ارشيف من :ترجمات ودراسات
’اسرائيل’ قلقة من مفاوضات النووي الايراني
لا جديد في المواقف "الاسرائيلية" حيال الملف النووي الايراني والمفاوضات الجارية بين الغرب وطهران. جديد تل ابيب قديمها، رفض تام لاي اتفاق مع الايرانيين، لا ينزع حق طهران وقدرتها النووية بصورة كاملة. الامر الذي تجاوزته المفاوضات منذ مدة، واستطاعت ايران ان تحصل على اقرار غربي بحقها في تخصيب اليورانيوم، وهو ما تراه تل ابيب فشلا ذريعا في مقاربة هذا الملف.
اذاً، "اسرائيل" ترى منذ الان، اي اتفاق مع ايران هو "اتفاق سيئ"، ولا يؤمن الحد الادنى المطلوب من قبلها. وسيان بالنسبة لها ان جرى تمديد فترة التفاوض او جرى الاتفاق على تسوية ما، طالما انه في الحالتين، حق ايران في القدرة النووية محفوظ ومقرٌّ به من قبل الغرب.
مع ذلك، لا تخلو المقاربة "الاسرائيلية" لهذا الملف من مؤشرات دالة، في اكثر من اتجاه، وفي مقدمة هذه المؤشرات الاشارة الى الاقرار بالفشل وبالاخفاق في دفع الغرب الى مواجهة ايران، وايضا اقرار مواز في ان الايرانيين نجحوا فيما اخفقت به "اسرائيل".
واذا كان وزير الشؤون الاستخبارية والاستراتيجية "الاسرائيلي"، يوفال شتاينتس، قد اقر منذ اشهر، وعاد وأكد قبل اسابيع وما زال، ان الدول الغربية تتجه لبلورة اتفاق ما مع ايران لا يتفق مع المعايير "الاسرائيلية"، وبالتالي اسماه بالاتفاق السيئ، الا ان آخر المتحدثين "الاسرائيليين"، كان رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي نعى القدرة "الاسرائيلية" على التأثير، واكتفى بالتحذير واعلان الويل والثبور، في حال واصل الغرب مساره الحالي الراضخ للايرانيين في المفاوضات.
المفاوضات النووية بين ايران والدول الست
بحسب بنيامين نتنياهو، الذي عاد واكد رفضه لما اسماه "التسوية" الغربية مع ايران، فان العالم امام خيار بسيط جدا، وبحسب تعبيره، عليه ان يختار بين خيارين: اما الاستسلام امام ايران والتوصل الى اتفاق استسلامي، يشكل خطرا على "اسرائيل" والعالم اجمع، او الاصرار على المطالبة بنزع القدرة النووية الايرانية"، ثم عاد وجدد الرفض المسبق : "إسرائيل لن تقبل اتفاقًا يبقي إيران كدولة حافة نووية".
اذاً بنيامين نتنياهو، كرر سقوف الرفض "الاسرائيلية"، بلا اضافات. مع ذلك، يوجد في رفضه دلالات، ومنها:
إقرار "اسرائيلي" بالفشل، رغم كل الجهود التي بذلتها تل ابيب خلال الاشهر الماضية، لدى عواصم القرار في اوروبا والولايات المتحدة. التحذيرات ذهبت سدى، والتخويف والتهويل لم يصمد امام الواقع. الا ان ذلك، رغم كل ما يحمله من معان حول اخفاق "لاسرائيل"، لا يمكن رده فقط الى "الرعونة" "الاسرائيلية" نفسها، بل ايضا الى نجاح الايرانيين في فرض وجودهم ومكانتهم في المنطقة والعالم، ودفع الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، للتعامل معها بناء على وجود ميزان قوى في المنطقة، طهران فيه ند للغرب ولا تقل مكانة عنه. وهو ما دفع الغرب الى الابتعاد عن اي خيار تصعيدي ضد ايران، للتعذر اساسا، وللمحافظة على المصالح، ثانيا.
ويبدو واضحا ان "اسرائيل" قد استسلمت للامر الواقع الذي اوجده الايرانيون، وعدا عن التهديد الكلامي والتحذيرات من " الغول" الايراني المقبل، الا ان المرجح مع معقولية مرتفعة جدا، ان الاقوال لن تنسحب الى افعال، وذلك لقصور اليد اساسا، ولعدم قدرتها على المواجهة، ليست باتجاه ايران وحسب، بل وايضا باتجاه مواجهة خيارات العالم الغربي ومصالحه في البحث عن اتفاق سلمي مع ايران.. وهذا المنحى تحديدا، يعد ايضا نصرا ايرانيا بيّنا، حتى قبل التوصل الى اتفاق، بل مع انتهاء المدة المحددة وتجديد مدة التفاوض.
في نفس الوقت، يبدو واضحا، ان منسوب الثقة بات منخفضا جدا بين الادارة الاميركية برئاسة باراك اوباما، وبين الحكومة " الاسرائيلية"، برئاسة بنيامين نتنياهو، وتحديدا في ادارة الموضوع النووي الايراني، الامر الذي تعزز اكثر بعد ان باتت الامور تتجه نحو انتاج اتفاق لا يلبي الطموحات "الاسرائيلية"، وخارج اطار الحد الادنى والاقصى، الذي تطمح اليه تل ابيب ، وما زاد وراكم على منسوب تراجع الثقة بين الجانبين، رسالة اوباما للقيادة الايرانية واستجداؤه المعونة لمحاربة الارهاب على حساب تسهيل الموضوع النووي الايراني، وهي الرسالة التي عدتها تل ابيب تخاذلا ورضوخا من قبل الادارة الاميركية.
منسوب الثقة بات منخفضا جدا بين اوباما ونتنياهو |
لكن قبل انتهاء المدة، وقبل 24 تشرين الثاني، يمكن التأكيد واعادة التأكيد، على الثوابت الآتية:
لا قدرة "لاسرائيل" على تنفيذ خيار عسكري احادي الجانب ضد المشروع النووي الايراني. وهي قدرة باتت مفقودة بالكامل. ليس فقط لان طهران قادرة على الرد وايلام "اسرائيل"، بل لان نفس الضربة العسكرية ومقوماتها، مفقودة لدى تل ابيب. وهذه حقيقة وإن انكرها مسؤولون في "اسرائيل"، كضرورة للتحريض ورفع العصا في وجه الغرب قبل ايران نفسها، لكنها حقيقة ثابتة جرى الاعلان عنها اميركيا وغربيا، ووجدت صدى لها لدى خبراء "اسرائيل" ومراكز دراساتها.
فقدت "اسرائيل" رافعة الضغط الاساسية التي كانت تهدد بها الغرب في حال لم يجر التوصل الى اتفاق مع ايران بحسب معاييرها هي، اي نزع القدرة النووية الايرانية بالكامل. فتل ابيب لم تفقد القدرة العملياتية على تنفيذ خيار عسكري وحسب، بل فقدت ايضا القدرة على التلويح والتهديد بخيار كهذا.
تبدو "اسرائيل" في هذا الملف تحديدا، وبما ينسحب على ما دونه، عبئا ثقيلا جدا على مصالح الغرب الذي يتوسل الصلح مع ايران. وهذه النظرة "لاسرائيل" من قبل الغرب تعد اكثر تهديدا وخطرا على "اسرائيل" وبما يزيد عن الخطر النووي الموعود. فقدان "اسرائيل" مكانتها لدى الغرب، يعد تهديدا لا يمكن جبره، رغم كل عناصر الضغط التي يملكها الصهاينة في الولايات المتحدة، وفي الغرب عموما.