ارشيف من :ترجمات ودراسات

عوامل محركة وأخرى كابحة للشارع الفلسطيني

عوامل محركة وأخرى كابحة للشارع الفلسطيني

تشهد الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 حالة من الغليان والحراك الشعبي، عبرَّ عن نفسه بأساليب متعددة ومتفاوتة. في المقابل، تشهد الساحة "الإسرائيلية" الداخلية حراكاً نشطاً، يوحي كما لو أن الكيان العبري يخوض مواجهة عسكرية مع عدو مدجج. من استنفار الاجهزة الامنية، وتعزيز قوات عسكرية، إلى اجتماعات سياسية وامنية متوالية لتقدير الوضع، وصولا إلى مواقف تصاعدية رسمية تهدد بمزيد من القمع والترحيل وتدمير المنازل.. في مقابل شعب أعزل قرر التظاهر احتجاجاً وتنفيذ عمليات شعبية فردية رداً على الاعتداءات الإسرائيلية.

رغم أن المقاومة الشعبية الفلسطينية ليست أمراً مستجداً أو عابراً في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي، الا أن ذلك لا يلغي أو يُقلِّل من فاعلية وأهمية وجود عوامل أساسية ظرفية كان لها دور تراكمي ومحرك للواقع الفلسطيني الشعبي، بهذه الأساليب وفي هذه الظروف؟

* عوامل رئيسية

مع أن لكل حراك شعبي واسع نقطة انطلاق موضعية، إلا أن القراءة الدقيقة للحدث تستوجب الاحاطة، بقدر، بالعوامل غير المباشرة التي حوَّلت أحداثاً متفرقة كان يمكن أن تنتهي بشكل موضعي وعابر، إلى شرارة لحراك واسع. وعلى ذلك، من الأهمية التوقف عند الواقع الذي دفع الفلسطينيين، جماهير ومقاومين، للتحرك بمستوى أجّج المخاوف والقلق الإسرائيليين، وهو ما انعكس أداءً عملانياً وسياسياً، يهدف بالدرجة الاولى إلى ردع الجماهير الفلسطينية، انطلاقا من الخشية بأن تتجذر وتتسع وتتأطر حالة الغضب لتتحول إلى انتفاضة شعبية شاملة.

كما ينبغي تسجيل مُسلَّمة مفادها أنه بالرغم من أن سياسات الاحتلال الاستيطانية والعدوانية تحتل رأس قائمة الاسباب التي هيأت الارضية ودفعت الفلسطينيين إلى تفجير مضبوط لغضبهم على هذا الواقع، فإنه من الصعب تجاوز حقيقة وجود عوامل كابحة للحراك الشعبي الفلسطيني، تبدأ بالاحتلال وموازين القوى، وتنتهي بالخيارات السياسية التسووية، وبالبيئة الاقليمية والدولية التي تتأثر بها الساحة الفلسطينية.

عوامل محركة وأخرى كابحة للشارع الفلسطيني
التحركات الشعبية الفلسطينية

مع ذلك، يبقى الطريق المسدود الذي آلت اليه المفاوضات السياسية، التي تستند إلى تبني خيار التسوية، وتتبناه شرائح من الشعب الفلسطيني وتحديداً في الداخل، عاملاً رئيسياً في مراكمة حالة الغضب الفلسطيني. خاصة وأن هذا الفشل كان تعبيراً صارخاً عن عدم إمكانية الرهان على خيار التسوية لتحصيل حد أدنى من الحقوق، كما يروج رواد هذا الخيار نفسه. ومن أبرز المؤشرات على المخاوف المترتبة على انسداد هذا الافق، المواقف الاميركية والاوروبية التي كانت تحذر القيادة الإسرائيلية على الدوام من تداعيات توصل الشعب الفلسطيني إلى قناعة أن التسوية لم تعد خياراً يمكن الرهان عليه. ونتيجة هذه الرؤية، أصرّت الادارة الاميركية في الكثير من المراحل على اجراء المفاوضات حتى عندما لم يكن احتمال التوصل إلى اتفاق كبيراً، وذلك بهدف إيهام الجمهور الفلسطيني كما لو أن هناك آمالا فعلية للتوصل إلى هكذا نتيجة عبر الخيارات السياسية.

