ارشيف من :نقاط على الحروف

تهافت منطق ’جعجع’ الدفاعي

تهافت منطق ’جعجع’ الدفاعي

عندما يستمع أحدنا لزعيم لبناني يتناول قضية مصيرية، يَفترض أنه سيكون أمام عملية شرح واستدلال، هي نتاج جهود موضوعية، وتملك قدرا من العمق والدقة. واذا ما حصل تباين في الاراء والمواقف يُعيد أحدنا ذلك الى اختلاف التقديرات وتعدد وجهات النظر.


بعد رد الدكتور سمير جعجع على أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، هل نحن أمام نظرية مُبدِعة، في الدفاع عن لبنان، في مقابل الاستراتيجية التي يعتمدها حزب الله؟

بداية لنستذكر سويا، رد الدكتور جعجع الذي أورده ضمن مؤتمره الصحفي الاخير في معراب، وقال فيه "مع احترامي لهذه العشائر، هنا لسنا في العراق ولسنا عشائر البونمر، فأيهما فعّال أكثر أن تكون منتشراً من حدود حلب الى حدود درعا أو أن تكون كل القوة موجودة على حدود لبنان لمنع الداعشيين من الدخول اليه؟ "
وكان السيد نصر الله أكد في الليلة التاسعة من شهر محرم، "نحن نقاوم في سوريا حماية للبنان ولسوريا ولفلسطين وللمنطقة ولشعوب المنطقة من الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية وهيمنة التكفيريين الذين إن أمسكوا بزمام الحكم لفعلوا بنا ما يفعله أبو بكر البغدادي بعشيرة أبو النمر".
فيما يتعلق بالشق الاول، "لسنا في العراق ولسنا عشائر البونمر"، يلاحظ أن الدكتور جعجع لم يوضح كيف أن المجازر التي ترتكب هناك، لن تتكرر هنا في لبنان، في حال "امسكوا بزمام الحكم" في سوريا، كما قال السيد نصر الله.

تهافت منطق ’جعجع’ الدفاعي
سمير جعجع

إذا ما تجاوزنا فرضية معرفتنا بمعنى وخلفية كلام الدكتور جعجع، ينبغي لنا أن نتساءل عن سر تأكيده أن هذه المجازر لن تتكرر في لبنان.
في استعراض الاحتمالات المفترضة، يحق لنا أن نسأل، هل يقصد الدكتور جعجع أنه يمكن الحؤول دون تكرار المجازر في لبنان، بعد سيطرتهم المفترضة على سوريا، عبر وساطات مع "ابو بكر البغدادي"، أم عبر الرهان على انسانية الاخير، أم لقناعة وضمانات لدى الاستاذ جعجع بأن البغدادي سيحذف لبنان من بلاد الشام، الموجودة على قائمة اهدافه الاستراتيجية، أم عبر الاعتماد على قدرات استثنائية يخبئها لنا الاستاذ جعجع ولا يريد الافصاح عنها؟

في المقابل، بالنسبة لنا، لا شك أن لدى لبنان قدرات كبيرة تسمح له بالدفاع عن نفسه، وهي تكامل الجيش والمقاومة. لكن مفاعيل هذه القدرة تكون أكثر فاعلية وجدوى في اوضاع معينة، وأقل فاعلية وجدوى في ظروف اخرى.
وفي حال كان لدى الدكتور جعجع قدرات خارقة اخرى خارج هذه المعادلة قادرة على الوقوف بوجه زحف داعش، نرجو ونؤكد عليه الكشف عنها في اسرع وقت.

ولنفترض أن الاستاذ جعجع، أو أحد من انصاره، اقترح الاعتماد على قدرات الجيش اللبناني باعتباره المؤهل من ناحية العديد وقدراته المادية والعسكرية على القيام بمهمة الدفاع عن وجود لبنان، في مقابل زحف داعش والتيارات التكفيرية، في المقابل، يحق لنا، بل ينبغي لنا، أن نسأل، هل هذه المقولة، هي نتيجة ثقة بالجيش اللبناني، ام للمناكفة السياسية، ام أن الهدف منها توريط الجيش؟

في كل الاحوال، لا نرى حاجة ملحة للاستدلال المطوَّل على بطلانها.. بل نكتفي بايكال هذه المهمة الى القارئ الكريم ثقة بوضوحها وبأنه قادرعلى الرد بنفسه عليها، خاصة في ضوء ما تشهده المنطقة العربية بأكملها، وفي مواجهة جيوش تملك من العديد والقدرات ما يفوق قدرات لبنان بأضعاف. ثم هل تحتمل القضايا الوجودية التجاذب بين نظريات، كما لو اننا نتباحث في قضية تفصيلية من زواريب الساحة اللبنانية؟

