئة، هذا أحد التحديات الإضافية التي يفرزها الواقع اللبناني بوجه المقاومة.