ارشيف من :آراء وتحليلات

ما هو المطلوب من الرياض؟

ما هو المطلوب من الرياض؟
في الوقت الذي تأمل اوساط سياسية وشعبية عراقية خيرا بالزيارة الرسمية للرئيس العراقي فؤاد معصوم الى المملكة العربية السعودية، التي بدأها مساء الثلاثاء، تنظر اليها اوساط اخرى بتفاؤل حذر، ارتباطا بطبيعة القضايا والملفات الشائكة بين بغداد والرياض، والمواقف السلبية للاخيرة طيلة الاحد عشر عاما الماضية حيال الشأن العراقي.

فمن المفترض ان تساهم تلك الزيارة المهمة بالشروع في تصحيح المسارات الخاطئة في العلاقات بين البلدين، لا سيما وان معصوم ذهب الى السعودية على رأس وفد رفيع المستوى بناء على دعوة رسمية منها، ومثلما يقول وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري من المنتظر ان يتم استثمار تلك الزيارة لدفع العلاقات بين بغداد والرياض الى الامام، وان تساهم الدبلوماسية العراقية السعودية بتحريك عجلة القضايا التي كانت جامدة سابقا استكمالا للقاءات السابقة في جدة وباريس ونيويورك.

في بغداد يرى بعض الساسة واصحاب الرأي ان الفرصة مؤاتية جدا لمراجعة واعادة النظر بواقع ومسيرة العلاقات العراقية-السعودية، واكثر من ذلك ان ظروف المنطقة والتحديات التي تواجهها مختلف الدول فيها تتطلب تعاونا وتنسيقا على اعلى الصعد والمستويات بين جميع الاطراف، لا سيما الفاعلة والمؤثرة منها، ولعل العراق والسعودية يعدان من بين الاطراف الفاعلة والمؤثرة.

ويرى هؤلاء الساسة ان جزءا من عوامل الشد والجذب التي حكمت مسار العلاقات بين الجانبين قد زالت واختفت الى حد ما، وبرزت عوامل ومعطيات وحقائق جديدة تشجع على اغلاق صفحات الماضي وفتح صفحات جديدة، واعتبروا أن سياسة العراق الخارجية تقوم على مبدأ الانفتاح على اساس المصالح المتبادلة والقواسم المشتركة، واذا كان هذا المبدأ قد واجه عقبات وعراقيل على صعيد التطبيق العملي في اوقات سابقة، فإن الارضيات والمناخات مهيأة في المرحلة الراهنة لتفعيله.

ووفق برلماني عراقي "فان العراق قد انفتح على جيرانه العرب، وهي سياسة ناجحة ليعود العراق الى محوره الاساسي ودوره في المجتمع العربي والاسلامي والدولي بما يملكه من مؤهلات وموقع استراتيجي، وان هذا الانفتاح يجعله يكون مهيّأً ان يقود الوضع العربي في المحافل الدولية من جديد ومن ثم يرتقي المحور الاقليمي والعالمي"، ولعله من غير الصحيح النظر الى الانفتاح من زاوية نظرية فقط، اي في اطار الاقوال دون الافعال، بل لا بد ان تكون هناك ترجمة واقعية وعملية لما يصدر من تصريحات على السنة الساسة، وخصوصا صناع القرار.

ما هو المطلوب من الرياض؟
السعودية والعراق

المبادرات السعودية

ولا شك ان المملكة العربية السعودية تتحمل المسؤولية الاكبر في بقاء العلاقات مع العراق متأزمة وتحكمها وتتحكم بها اجواء الشكوك وعدم الثقة طيلة اكثر من عقد من الزمن، لانها لم تتفاعل مع التجربة الديمقراطية الجديدة التي اعقبت نظام صدام، وبدلا من ان تدعمها وتساندها وتساهم في انجاحها وترسيخها راحت تضع العصي في دواليبها، وهذا ما تؤكده الكثير من المعطيات والارقام والوقائع والاحداث.

واليوم نقلت وسائل الاعلام تصريحات للملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز خلال لقائه الرئيس العراقي فؤاد معصوم، يقول فيها انه "حريص على وحدة العراق والاستقرار فيه وأهمية علاقات الاخوّة معه، وان البلدين لهما مستقبل واحد يتطلب البدء بالتنسيق في مجالات عديدة، وان المملكة تريد علاقات جيدة مع العراق".

