ارشيف من :آراء وتحليلات

جيش ’داعش’ الأميركي

جيش ’داعش’ الأميركي
أصدر معهد "ستراسفور" الأميركي المتخصص في تحليل الشؤون الدولية، بتاريخ 6 تشرين الأول 2014 تقريراً تحدث فيه عن التقديرات العسكرية والأمنية الأميركية في الربع الرابع من العام 2014 فيما يتعلق بمجريات ما يسمى "الربيع العربي"، وركّز التقرير، الذي اعتمد على معلومات وتحليلات استخبارية، ولا سيما في القسم الخاص المتعلق بالوضع في سوريا والعراق، على سعي واشنطن لإرساء نوع من التوازن بين مسارها المستجد في العلاقة مع إيران دون التأثير على علاقتها مع حلفائها العرب، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية وتالياً قطر ودول مجلس التعاون الخليجي.

واشنطن لا تريد القضاء على داعش

وأشار التقرير إلى أن ما يجمع واشنطن وطهران الآن هو المعركة الجارية مع تنظيم "داعش"، على الرغم من أن غالبية المسؤولين الأميركيين بدءاً من الرئيس باراك أوباما دأبوا على الإعلان جهاراً أن القضاء على "داعش" في إطار جهود الائتلاف الدولي - العربي هو هدف بعيد المنال، وبالتالي فإن سقف الأهداف والتوقعات لنتيجة ضربات هذا الائتلاف سيكون إضعاف قدرات "داعش" ووقف توسّعها.

وعلى الضفة العربية، يهدف شركاء واشنطن من العرب في الائتلاف إلى تقليص دائرة النفوذ الايراني. ويأمل هؤلاء من توسيع حملة القضاء على "داعش" أن تشمل الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد حليف إيران، وبالتالي إضعاف حزب الله.

ولكن يبدو أن هذه الأهداف قد لا تتوافق تماماً مع الاستراتيجية الأميركية، حيث تفضل واشنطن عدم إقحام نفسها عسكرياً بشكل مباشر، وهي لا تزال تراهن على إنشاء جيش جديد من خلال تدريب وتسليح الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق على اختلاف انتماءاتها وتسمياتها، وهذا بحد ذاته سيؤدي بالضرورة إلى إبقاء نفوذ "داعش" في مناطق حيوية في البلدين.

حرب سرية ضد إيران

يذكر أن كينيث بولاك، مدير البحوث بمركز "سابان" لسياسات الشرق الأوسط بمؤسسة "بروكنجز"، وهو محلل وخبير في الأمن القومي والشؤون العسكرية والخليج، كان نشر دراسة في بداية أحداث ما يسمى "الربيع العربي" تحدث فيها عن خطة أعدتها واشنطن لبناء جيش خارج الحدود الإقليمية واسعة النطاق لغزو سوريا، ويجري بناء مثل هذا الجيش في العراق وتركيا على أن تنتشر قواعد تدريبه في شمال الأردن وتقدّم كل من السعودية وقطر الدعم اللوجستي والمالي فضلاً عن خبراء التدريب العسكري، وكل ذلك وصولاً إلى شن حرب سرية ضد إيران.

ويتفق تقرير "ستراسفور" ودراسة "بروكينغز" على أن الجهود الأميركية الرامية إلى إسقاط النظام في سوريا جزء لا يتجزأ من إضعاف وعزل وتدمير إيران، وأن تشكيل قوة عسكرية بالوكالة واسعة النطاق ستكون مهمتها غزو واحتلال سوريا، وهذه القوة في الواقع الراهن ليست سوى تنظيم "داعش" الذي يسعى إلى امتلاك المزيد من المقوّمات والقدرات العسكرية والمالية التي تؤهله ليكون "جيش داعش الأميركي".

داعش تموّل نفسها

وإذا ما استعرضنا الوقائع الفعلية والميدانية الجارية في سوريا والعراق، لوجدنا أن "داعش" والجماعات الارهابية الأخرى تركّز على احتلال أهداف ومناطق حيوية وأهمها منابع النفط والمعابر الحدودية والسدود المائية، هذا عدا عن صفقات الأسلحة وتجارة الرقيق والضرائب والخوّات التي تفرضها في مناطق وجودها، دون أن نغفل التمويل العربي الذي تحوّل تدفقه من الدول إلى جهات وشخصيات داخل هذه الدول نفسها.

وقد تحدثت وكالات الأنباء العالمية ودوريات أميركية مثل: نيويورك تايمز وواشنطن بوست، صراحة عن أن وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية (CIA) كانت تعمل ولسنوات عدة على إيصال مليارات الدولارات من المساعدات والعتاد والأسلحة والآليات العسكرية إلى المسلحين الذين يقاتلون في سوريا.

حصار إيران بطوق سنّي

لم تفضِ غارات قوى الائتلاف إلى أي نتيجة حتى الآن ولم تفلح - بحسب ما تم إعلانه من أهداف - في إضعاف أو وقف الجماعات الارهابية المسلحة من الاستمرار في شن اعتداءاتها على القرى والمدن في سوريا والعراق، لا بل إن الطائرات الأميركية كانت تلقي العتاد والأسلحة والمواد الغذائية إلى مسلحي "داعش"، وفي المقابل تستهدف مجموعات المقاتلين من الأكراد والعرب، وطبعاً عن طريق الخطأ!!

لا شك في أن "جيش داعش الأميركي" الذي تطمح واشنطن إلى نشره واستخدامه في كل من العراق وسوريا سيكون ذا لون طائفي واحد، مستغلّة التوزيع العرقي في كلا البلدين، فإن البديل عن الجيش السوري النظامي وكذلك العراقي لن يكون - وفق الخطة الأميركية - سوى جيش له الطابع السنّي الذي سيحوز بالضرورة على تأييد العشائر والقبائل السنّية، وهو بالتالي ما سينسجم ويتأقلم مع أفراد الجيش الداعشي، وهذا الأمر سيؤدي إلى تحويل الدولتين (العراق وسوريا) من حليفتين إلى متعاديتين وهو ما سيعزّز إمكانيات حصار إيران، وقطع الصلة بينها وبين حزب الله في لبنان.

زمام المبادرة بيد دمشق وبغداد

هذا ما يرسم الأميركيون وحلفاؤهم من العرب معالمه لإعادة تشكيل الأنظمة السياسية في المنطقة انطلاقاً من سوريا والعراق، ولكن المعطيات الميدانية لا تشير إلى تطابقها مع هذه المعالم، لا سيما أن القوات السورية والعراقية قد استعادتا زمام المبادرة، وهذا ما قد يدفع الولايات المتحدة الأميركية إلى إعادة النظر في رؤيتها للأمور، لا سيما أن "إسرائيل" غير قادرة في هذه المرحلة على تحريك ذراعها ولا تملك الأوراق الكافية التي تؤهلها للعب على طاولة الأحداث.
2014-11-21