ارشيف من :ترجمات ودراسات

تريدون النهوض بالاقتصاد ؟ عليكم إذاً إشعال الحرب !

تريدون النهوض بالاقتصاد ؟ عليكم إذاً إشعال الحرب !

الكاتب : غير مذكور
عن موقع : Reporterre
3 تشرين الأول / أكتوبر 2012

إذا ما بقينا في حدود النسق السائد، ليس هنالك غير حل واحد للنهوض بالاقتصاد : إشعال الحرب بما هي أفضل محفز اقتصادي تؤكده التجربة على الدوام.
تمر فرنسا وأوروبا بأزمة اجتماعية واقتصادية لا سابق لها. بطالة واسعة النطاق، أوضاع هشة، ديون حكومية، انهيار الخدمات العامة، تراجع التصنيع : إذا لم نفعل شيئاً، فإن نموذجنا التنموي سينهار بكليته وسيمر وقت طويل قبل أن يطل أفق العودة إلى النمو المستديم. لكننا نعرف السبيل الذي ينبغي اتباعه : "وظيفة واحدة في الصناعة تتولد عنها من 3 إلى 5 وظائف في مجال الخدمات والمعالجة التابعة تسمح، عن طريق الاستهلاك من قبل الأجراء، بتغذية الاقتصاد وبالتالي بتنمية الصناعة والتوظيفات" (وثائق الأتحاد العام للشغيلة –منطقة إيزير [فرنسا]). وعلى ذلك، فلكي يكون الإنسان في خدمة الاقتصاد حقاً، لا بد من إجراءات وتحسينات في مجال الصناعة تكون بمستوى الأزمة الحالية.

علينا أن نستوعب دروس التاريخ. فالاقتصاد الفرنسي شهد، قبل قرن من الزمن، قفزة رائعة إلى الأمام، كما عرفت الصناعة الفرنسية ثورة حقيقية. انظروا إلى انطلاقة منطقة غرينوبل في الفترة 1915-1916: تجهيزات مائية-كهربائية، تقدم كبير في مجال المنشآت الميكانيكية، ازدهار على مستوى إنشاء المصانع الكهربائية-الكيميائية. تجهيزات كهربائية، متفجرات، قطن مؤكسد، غلافات ورقية للرصاص، قذائف، كلور وفوسفةجين للاستخدام كغازات حروب، ماغنيزيوم للمدفعية. ماذا كان بإمكان صناعات التعدين التابعة لبوشاير وفيالي، ومصانع بروجيل الكيميائية، ومصانع بيرجيس، ومعجنات لوستوكرو، وبسكويت برين، أن تكون لو لم تكن الحرب العالمية الأولى ؟ الإحصاءات تقدم لنا أرقاماً قاطعة : "في العام 1914، كان عدد العمال في غرينوبل 15 ألفاً. وصل عددهم إلى 31 ألفاً عام 1931. الحرب كان لها إذن مفعول تحفيزي.

تولوز، مدينة التكنولوجيا التي وصلت الآن إلى القمة في مجال التجديد والإبداع، شهدت ظاهرة مماثلة : المجهود الحربي كان الأساس في "تحفيز إنشاء مجمعات صناعية ضخمة من لا شيء". نخبة مجمعات صناعة الطيران أو الصناعات الكيميائية الحالية متحدرة بشكل مباشر عن تلك الصناعات.
تحفيز ناجح أيضاً لجهود التحديث والإبداع نجده في الصناعة الوطنية وفي خلق الوظائف في الفترة الممتدة بين 1939 و1945. ففي غرينوبل، عملت مختبرات الصناعات الحديدية المغناطيسية، والطيران، والتوتر العالي، والكهرباء الثابتة وغيرها، في خدمة القطاع العسكري-الصناعي من أجل فائدة العمال. علينا ألا ننسى أبداً أنه بفضل التعاون بين الباحثين والجيش في فترة الأربعينات تحولت عاصمة منطقة الألب إلى وادي سيليكون خاص بفرنسا، وأمنت وظائف ومستقبلاً لآلاف المهندسين والتقنيين والأطر والإداريين. ست سنوات من الحرب أدت إلى ولادة السنوات "الثلاثين الزاهرة". والآن، وفي الوقت الذي تعاني فيه التنمية عندنا من حالة احتضار، علينا أن نتذكر هذه الحقيقة : الاقتصاد والحرب يكملان بعضهما البعض بشكل مستمر ولانهائي ومتبادل.

تريدون النهوض بالاقتصاد ؟ عليكم إذاً إشعال الحرب !
الاقتصاد

ولهذا، نوجه الآن دعوة كبرى للقوى الحية، للتقدميين، وللحركة الاجتماعية. من أجل تأمين الوظائف، لنا ولأبنائنا، من أجل إعادة تصنيع فرنسا، من أجل نهوضها الإنتاجي والمعنوي، لا بد لنا من حرب.

