ارشيف من :آراء وتحليلات
صفقة النووي ...والطريق الى بعبدا
بعد التمديد للمجلس النيابي اللبناني فتح الباب على مصراعيه نحو مساع ومحاولات لحل عقدة الرئاسة الأولى، مما يمهد لخلق نوع من التوازن السياسي الداخلي، وذلك من خلال الحوار المرتقب بين المستقبل وحزب لله. وقد مهد لهذا المناخ السياسي الجديد المبادرة التي تقدم بها الرئيس سعد الحريري في استعداده للدخول في "حوار رئاسي" بالدرجة الأولى، ولاقت استحساناً وقبولا من جانب السيد حسن نصرالله بعدما أشاد بموقف تيار المستقبل على خلفية احداث طرابلس. وقد جاء موقف السيد واضحا وصريحا وعلنا في الاعلام حتى لايستغل المتضررون الرسائل الإيجابية التي تلقاها السيد من سعاة الخير .
بالاضافة الى تلميح الحريري بتكرار سيناريو 2008 بالاتفاق حول رئيس توافقي، جاء رد حزب الله عليه بإعلانه ترشيح العماد عون مرشح حزب الله وفريق 8 آذار للرئاسة، وهذا يعني أن الانتخابات الرئاسية لا تمر إلا بالرابية وبالحوار مع عون لإرضائه في حال عدم انتخابه رئيسا، ويعني أن تمسك السيد نصرلله بترشيح عون يتعارض مع دعوة الحريري الى التفاھم على رئيس توافقي ، وهي مناورة لخلق شرخ بين التيار الوطني الحر وحزب الله . وعندما ايقن الجنرال عون من تلاعب الحريري اعلن نهاية الحوار مع " المستقبل " .
كرسي الرئاسة الفارغ
لكن إلى الان كل مايجري هو مجرد تبادل حوارات اعلامية لم تجد تنفيذها على أرض الواقع طريق، في ظل وجود رأيين متضاديين في تيار " المستقبل " : فمن جھة الوزير نھاد المشنوق الذي بذل جھدا ليرتقي ببيان الحريري الى مرتبة المبادرة الحوارية، ومن جھة ثانية الرئيس فؤاد السنيورة والوزير أشرف ريفي حيث ھاجما حزب لله ولديھما تحفظات ولا يريان ما يمكن الحوار والاتفاق عليه في ھذا الظرف. وقد استغل المتطرفون في 14 اذار سير عمل المحكمة الدولية لتجديد شن حملة متجددة ضد سوريا وايران وحزب الله بهدف ضرب محاولات التقارب والحوار بين السيد والحريري .يزاد على ما سبق تساءل جدي من دون جواب واضح عن رأي السعودية وهل سمحت للحريري ببدء حوار مع الحزب، بعدما كانت سبباً أساسياً في وقف حوار الحريري-عون.
رغم التباينات ، المتفائلون ببداية مرحلة جديدة بالتعاطي الايجابي في الملف الرئاسي اللبناني يستندون الى الظروف التي هيأت له اجواء داخلية واقليمية خصوصا مفاوضات الاتفاق النووي التي جرت في مسقط بين الولايات المتحدة وإيران بحضور أوروبي "مراقب".
فالمفاوضات المتواصلة في مسقط بين إيران والمجموعة الدولية تمھد للجولة الحاسمة التي ستحصل في فيينا في الفترة الواقعة بين 18 و 24 تشرين الثاني، إيران تريد الاتفاق وتسعى إليه ولكن من دون تقديم تنازلات جوھرية وكبيرة، فهي تريد التزام أمريكي-أوروبي باتفاق يقايض سلمية البرنامج النووي برفع كل العقوبات، وهذا يساعدها على تحقيق توازن مالي واقتصادي وتأمين رفاهية لشعبها.
كما أن اوباما يرغب باتفاق مع ايران ينهي ولايتين له لم ينجح خلالھما في تحقيق إنجاز في الشرق الأوسط،، خصوصا ان الوقت للتفاوض يضيق أمامه لأنه سيواجه ابتداء من مطلع العام المقبل سيطرة جمھورية و"وضع يد" على السياسة الخارجية.
وبالرغم من رغبة كلا الجانبيين في الوصول الى اتفاق إلا أن ھذا التوق لا يصل الى درجة القبول باتفاق سيئ واستفزاز الكونغرس وإسرائيل. وفي كل الحالات التوصل الى اتفاق يفتح الباب امام حلول لازمات المنطقة .
يضاف الى هذه المعطيات الإيجابية المساعي الروسية لحل الازمة السورية من خلال حكومة انتقالية بين النظام والمعارضة عبر حل سياسي، مع بوادر التقارب السعودي- الايراني وتفاهمات بينهما لما يجري في العراق واليمن، واحتواء للازمة في الاحساء ونزع فتيل الفتنة الطائفية فيها.
يضيف المتفائلون تحرك الفاتيكان نحو حل ملف الرئاسة اللبناني عبر اتصالات تجريھا دوائره بعواصم غربية وإقليمية، وعبر اتصالات خاصة قام بھا موفد خاص في بيروت ھو أمين عام مجمع أساقفة العالم "بالديساري".يقابله تحرك فرنسي باتجاه ايران ومطالبة باريس بالتدخل والتأثير على حزب الله.
على المستوى الرسمي نرى الرئيس تمام سلام يصرح علناً "إن أي صفقة لتسوية النزاع النووي الإيراني ستمھد الطريق أمام حل الأزمة السياسية التي تركت لبنان من دون رئيس منذ أيار الماضي "، هذا التصريح ربط فيه سلام الازمة اللبنانية والفراغ الرئاسي بالازمة النووية ، متناسياً عامل الأزمة السورية التي لھا التأثير المباشر على الوضع اللبناني وبسببھا حصل التمديد النيابي كما يتجاھل تطور العلاقات الإيرانية السعودية وما لها من تأثير كبير على لبنان . هذه المقاربة ترهن الحل في لبنان بحل الازمات الإقليمية والدولية بينما كلام السيد حسن نصرلله في عاشوراء، فتح بابا للحل الداخلي في لبنان من خلال دعوته الى فك ارتباط الملف الرئاسي بالأزمات والملفات الإقليمية، والى عدم الرھان على تدخل أو تأثير إيراني في ھذا الملف.
كل هذه التحركات الداخلية والخارجية لحلحلة الفراغ الرائاسي اللبناني، أدت إلى إعادة خلط الأوراق السياسية التي أحدثھا التمديد النيابي وساعد على التأسيس لمعادلات تغيّر ميزان القوى النيابي وفتح الطريق أمام التسوية السياسية والرئاسية. وما علينا سوى ان ننتظر إلى أين ستؤدي تلك التحركات، إلى حل أزمة أم إلى تأزم لأزمة الكرسي الاول اللبناني وبقائه في سوق النخاسة السياسية الداخلية والاقليمية وتعرضه لمزيد من التفاوضات بين اخذ ورد . فلننتظر يقول مراقبون سياسيون متفائلون ، ويراهنون على ان قريبا تظهر تحولات تساعد على حل ملف الرئاسة ونقول نحن لهم: إننا معكم لمنتظرون ، لكن لبنان يمر الان في مرحلة مراوحة وانتظار طويل لا انفجار كبير ولا حلول جدية في المدى المنظور .