ارشيف من :ترجمات ودراسات
الحرب هي المخرج الوحيد من الأزمة الاقتصادية
عن موقع
www.northstarcompass.org/french/nscfr35/war.htm
الوقائع كذبت التصريحات التي عكست اطمئنان إدارة بوش وبشرت بنمو اقتصادي قياسي. فوالواقع أن البطالة تتصاعد والإنتاج الداخلي ينهار والاقتصاد يتحرك بكليته نحو الحرب. والديون الخارجية وصلت إلى مستوى حرج لا سابق له في بلد صناعي وباتت تهدد، وفق صندوق النقد الدولي، الاقتصاد العالمي برمته. أما تخصص صناعات التسلح فإنه يجعل العودة إلى اقتصاد سلام أمراً مستحيلاً. فالولايات المتحدة دخلت في دورة جهنمية ولم يعد بإمكانها أن تستمر بالوجود إلا من خلال استمرار الحرب.
في أواخر العام 2003، أصدرت وزارة الاقتصاد تقريراً بينت فيها تقديراتها النهائية بخصوص النمو في الولايات المتحدة، وتحدثت عن قفزة بنسبة تزيد عن 8 بالمئة لناتجها المحلي الخام في الفصل الثالث من العام المذكور. فالبلاد لم يسبق لها أن عرفت نمواً بهذا المستوى منذ 19 عاماً. وفي خضم الاندفاعة ذاتها، هللت الصحافة للنمو في الولايات المتحدة. لكن عدداً من المحللين نأوا بأنفسهم عن هذه الحماسة ولفتوا إلى أن أرقام البطالة قد ارتفعت (من 4 بالمئة عام 2000، إلى 4،8 عام 2001، و5،8 عام 2002، و6،1 عام 2003). لكن واقعتين مهمتين اثنتين جرى استبعادهما : فالنمو ارتبط في الحقيقة بمستوى عال من الاقتراض، وبإعادة ضخ الإنفاق على المجال الاجتماعي في المجال العسكري. وبالتالي أصبح الاقتصاد الأميركي الآن متجهاً نحو الحرب.
نمو بالاقتراض
لقد مولت الولايات المتحدة نموها عن طريق الاقتراض. فقد عرفت البلاد أول عجز في موازنتها منذ العام 1979، حيث انخفضت أرقامها شيئاً فشيئاً من 1،5 بالمئة عام 2002 إلى 3،5 بالمئة عام 2003 لتصل إلى 4،2 عام 2004. فعلى سبيل المقارنة، يقر عقد التوازن في الموازنة سقفاً لا يتعدى 3 بالمئة.
لقد ارتفعت الديون الخارجية للولايات المتحدة من 3600 مليار دولار عام 2000 (39 بالمئة من الناتج المحلي الخام)، إلى 6500 مليار (58،5 بالمئة) عام 2003. وقد بينت تقديرات مقلقة صدرت عن لجنة الموازنة في الكونغرس أن الديون ستصل إلى 14 مليار دولار في غضون عشر سنوات. ومن جهته، أجرى الأمين العام السابق للموازنة بول أونيل دراسة بينت أن عجز الولايات المتحدة سيصل إلى 44 مليار دولار في غضون الخمسين عاماً القادمة.
وكان صندوق النقد الدولي قد عقد، في 7 كانون الثاني / يناير 2004، مؤتمراً صحافياً حول السياسات الضريبية في الولايات المتحدة وانعكاساتها على مستوى الاقتصاد الدولي. وقد وجه هذا المؤتمر -الذي كان من وحي وتوجيه واشنطن- لائحة اتهام حقيقية للسياسات الاقتصادية لإدارة بوش. ومن النتائج التي خرج بها أن الدين الخارجي الأميركي قد بلغ حدوداً لا سابق لها بالنسبة لبلد صناعي، وأن هذه الظاهرة تتسبب في ارتفاع سعر الفائدة وفي تراجع النمو على المستوى العالمي.
الازمة الاقتصادية في اميركا
النهب، أفضل استراتيجية لمواجهة الديون
إن التزايد السريع للديون، وهو تزايد يتعدى إلى حد كبير حدود مصداقية الولايات المتحدة، وقد أثار تساؤلات روبرت فريدمان حول التوجه الاقتصادي الذي اعتمدته إدارة بوش، وخلص إلى نتيجة مفادها أن هنالك خمس استراتيجيات ممكنة.
الأولى تتمثل برفع الضرائب وتسديد الديون. ولكن إدارة بوش لم تعتمد هذا الخيار. والثانية تتمثل بطبع الأوراق النقدية. والمشكلة هنا أن اللجوء المكثف إلى هذا الحل يؤدي حتماً إلى انهيار الاقتصاد.