"النهوض بالإنتاج لن يكون كافياً"، ولن ينجح حيث أخفقت السياسة التي اعتمدت لمواجهة أزمة العام 1929 (New Deal). وهنا لا بد من التذكير أن برنامج الرئيس روزفلت في الثلاثينيات كان فشلاً سياسياً. إذ على الرغم من تدخل الدولة عبر تنفيذ مشاريع إعمار كبرى، وتقديم الدعم المالي للمزارعين والنقابات وجمعيات المستهلكين، والضمان الاجتماعي، فإن 17 % من الأيدي العاملة في الولايات المتحدة كانت لا تزال تعاني من البطالة عام 1939. ولم يعد القطاع الصناعي إلى النشاط إلا في العام 1940، أي في اللحظة التي بدأت فيها الولايات المتحدة بالتسلح تمهيداً لدخول الحرب.
لننظر إلى الأمور وجهاً لوجه. من داخل الاتحاد الأوروبي، ألمانيا تحتقر التضامن بين أعضاء الاتحاد، وتفضل مصالحها القومية متناقضة في ذلك مع بلدان الاتحاد الأخرى. اليونان لم يعد يقوى على مواجهة الأزمة. إسبانيا والبرتغال وإيطاليا أصبحت على حافة الهاوية. من جهتها، تفرض الإمبريالية الألمانية سياسة التقشف علينا وتدفع بنا نحو الكارثة. إلى متى نتحمل إملاءاتها؟

وبدورها، تفرض علينا الصين عملية كسر أسعار لا تحتمل لجهة تداعياتها الاجتماعية، ضاربة بذلك عرض الحائط بحقوق كل من العمال والملكية الصناعية، وشروط المنافسة. والنتيجة : هجرة الصناعات والتزوير والاستغلال. هل علينا أن نظهر المزيد من التسامح إزاء التجاوزات غير المحدودة التي يقوم بها الصينيون ؟

إن النزاع وارد بيننا وبين حلفائنا في حلف الناتو، من جهة، وبين الصين من جهة أخرى. أو بيننا -ومعنا اليونان- وبين ألمانيا. فالحقيقة أن مثل هذا النزاع لا يفتقر إلى الدوافع ولا إلى الظروف. فكروا بالتداعيات الاقتصادية لمثل هذا النزاع ! إن مسعى الرئيس أوباما لتجديد الـ "New Deal" تحت الاسم نفسه مضافاً إليه صفة "الأخضر"، بهدف استيعاب الضواغط البيئية المستجدة، هو مسعى محكوم عليه بالفشل. فأشكال الطاقة المتجددة، وعزل الأبنية، والوقود العضوي، والسيارة الكهربائية، كل ذلك لا يمكنه، وإن سمح بخلق بعض الوظائف، أن يحدث الهزة التي يتطلبها الاقتصاد. فالمجهود الحربي وحده هو ما ينهض بالصناعة كما في فترة 1939-45. لنقف مع ميلانشون [في الدعوة إلى عدم التخلي عن طائرة "رافال"]، ومع مونتبورغ في دعوته إلى الوطنية الاقتصادية، ولندعم قضية النهوض الاقتصادي الحقيقي.

مدينة غرينوبل بـ "مختبراتها العديدة ومراكز أبحاثها وجامعاتها [...] تشكل منبعاً لا ينضب للإبداع الذي تنهل منه "الإدارة العامة للتسلح" بانتظام" يمكنها أن تكون في طليعة عملية النهوض بقدرتها على تشغيل الألوف من العاملين.

مع شركة "تاليس" الخاضعة لخطر الإقفال، يمكن لفرنسا أن تصبح "الأولى عالمياً في التكنولوجيا المتقدمة المرتبطة باسواق الطيران وغزو الفضاء والدفاع ووسائل النقل والأمن" : أي صراع ينشب يفتح الأسواق أمام أسلحتنا المتطورة. تخيلوا ما تحققه مجموعة "سكوربيون" من نجاحات مع برنامجها للتطوير الرقمي لمسرح العمليات الذي تقوم المجموعة بإعداده لحساب الجيش الفرنسي ! ولا تنسوا نظمه الخاصة بتحديد المواقع بوسائل البيولوجيا المترية، أو بغربلة المعطيات... منتجاتنا المتطورة جداً ستظهر مدى ما تتمتع به من قدرات. جيشنا بات مجهزاً بأجهزة إلكترونية ومعلوماتية متقدمة من إنتاج العديد من الشركات الفرنسية. والعديد من صناعاتنا الأخرى ستشهد نهوضاً أكيداً بفضل دورة الحرب وإعادة الإعمار.

خذوا بعين الاعتبار عشرات المنشآت التي ستظهر إلى حيز الوجود ! والتي ستشكل نعمة تهبط على العاملين في شركاتنا المهددة حالياً بالإفلاس. هنالك حظوظ كبرى أمامنا لبناء مدن جديدة وحديثة على أنقاض المدن التي ستدمرها الحروب، ولتحديث شبكات النقل والطاقة، ولاستبدال عدادات الكهرباء بعدادات أكثر تطوراً بكثير، ولإعطاء البرنامج النووي الفرنسي دفعة قوية للتقدم إلى الأمام...

أما جنودنا والمدنيون الذين سيصابون في الحروب، فإنهم سيكونون في عهدة الأطباء المتخصصين في مجالات التكنولوجيا الطبية. الذين ستبتر أعضاؤهم في الحروب سيجربون الوسائل الحديثة التي يؤمنها الرجل الآلي والهياكل العظمية الصناعية المنتجة من قبل الشركات الفرنسية وعياداتها التي تنفرد بين جميع عيادات العالم بمعالجة العطوب التي تصيب الدماغ. آلام الجرحى ستكون مفيدة جداً لأنها ستسهم في تطور البيولوجيا وتطبيقاتها الصناعية. شركات فرنسية سيكون بإمكانها إجراء التجارب على زرع خلايا إلكترونية مضادة للاكتئاب ولاضطرابات المزاج. تخيلوا الصورة المشرقة التي ستأخذها مهاراتنا المحلية على المستوى العالمي !

على كل واحد منا أن يقتنع بأن الاقتصاد لم يوجد لخدمة الإنسان، بل أن الإنسان قد وجد لخدمة الاقتصاد. وأن يتساءل عما يمكنه أن يفعل لكي يخدم الاقتصاد...
2014-11-17