ارشيف من :نقاط على الحروف

ثقافة الاستسلام... عبر التواصل الاجتماعي

ثقافة الاستسلام... عبر التواصل الاجتماعي
تتهافت روايات 14 آذار السياسية والاعلامية يوماً بعد يوم. آخر الادلّة جاء على لسان قضاة المحكمة الدولية. حتى هؤلاء وهم موظفون في محكمة ليست سوى أداة لخدمة مشروع 14 آذار بشقيها الاقليمي والمحلي، لم يستطيعوا "بلع" السردية الآذارية غير المنطقية التي نطق بعيّنة منها الوزير مروان حمادة.

وجّه القضاة لحمادة ملاحظات عديدة أبرزها التالي:
- الحكم لا يستند الى شائعات وأقاويل. هل يمكنك أن تكون أكثر دقة؟
- نحن مهتمون بأن تنقل ما رأيته وما سمعته فيما أنت تضع استنتاجاتك.
- نحن نريد ترتيب الامور بمنهجية.

هذه الملاحظات أصدرها قضاة المحكمة تعليقاً على سرديات مروان حمادة واستنتاجاته وتحليلاته المصممة لجعل الاكاذيب تبدو صادقة والادعاءات الفارغة جديرة بالاحترام. ومن أدلة اللامنطق وغياب المنهجية لدى هذا الفريق أيضاً، تعليقات صدرت عن صحفيين ينتمون الى إعلام الآذاريين المموّل من دول الخليج، وديانا مقلد واحدة منهم والابرز بينهم. دوّنت على صفحتها على الفايسبوك استنكارها للعملية البطولية الاخيرة في القدس المحتلة. كتبت مقلد: "الاحتفاء بقتل يهود في كنيس اسرائيلي ووصفه بأنه "بطولة" و"مقاومة" هو مشاركة في جريمة.. هوي احتفاء بقتل.. اللي بدو يقللي أنو الاسرائيليين عم ينكلوا بالفلسطينيين (وهو صحيح) فكمان "داعش" والنظام السوري وكل هالمجرمين عندهم مبررات مماثلة..
لن تعود فلسطين ولن تتحرر سوريا ولا أي بلد من الطغيان طالما اعتبرنا أن سبيل التحرر معبد بدماء.. أي دماء..".

ما قرأناه ليس جديداً في الاوساط الاعلامية والسياسية. هو أحد مصاديق ملاحظات القضاة الدوليين. اللامنطق وغياب الدقة وانعدام المنهجية. إنها "عدة شغل" جيش من المثقّفين والصحفيين الذين نشطوا منذ عقود لهدف واحد هو "شيطنة الفعل المقاوم" والترويج "لثقافة الاستسلام". والمصطلح الاخير عنوان كتاب للباحث الفلسطيني بلال الحسن وفيه يشير الى الجهود التي بُذلت والاموال التي دُفعت "لنشر ثقافة تتبنى المحتل". ويسهب الحسن في عرضه "للنظريات التي تبرر الانحناء أمام كل مستعمر وتعتبر خطيئة المستعمر نابعة من ذاتنا نحن، نحن الذين يجب ان نتبدل لكي تصبح نظرتنا للمستعمر نظرة إيجابية". وعن جيش المثقفين يوضح الحسن "انه يعمل ليل نهار من اجل تغيير ثقافتنا العدوانية وبناء ثقافة السلام" إنها أفكار "تبدو في ظاهرها ثورية وراديكالية وحداثية ولكنها في العمق مغرقة في الرجعية والدعوة لتدمير الذات".

ثقافة الاستسلام... عبر التواصل الاجتماعي
تدوينة ديانا مقلد تعليقاً على عملية القدس البطولية

لا يمكن وضع كلام مقلد إلّا في هذا السياق الذي أضاء عليه الحسن لأن ما فعلته الكاتبة ليس سوى انسجام الى حد التماهي مع الخطاب الرسمي العربي لأنظمة متسلّطة ورجعية ومشيخات عاثت في البلاد العربية فساداً سياسياً وثقافياً واقتصادياً وكانت آخر انجازاتها "داعش".

