ارشيف من :نقاط على الحروف
’نخبة عربية’ تحرض على الشعب اليمني: السنيورة وموسى والراشد نموذجا
لماذا يكتب رئيس وزراء لبنان الاسبق فؤاد السنيورة والامين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى مقالا مشتركاً عن اليمن وتنشره في يوم واحد صحف عربية كبيرة مشرقية وخليجية في صدر صفحاتها الأولى، ويحذران فيه من خطر تفكك اليمن على الامن العربي؟ الخطوة لافتة لعدة اسباب: اولاً لأن المذكورين معروفان بانهما رجلا اميركا المخلصان في الشرق الاوسط، ويكنان عداءً مكشوفاً ضد دول وقوى محور المقاومة؛ وثانياً، لان نصهما ينضح بالكراهية تجاه مكون اساسي من مكونات الشعب اليمني هم انصار الله الحوثيون؛ وثالثاً، لانهما يحضان مجلس الامن الدولي على التدخل في اليمن ويطالبان بتفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك وتشكيل قوة عسكرية عربية تأخذ زخمها من دعم دولي يوفره لها مجلس الامن.
لا نعرف كيف يسمح لبناني ومصري لنفسيهما بأن يقررا نيابة عن الشعب اليمني ماذا يجب ان يحصل في بلده، وكيف يتدخلان في شؤون وطن له اهله وقواه السياسية وقياداته الذين وقعوا جميعا على اتفاقية السلم والشراكة واطلقوا مرحلة سياسية جديدة بعيداً عن اي وصاية خارجية، خصوصاً وصاية المبادرة الخليجية التي يتباكى السنيورة وموسى عليها، رغم ان دولة مؤثرة في المبادرة ومساهمة في صنعها وجارة لليمن، ونقصد سلطنة عمان قد نعتها ودعت الى مقاربة جديدة للوضع اليمني تعترف بالتطورات الاخيرة.
شبح حزب الله وايران هو سيد الموقف في استعراض الرجلين |
فؤاد السنيورة
اعتمد السنيورة وموسى في تقديم معلوماتهما وشروحاتهما على يمنيين يعرفونهم، لكن بعض الاصدقاء اليمنيين ممن اطلعوا على المقالة ولهم شأن كبير في اليمن اليوم، هزئوا بتخيلات واقتراحات هذين الشخصين، وتساءلوا عما اذا كانا يريدان ان يعوضا خيباتهما في حرب تموز من خلال استنساخ افكارهما للحل انذاك ويسقطاها على الحالة اليمنية.
طبعاً افكار السنيورة وموسى ليست جديدة. فمنذ اليوم الاول لانتصار الثورة اليمنية في الواحد والعشرين من أيلول/ سبتمبر الماضي، وتحول انصار الله الحوثيون الى القوة السياسية والعسكرية الرئيسة والمسيطرة في اليمن، نُشرت مقالات مماثلة في الصحف الخليجية، وفي مقدمها الصحف السعودية، مثل "عكاظ" و"الوطن" و"الشرق الاوسط" و"الحياة"، و"السياسة" الكويتية و"البيان" الاماراتية، وغيرها ممن حاولت ان تعكس شيئا من صراخ بعض حكام تلك المنطقة بعدما خولت الاغلبية الشعبية والقبلية السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي زمام قيادتها والتحدث باسمها وتحقيق مطالبها المشروعة والعادلة، وبات "مرشد الجمهورية اليمنية" كما يصفه بعض الاعلام المعادي.
الحوثيون
تلك المقالات حملت توقيع كبار الكتاب ورؤساء تحرير لبعض تلك الصحف وغيرها، وفيها ظهر حجم الصدمة التي اعترت هؤلاء من حجم الانجاز اليمني، وايضا مستوى الفوقية في النظرة الى الشعب اليمني الفقير والعظيم كما يصفه السيد عبد الملك دائماً_ مستكثرين عليه تحقيق طموحاته، ولم يجدوا سبيلاً لتشويه انجازه الاستراتيجي الا اقحام اسم ايران فيه كراع خارجي ومحرض على تلك "المؤامرة" التي قادت الى سقوط صنعاء في ليال ثلاث فقط، وفرار الحصان الخليجي الاميركي اللواء علي محسن الاحمر الى مكان مجهول قبل ان يتم تهريبه الى السعودية بعدما اصبح مطلوبا للعدالة اليمنية. عينة من تلك المقالات تتقاطع كلياً مع ما ذهب اليه فؤاد السنيورة وعمرو موسى. عبد الرحمن الراشد رأس قناة "العربية" التي تتولى منذ زمن الحرب الاعلامية على حركة انصار الله وتُنحِّي خلافاتها جانباً مع قناة "الجزيرة" لتتفقا وتنسقا ضد الحوثيين، هذا الصحفي وهو صاحب القرار الاول في صحيفة "الشرق الاوسط" ايضاً، وهي التوأم المكتوب "للعربية"، معروف بقربه من مراكز القرار في السعودية وايضاً مروحة علاقاته الخارجية، ويعكس في مقالاته بعضاً مما يدور في اذهان تلك الدوائر. كتب الرجل مؤخرا مقالاً يؤسس فيه لفرضية التدخل العسكري في اليمن انطلاقا من تجربة يراها "ناجحة" تقوم بها حالياً مصر والجزائر ودول اخرى في ليبيا من اجل احتواء الازمة، ان لم يكن فرض الحل. ببساطة يطرح الراشد سؤالاً صريحاً عن احتمال تكرار التجربة في اليمن، ويدعو بلا مواربة الى التدخل العسكري الاقليمي في هذا البلد مستشهدا بتجربة سابقة عندما تدخلت السعودية والاردن في حرب الستينيات اليمنية وأثمرت نتائج "دفعت القوى الثائرة والمدعومة خارجياً إلى القبول بحلول وسط أنهت أخيراً الحرب الأهلية اليمنية"، كما قال حرفياً.