هذا في الواقع كلام جيد وايجابي ومشجع، وهو يعبر عن موقف عقلاني وحكيم وصائب. ونقل عن الملك السعودي اشادته بالمرجع الديني الاعلى اية الله العظمى السيد علي السيستاني، وثنائه على مواقفه الرشيدة. وهذه اشارة مهمة، ورسالة طيبة، في ظل اجواء ومناخات مشحونة بالكثير من عوامل التأزم والشد والاحتقان المذهبي في المنطقة وعموم العالم الاسلامي.

وقبل ذلك فإن الرياض اطلقت اشارات ايجابية حينما تشكلت الحكومة العراقية الجديدة برئاسة حيدر العبادي في الثامن من شهر ايلول/سبتمبر الماضي. ولكن، ولكي يتحول الكلام الى واقع عملي على الارض، فإنه بحاجة الى ان يقترن بخطوات ومبادرات ملموسة ومتحركة على الارض.

بعبارة اخرى ثمة ما ينبغي للرياض فعله في حال كانت صادقة في رغبتها ببناء علاقات ايجابية وبناءة مع العراق، وهي تحتفي بالرئيس العراقي اليوم، وتنتظر زيارة رئيس مجلس النواب سليم الجبوري لها بعد بضعة ايام.

ولعل ابرز واهم خطوة يمكن ان تقوم بها الرياض، هي اعادة النظر في علاقاتها مع بعض الجماعات الارهابية المسلحة والجهات والشخصيات السياسية المعارضة او المعرقلة للعملية السياسية، ووقف تدفق الدعم للجماعات والتنظيمات السياسية والعسكرية في العراق من السعودية، ووضع حد لحملات التحريض من على المنابر الدينية ووسائل الاعلام السعودية، او الممولة من المال السعودي ضد العراق، وضد المكون الشيعي بالتحديد.

هذه الخطوة من شأنها مساعدة العراق في حربه ضد الارهاب، وبالتالي الحؤول دون تمدده وانتشاره الى دول اخرى، من غير المستبعد ان تكون السعودية في اي وقت من الاوقات واحدة منها. والخطوة الاخرى التي قد لا تقل اهمية عن الخطوة الاولى، تتمثل في التخلص من عقدة الخوف من الاخر، ومغادرة التعاطي مع العراق انطلاقا من عقلية المؤامرة، والانطلاق من حقيقة ان هناك قواسم مشتركة ومصالح متبادلة كثيرة وكبيرة بين البلدين، والمنطق الصحيح يقول بضرورة استثمارها لمصلحة الجانبين اولا، ولمصلحة الفضاء الاقليمي العام ثانيا.

إلا أن هذا لا يعني تذويب كل الاختلافات والخصوصيات، فذلك غير ممكن بالمرة، لكن بما ان مساحات الالتقاء اوسع من مساحات الافتراق، فمن الطبيعي والواجب ان يتم استثمارها وتوظيفها بأقصى قدر ممكن.

وحينما تقوم السعودية بتفعيل وتعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع العراق، وعدم ابقاء ابواب سفارتها مغلقة في بغداد وعدم الاكتفاء بتمثيل خجول من العاصمة الاردنية عمّان، فهذا يعني ان الامور تتجه بالاتجاه الصحيح. وكذلك فإنها حينما تعيد النظر بالمستحقات المالية التي لها بذمة العراق، وتبدي مرونة في هذا الجانب كما فعلت الكثير من الدول، فهذا هو الاخر يعني ان الامور تتجه بالاتجاه الصحيح.

ونفس الشيء حينما توظف الرياض بعض رساميلها في سوق الاستثمار العراقي، وهي سوق واعدة ومشجعة، رغم بعض عوامل الاضطراب والقلق الامني في المناطق الغربية، فضلا عن رفع مستوى التبادل التجاري، الذي يقدر حاليا بمليار وثلاثمائة مليون دولار سنويا، وهو رقم متواضع جدا، وذلك يعود في جانب كبير منه الى طبيعة العلاقات السياسية "المتأزمة"، ويتوقع مختصون بالشؤون الاقتصادية، ان يقفز هذا الرقم الى ثلاثة مليارات دولار في حال اسفر الحراك السياسي الاخير بين بغداد والرياض عن متغيرات حقيقية في واقع العلاقات بينهما.

ولا شك ان سياسات الانفراج بين بغداد الرياض، يمكن ان تنعكس ايجابا على بؤر التوتر في المنطقة، بدخول العراق كوسيط او طرف محوري لتقريب وجهات النظر، وبإبداء الرياض مرونة في مواقفها وتوجهاتها بحيث تجعل منها طرفا في الحلول لا محورا في المشاكل.
2014-11-14