ارشيف من :ترجمات ودراسات

’اسرائيل’ خسرت معركة الاقصى

’اسرائيل’ خسرت معركة الاقصى

سقطت محاولة "تل ابيب" تقسيم الحرم القدسي الشريف، بين اليهود والمسلمين، على طريقة تقسيم الحرم الابراهيمي في الخليل في الضفة الغربية، في اعقاب مجرزة عام 1994. المنازلة الحالية على الحرم القدسي حسمت، وانتصرت الهبة الفلسطينية للدفاع عن الاقصى، بل وجرى الاعلان عن هزيمة "اسرائيل". مع ذلك فان المعركة ما زالت قائمة، وهي معركة ما بعد الانتصار الفلسطيني، التي لم تنته بعد.


تصريح رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، بأن لا نية لديه ولدى حكومته لتغيير الوضع القائم في الاقصى، في اشارة منه الى تقسيم الحرم على طريقة المسجد الابراهيمي، هو قرار صريح وواضح، ولا لبس فيه، بانه خسر رهانه ومعركته في القدس. لكن ما بين الاقرار وتداعياته، ما زالت المعركة الحالية مشتعلة. الهم الاساسي لدى اسرائيل ومسؤوليها، الان، هو كيف تفرض الهدوء في القدس والضفة، واعادة الامور على ما كانت عليه، لكن تحت سقف عدم افهام الفلسطينيين بانهم دفعوا تل ابيب الى التراجع، عن طريق القوة والانتفاضة.

منذ ان بدأت محاولة اليمين المتطرف، قبل اسابيع، اقتحام الاقصى وفرض الحقائق عليه تمهيدا للسيطرة او في حد ادنى لاقتسامه، عمد نتنياهو الى الصمت. كان واضحا في حينه انه يراقب مجريات الامور، ليبني على النتائج قراراته وافعاله. كان واضحا ايضا انه يريد ان يستغل اي نجاح في الاقصى، ليتقدم المقتحمين ويصطف الى جانبهم، بعد ان تتضح النتائج.. النجاح يعني "ركوب الموجة" وحصد الفوائد، اما في حال الخيبة وفشل المحاولة، فالعمل على تهدئة الخواطر، وارجاع الامور الى سابق عهدها، وكأن شيئا لم يكن، لكن مع افهام الفلسطينيين ايضا، بانهم لم يكسبوا الجولة.

’اسرائيل’ خسرت معركة الاقصى
بنيامين نتنياهو والمسجد الاقصى

راهن نتنياهو على الوضع العربي المهترئ المشغول بذاته في صراعات داخلية، ابعدتهم عن فلسطين وقضيتها، بل وعن الاقصى نفسه. ظن رئيس حكومة العدو ان الفرصة باتت سانحة لكسب المزيد من النقاط في القدس، وتحديدا في الاقصى، ونجاحه فيه كان سيعد نجاحا باهرا له، ويجعله يزايد حتى على المتطرفين من اقصى اليمين.

الا ان الامور لم تجر كما راهن. وسقطت المحاولة وسقط معها الاستيلاء على الحرم او تقسيمه. نجحت الهبة الفلسطينية، وانقذت الحرم، بل وتنذر هذه الهبة ايضا بإمكان ان تتحول الى انتفاضة ثالثة، الامر الذي تدركه الاستخبارات "الاسرائيلية" جيدا، وحذرت منه طويلا خلال العام الاخير، لكنها لم تجد اذانا صاغية لدى صاحب القرار في تل ابيب.

حاليا، يخوض بنيامين نتنياهو، معركتين. الاولى ضد الفلسطينيين. والثانية ضد اليمين والمستوطنين المتطرفين.. وهو في ذلك بين فكي كماشة، ومن غير المعلوم ان كان سيخرج منها وحكومته، سالمين.

المعركة ضد الفلسطينيين مركبة. من ناحية هي معركة على الوعي، ومن ناحية ثانية هي معركة على الردع، وهما معركتان لا ينفكان عن بعضهما البعض.
على الوعي، لان نتنياهو واجهزته الامنية يريدان ان يفهموا الفلسطينيين بان نجاح الهبة وانكسار محاولة السيطرة على الحرم، لم تكن نتيجة للهبة نفسها، بل نتيجة لارادة "اسرائيلية عاقلة" لا تريد معارك على اسس دينية في القدس، وانها هي، اي تل ابيب، عمدت الى رفض محاولة السيطرة من قبل اليمين، والمعركة على الوعي تريد افهام الفلسطينيين بان اسرائيل لا تتنازل بالقوة والانتفاضة، وجل ما في الامر انها لم تكن في وارد التقسيم او السيطرة على الحرم. وهو ما يفسر مسارعة نتنياهو، بعد وضوح الانكسار، للقول انه ليس في نيته وحكومته تغيير الوضع القائم في الاقصى.