لا يفوتنا في هذا السياق التأكيد على الثقة الكبيرة بالجيش، وبأنه المؤسسة التي تحظى بثقة اللبنانيين وبدونه لا يمكن استكمال مهمة الدفاع عن وجود لبنان وامنه.
أما فيما يتعلق بالشق الثاني، من رد الدكتور جعجع، عندما توجه الى السيد نصر الله بالقول: "أيهما فعّال أكثر أن تكون منتشراً من حدود حلب الى حدود درعا أو أن تكون كل القوة موجودة على حدود لبنان لمنع الداعشيين من الدخول اليه؟ ". لنفترض من باب حسن الظن، ان هذا هو الطرح الذي يقدمه الدكتور جعجع للدفاع عن لبنان.

ينبغي أن نفترض ايضا أن الدكتور جعجع، استند في طرحه هذا الى ما يتمتع به من مؤهلات، وما لديه من معرفة وخبرة يشهد عليها تاريخه العسكري!.
قبل التدقيق في هذا الطرح، ينبغي تسجيل حقيقة أنه من الصعب العثور على خبير عسكري موضوعي واحد، يقبل بمعادلة انتظار العدو حتى يصل الى الحدود، تمهيدا لشن هجماته بهدف اختراقها وصولا الى العمق اللبناني. خاصة اذا كان تمركزه بالقرب منها يمنحه تفوقا عسكريا وماديا وجغرافيا، ويجعل المدافع اقل قوة واكثر ضعفا.

اما في حال حصل ذلك، قهرا، فلا بد عندها من وضع خطة عملانية للدفاع، تتلاءم مع هذا الواقع، ولو كان من باب الاضطرار.
ولنقدم هنا مثالا توضيحيا : لنفترض ان مجموعة متموضعة في مكان ما للدفاع عنه، وبالقرب منها تلة استراتيجية ليست ضمن نطاق سيطرتها، ابتداء. وتعلم هذه المجموعة أن عدواً يتجه نحوها وفي حال سيطرته على هذه التلة سيتمتع بتفوق على مستوى الرؤية والنار، بما يسمح له بالتفوق العسكري.
هل هناك منطق عسكري يبرر أن تتمترس هذه المجموعة في مكانها بانتظار وصول العدو الى التلة والسيطرة عليها، أم أن عليها أن تسارع للسيطرة على التلة بهدف منع العدو القادم من السيطرة عليها، دفعا للخطر الاكبر وتمكينا لها في عملية الدفاع؟

مع ذلك، ينبغي أن نفترض، استنادا الى نظرية الدكتور جعجع بالتموضع على الحدود، أنه قد اكتشف وأقر بأن هناك خطراً يهدد وجود لبنان، شعبا وكيانا، من سيطرة التكفيريين بمختلف عناوينهم واسمائهم الامر الذي دفعه الى طرح هذه النظرية.
هل يدرك الاستاذ جعجع أن خطر التيارات التكفيرية، بعد سيطرتها على سوريا، بما تملكه من قدرات عسكرية وصاروخية واستراتيجية، هو غير خطرهم، وبما لا يقاس، في وضعهم الحالي؟

هل يدرك الاستاذ جعجع ان قوة لبنان في الدفاع عن نفسه، بعد سيطرة هذه الجماعات على سوريا، وحيازتهم على قدراتها الاستراتيجية، ستكون أضعف بكثير مما هي عليه الان؟
في كل الاحوال، يبقى أن نسجل، إذا كانت غاية الدكتور جعجع من وراء هذا الكلام فعلا الدفاع عن لبنان في مقابل عدو مشخص الهوية والاخطار فلا يوجد أي منطق دفاعي يبرر هذا الخيار ويدعو الى التراجع عن الاستراتيجية الحالية التي جنَّبت لبنان كوارث مشابهة للعراق وسوريا وقلَّصت الأخطار الى ما هي عليه الان، واستبدالها بخيار مرعب في نتائجه وتداعياته على لبنان شعبا وكيانا. اما اذا كان طرحه لمجرد تسجيل المواقف، فهذا يحتاج الى ردود من نوع اخر.. لسنا في وارد التطرق اليها...
2014-11-17