ايضاً، راكمت السياسات الاستيطانية لحكومة العدو، حالة من الاحتقان الشعبي، خاصة أنها اقترنت مع اطلاق العنان لقطعان المستوطنين في ممارساتهم العدوانية ضد الفلسطينيين. هذه السياسات، أسَّست مع توالي السنوات لواقع جغرافي مدروس يهدف إلى جعل امكانية قيام دولة فلسطينية، وفق منطق التسوية، غير قابل للتحقق.

إلى ذلك، السياسات الاستيطانية ازاء مدينة القدس، واستفزازات المسؤولين الإسرائيليين والمتطرفين اليهود المتواصلة، حيال المسجد الاقصى، اضافة إلى الحديث عن السعي لتطبيق صيغة التقسيم المكاني والزماني بين اليهود والفلسطينيين، (المطبقة في الحرم الابراهيمي)، على المسجد الاقصى، كل ذلك شكَّل العامل المفجر للغضب الفلسطيني الذي عبَّر عن نفسه باشكال مختلفة ومتفاوتة حتى وصل الوضع إلى ما هو عليه الان.  وعكست ردود الفعل الفلسطينية، المقاوِمة والشعبية، حقيقة انه مهما ساءت الظروف يبقى للمس بالمسجد الاقصى، حساباته ونتائجه التي قد لا تكون غير مقدرة ومحسوبة إسرائيلياً. وهو الذي دفع نتنياهو إلى المبادرة والاعلان بأن "إسرائيل" لن تغير الواقع الراهن في المسجد، داعياً أعضاء الكنيست من المتطرفين إلى الكف عن القيام بجولات تؤدي إلى استفزاز الشارع الفلسطيني والعربي.

في السياق نفسه، تحضر مجموعة من العوامل التي لها أثار متفاوتة على بلورة الموقف الشعبي الفلسطيني، وراكمت حالة الاحتقان، تتصل بالعدوان الاخير على قطاع غزة، وما تخلله من مجازر واعتداءات. اضافة إلى التطورات التي تشهدها المنطقة العربية بوجهيها السلبي والايجابي.

تبقى حقيقتان، الاولى ينبغي التذكير بها، والثانية ينبغي الاقرار بها.

الاولى، أن الشعب الفلسطيني هو من أكثر الشعوب تضحية ونضالا. وبأن المقاومة الشعبية، شكلت خيارا حاضرا في كل مراحل نضاله. منذ المراحل الاولى للاحتلال البريطاني عام 1920، وثورة البراق عام 1929، ومرورا بالانتفاضة الاولى عام 1987 وهبة النفق عام 1996، وصولاً إلى انتفاضة الأقصى في العام 2000.

الثانية، التي ينبغي الاقرار بها، أن الحراك الداخلي الفلسطيني وتحديداً في الضفة الغربية، لا يتلاءم حتى الان مع حجم التحدي الذي يواجه اخوانهم في الأراضي المحتلة. وما يعزز من أهمية وضرورة الاشارة إلى هذه الحقيقة، موقع الضفة الغربية الأساسي جداً في منظومة "الامن القومي الإسرائيلي".

اذا ما تجاوزنا الحديث عن الاثار والاستراتيجية لتفعيل المقاومة العسكرية، في الضفة الغربية، وانطلاقا منها، يبقى أن نؤكد على أن الحراك الشعبي الواسع في هذه المنطقة، يشكل فعلا عامل دعم اساسي جدا لاخوانهم الفلسطينيين في الداخل، من جوانب متعددة:

- يشكل الحراك الشعبي الواسع عامل ردع استراتيجي في مواجهة الكيان الإسرائيلي عبر وضع خطوط حمراء له في ادائه العملاني مع فلسطينيي الداخل..  وضد المقدسات.

- يحرك المجتمع الدولي بقوة للضغط على "إسرائيل"، ليس تعاطفا مع الشعب الفلسطيني بل خوفا وقلقا من تدحرج الغضب الشعبي باتجاه ما هو أشد خطرا.

لكن يبدو أن عدم تحرك الضفة الغربية، بغض النظر عن الاسباب، خلال العدوان الاخير على قطاع غزة، شكل مؤشرا ومصدرا لاطمئنان قادة العدو، سواء لجهة اداء السلطة الفلسطينية، او حتى المدى الذي يمكن أن يبلغه أي حراك شعبي.
2014-11-14