معركة نتنياهو ضد الفلسطينيين، ايضا موجهة لدواعي الردع. بدا واضحا خلال الايام الاخيرة انه يسعى الى افهام الفلسطينيين، ايضا، بان اي عمل "عدائي" ضد "اسرائيل"، حتى وإن كان دفاعا عن الاقصى، سيواجه بردة فعل بمستوى يزيد عن الفائدة التي يرجوها الفلسطينيون من افعالهم. والهبة ستواجه بردة فعل قاسية جدا.. تبدأ بسجن عشرين عاما لمن يرمي حجرا واحدا على جنود الاحتلال، مرورا بهدم منازل المجاهدين وسجب هوياتهم، اي اخراجهم من الاراضي الفلسطينية المحتلة، وصولا الى القتل لادنى سبب، كما حصل في قرية كفر كنا بالقرب من الناصرة، كما ان حجم الاعتقالات التعسفية كان هائلا، وتجاوز 1200 معتقل فلسطيني، خلال الاسابيع الاخيرة.

اذاً المعركة مع الفلسطينيين تتركز على انهاء "العنف"، واعادة الامور الى ما كانت عليه، وفي نفس الوقت اظهار الشدة والقوة امام الفلسطينيين، وافهامهم بان معركتهم خاسرة، حتى مع تحقيق مكاسب، لن تكون موازية للخسائر التي لحقت بهم.

مع ذلك، والى الان، لم تتضح وجهة الامور في معركة نتنياهو واجهزته الامنية ضد الفسطينيين. لكن القدر المتيقن ان المنتفضين استطاعوا كسب معركة الاقصى، ويبقى عليهم ان يبرهنوا انهم على قدر المسؤولية، لكسب المزيد، خاصة انهم ادركوا في الايام القليلة الماضية بان افضل الطرق واقصرها للحصول على حقوقهم، هي عن طريق تفعيل القوة والمقاومة للاحتلال.

من ناحية ثانية، يخوض نتنياهو معركة في وجه اليمين والمتطرفين، إن داخل حكومته او خارجها.. ابتداء، حاول ان يفهم المتطرفين بان المعركة على الاقصى خاسرة، ولا يمكن مواصلتها، وهو ما يفسر اتصاله بقادة المستوطنين والمتطرفين، وحثهم على تخفيف لهجة تصريحاتهم وافعالهم الاستفزازية.. وفي نفس الوقت، اوعز الى الاجهزة الامنية بمنع المتطرفين من دخول الحرم، مهما كانت الاسباب.

 اليمين "الاسرائيلي" يعلم جيدا بان المعركة على الاقصى باتت خاسرة
مسعى نتنياهو لم يقابل بتفهم لدى متطرفي اليمين، وحتى اولئك المشاركين في الائتلاف الحكومي. وبقيت تصريحاتهم وافعالهم، كما هي عليه "استفزازية" كما وصفها نتنياهو. لكن الامور لا تقتصر فقط على "عدم انصياع" اليمين، بل تتجاوز ذلك الى اللعبة الداخلية "الاسرائيلية" نفسها، سواء على احكام السيطرة على الاحزاب او تجاه الانتخابات للكنيست، التي يجري الحديث عنها بكثرة هذه الايام، وان موعد اجرائها المبكر، سيكون قريبا.

بدوره، يفهم اليمين "الاسرائيلي" جيدا بان المعركة على الاقصى باتت خاسرة. لكنه يواصل الحملة رغم ذلك، حيث ان معركته تحولت من المعركة على الحرم الى المعركة على المكانة في وجه نتيناهو، لحصد مزيد من التأييد لدى جمهور الناخبين.

يحوي جمهور اليمين كتلة ناخبة معتد بها، وهي تنتقل من جهة الى اخرى، داخل اليمين نفسه، تبعا للتطرف الذي يبديه قادة الاحزاب ضد الفلسطينيين. المعركة تدور هنا، على هذه الشريحة، الا انها معركة خاسرة لنتنياهو تحديدا، كونه يريد تهدئة الامور بحسب المصلحة الامنية "الاسرائيلية" المسؤول عنها، بان لا تتحول الهبة الى انتفاضة في حال استمرار استفزاز اليمين للفلسطينيين، وفي نفس الوقت، لا يريد ان يخسر هذه الشريحة، التي سيحتاجها في اي استحقاق انتخابي مقبل، قد يكون قريبا جدا.

معنى ذلك، ان نتنياهو موجود في ازمة. ان جارى اليمين وجمهوره، سيضر بالمصلحة الامنية "لاسرائيل"، وان صدهم، فسيضر بمصلحته الخاصة. في نفس الوقت، معركته مع الفلسطينيين مستمرة لمواجهة هبة الاقصى ومنع تحولها الى انتفاضة ثالثة.

كيفما اتفق، الكرة الان في الملعب الفلسطيني. التهديد بالسيطرة على الاقصى تحول الى فرصة. والامل ان يستغل الفلسطينيون هذه الفرصة.
2014-11-13