تسويق للتدخل العسكري
اذاً هناك عمل جاد ومكثف من قبل "النخبة السيادية" في العالم العربي على التسويق لفكرة التدخل العسكري، سواء الدولي باسم القرار 2140 الذي وضع اليمن تحت الفصل السابع، او باسم قوة عربية مشتركة تحدثت تقارير غربية عدة عن التحضير لها بين مصر ودول خليجية للتدخل السريع في الاماكن المضطربة في العالم العربي، وتحديداً اليمن، متكئين على تجربة الولايات المتحدة في تشكيل تحالف دولي ضد "داعش" بمعزل عن اي مرجعية دولية، وهم بدأوا تحضير الادوات لذلك مثل تصنيف انصار الله "منظمة ارهابية" كما فعلت الامارات العربية المتحدة السبت الماضي، وسبقتها طبعاً السعودية بأشهر، وهناك ضغط على مصر للقيام بخطوة مماثلة، ويتم ابتزازها أمنياً من خلال عمليات ارهابية معروفة المصدر لكي تتخذ موقفا سلبياً من انصار الله الحوثيين. وفوق ذلك تؤدي الولايات المتحدة دور الراعي لهذه العملية من خلال قرارات مجلس الامن التي صنفت قياديين اثنين في انصار الله كمعرقلين للعملية السياسية وفرضت عقوبات مالية ومنع سفر عليهما، رغم ان جمال بن عمر المبعوث الدولي تناول الغداء مع احدهما في صعدة (يحيى عبد الله الحاكم).
يفهم مما تقدم ان الاجواء تحضر اعلامياً في المرحلة الحالية من خلال توفير المبررات للاعتداء على الشعب اليمني رغم ان جميع قواه وقعت اتفاقية السلم والشراكة، ورغم ان هذه الاتفاقية وضعت موضع التطبيق فرُفعت الاعتصامات وأزيلت المخيمات من مداخل العاصمة وعُيّن رئيس الحكومة وشكل خالد بحاح حكومته، وبدأ اغلب الوزراء العمل، لكن يبدو ان هناك من لم يعجبه ان يمارس الشعب اليمني سيادته بنفسه، ولا يريد بالفعل ان يرى تجربة ثورية ناجحة على حدوده تغري شعبه بمثلها، وبالتالي ليس هناك من حل سوى اغراق اليمن في الفوضى والحروب الداخلية وتحشيد التكفيريين ودعمهم وتغذية نزعات الانفصال والتدخل العسكري الخارجي ان امكن.
في المقابل هناك في اليمن من يعد العدة جيداً لاسوأ الاحتمالات ويرى في الشعب اليمني قدرة على احتواء المؤامرات، ويتكلون على الله تعالى في رد المكر على اهله، وبعتمدون على حكمة السيد عبد الملك وقيادته التي اثبتت نضجاً ووعياً متقدمين في ادارة الازمات وتحقيق الانتصارات الالهية، وهو قد أبرأ الذمة بمده اليد الى جميع دول الجوار وخاطبهم بالتي هي أحسن كما هي المدرسة القرآنية، الا الاميركيين حيث يستبشر الاصدقاء اليمنيون خيراً متى ما أطلت اميركا برأسها مباشرة، فذلك يغنيهم عن مواجهة الاذناب، ويحمدون الله ان مثل هذه المقالات "النخبوية" تكشف الأقنعة والخبايا وتساعد في بلورة فهم لحقيقة ما يجري في المنطقة وما يخطط لليمن الذي "لا بد منه كله_ وليس صنعاء فقط_ ولو طال السفر" ان يعود سعيداً وحراً ومستقلاً.