أما الاستراتيجية الثالثة، وهي المقترحة من قبل صندوق النقد الدولي على بلدان العالم الثالث، فتتمثل بخصخصة الممتلكات الوطنية ثم بيعها لجهات خارجية. وبالطبع، فإنه من غير المرجح بتاتاً أن يلقى هذا الخيار قبولاً في الولايات المتحدة. ومع هذا، فإن خيار تخفيض سعر الدولار يسمح لإدارة بوش ليس فقط بتشجيع التصدير، بل يسمح أيضاً للرساميل الأجنبية بشراء مؤسسات في الولايات المتحدة.
وهنالك استراتيجية رابعة تتمثل بالامتناع عن دفع الديون كما فعل البلاشفة عندما استولوا على السلطة في روسيا. ويعتبر روبرت فريدمان أن هذا الخيار هو "ممكن أكثر مما قد لا يتخيله كثير من الأميركيين". فالواقع أن قسماً هاماً من العجز المالي الأميركي إنما يعود إلى تمويل الضمان الاجتماعي، ما يعني أن خصخصة هذا القطاع كان يجب أن تكون إحدى أولويات بوش فيما لو فاز في انتخابات العام 2004.
الاستراتيجية الخامسة هي التي صممت إدارة بوش على اعتمادها فيما يبدو. وهنا يقول فريدمان : "وحده النهب يبقى في النهاية. عندما تصبح ديون بلد ما ضخمة إلى حد تستحيل معه طمأنة الدائنين، يكون على هذا البلد أن يبحث عن مصدر للثروة، أياً يكن هذا المصدر". ومن هنا، فإن الولايات المتحدة لم تختر ضرب العراق لأن صدام حسين كان يمتلك أسلحة دمار شامل، ولا لأنها كانت تريد نشر الديموقراطية. كان هدفها الاستيلاء على النفط أو، بتعبير أدق، على سوق النفط العالمية.
ارتباط النمو بالإنفاق العسكري
وتأتي الوقائع لتثبت صحة تحليلات روبرت فريدمان : لقد تم توجيه الاقتصاد الأميركي في ظل إدارة بوش نحو الحرب والغزو.
أرقام الدين الخارجي ومعدلات النمو في الولايات المتحدة لعام 2002 هي ارقام مغشوشة، لأن إدارة بوش شرعنت زيادة عجز الموازنة بدعوى ضرورة شن الحرب على الإرهاب. وقد سمح هذا التبرير بتحويل موازنات البنى الاجتماعية التحتية إلى المجهود الحربي. وبذلك ارتفع الإنفاق على الحرب من 3،1 % من الناتج الداخلي الخام عام 2001، إلى 3،5 % عام 2003.
وقد عاد هذا الارتفاع في الإنفاق الحكومي بالنفع على صناعة الأسلحة في القطاع الخاص. فارتفعت مبيعات شركة نورثروب غرومان بنسبة 57 % بين العامين 2002 و2003، بعد أن كانت تعاني من خسائر متلاحقة. أما القسم الحربي في شركة بوينغ فقد راكم أرباحاً وصلت إلى 38 بالمئة، في حين ارتفع رقم مبيعات شركة لوكهيد مارتن، وهي الأولى عالمياً في مجال بيع الأسلحة بنسبة 23 %، بينما ارتفعت مبيعات قسم الطيران في الشركة نفسها بنسبة 60 %.
لكن الإنفاق على اليد العاملة في مجال التسلح بقي ضعيفاً نسبياً، وفق ما أكده روبرت بولين، أستاذ الاقتصاد في جامعة ماساشوستس. لأن حصة الأسد كانت من نصيب شركات هاليبورتون وبيشتل وغيرهما من الشركات الخاصة المرتبطة بإدارة بوش.
على ذلك يكون النمو الذي هلل له المحللون متوقفاً بشكل رئيسي على الاستثمارات ذات الارتباط بالحرب. بدليل أن 60 % من أرقام النمو خلال الفصل الثاني من العام 2003، أي في عز احتدام الحرب على العراق كان ناتجاً عن الإنفاق العسكري.
نسبة الإنفاق العسكري من الإنتاج الداخلي الخام
من رفض الولايات المتحدة توقيع اتفاقية أوتاوا الخاصة بمنع استخدام الألغام المضادة للأفراد، إلى الحرب على العراق، ومن المشروع العسكري العملاق المعروف باسم "حرب النجوم" إلى الدخول في حرب دائمة على الإرهاب، كل شيء يدل على طبيعة التوجه الاقتصادي الجديد للولايات المتحدة نحو الاستثمار في الحرب والغزو.
خلال القرن الماضي، كان الانتقال من اقتصاد قائم على الحرب إلى اقتصاد قائم على السلام أمراً بالغ الصعوبة. أما اليوم، فإن التقدم الكبير على مستوى تطوير الأسلحة يجعله أمراً مستحيلاً تماماً. وعليه، تكون الحرب بالنسبة للولايات المتحدة قد أصبحت شرط استمرار وجودها الاقتصادي.