الحق يقال إن لغة مقلد تستند الى تعابير التغيير والحداثة والتطور. يبدو هذا واضحاً فيما كتبته على الصفحة نفسها تحت عنوان "الطالب المصري قرأ...الوزيرة الفرنسية لم تقرأ". تلفت الكاتبة الى واقعة اعتراف وزيرة الثقافة الفرنسية أنها لم تقرأ كتابا منذ سنتين. تؤيّد مقلد توصيف أحد الكتاب الفرنسيين للوزيرة بـ"البربرية ". وتصف حالة المسؤولين الذين لا يقرأون بالمصابين "بضيق الافق". ولكن ماذا عن الصحفيين الذين لا يقرأون؟ في تعليقها على العملية بدت مقلد سطحية وجاهلة بحقائق التاريخ والجغرافيا. سطحية لا تصدر إلّا عن شخص بينه وبين الكتاب عداوة. إلّا أن قليلاً من التمعن يظهر ان هذا الاستنتاج قد يبدو متسرعاً. لا يمكن لأي متتبع لانتاجات مقلد الاعلامية سواء أفلامها الوثائقية المميزة أو حتى كتاباتها إلّا أن يلاحظ أنها تقرأ. ولكن بطبيعة الحال لا يمكن حتى للقراء النهمين ان يحيطوا بكل الاصدارات.

من شبه المؤكد أن مقلد لم تقرأ عن تاريخ فلسطين وعن مجزرة دير ياسين وعن أن الكنيس الذي شهد العملية النوعية والشجاعة إنما أقامه المحتلون على أرض قرية كان اسمها دير ياسين. لم تقرأ مقلد عن أن هناك حضارة، حضارة ضاربة عمقها في التاريخ اختفت ومُحي أثرها. اسمها حضارة الهنود الحمر. وسبب اختفائها، ليس سوى جرائم ارتكبتها الولايات المتحدة الاميركية تشبه جرائم الاسرائيليين بحق الفلسطينيين. 

سبب آخر لا يقلّ فداحة ووحشية عن الاول. إنها الافكار التي تشبه أفكار مقلد الاستسلامية. أفكار تحوّلت الى أفعال إجرامية قضت على كل ما له علاقة بثقافة ولغة وتراث الهنود الحمر كما فصّل الباحث الفلسطيني منير العكش في كتابه "الابادات الثقافية لأميركا".

لم تقرأ مقلد عن خطة "دايتون" في فلسطين. الضابط الاميركي الذي نسّق أمنياً بين الفلسطينيين والاسرائيليين استخدم مصطلح "الفلسطيني الجديد" تيمّناً بـ"الهندي الجديد" الذي نجح الاميركيون في إيجاده. وهو يحمل مواصفات تشبه الى حد بعيد ما تريد مقلد من الفلسطينيين أن يتصفوا به. المطلوب ببساطة أن ينسى الفلسطينيون تاريخهم وجغرافيتهم وتراثهم ولغتهم وفولكلورهم وقراهم ومدنهم وقدسهم. المطلوب ببساطة اعتبار القضية وجهة نظر، مجرد اختلاف في وجهات النظر حصلت في لحظة عابرة . المطلوب طيّ صفحة هذا الالتباس لأن العرب الجدد الذين تبدو مقلد واحدة منهم قد تعبوا من القصة المملّة.

الحق يقال إن مقلد تبدو متواضعة حين تعترف بعدم قدرتها على تقديم الحل. لا تعرف اعلامية "المستقبل" الحل. مع انه بسيط طرحته سيدة فلسطينية بلهجتها المقدسية تعليقا على العملية البطولية الاخيرة التي نفذها بطلان من تلك الارض الولّادة: "فلسطين هاي النا القدس هاي النا". نعم الحل هو ان فلسطين كل فلسطين للفلسطينيين ولأهلها الاصليين وليس لفلسطين أهل غيرهم. أما لمن لا يحب سماع اللهجة الفلسطينية فيمكنه العودة الى حل قدمته الاعلامية الاميركية هيلين توماس التي توجهت للاسرائيليين بلغة انكليزية واضحة: عليهم - أي الاسرائيليون المحتلون- ان يرجعوا من حيث أتوا.

هذا هو الحل، فإما أن يرجعوا من حيث أتوا وإما سيخرجهم أهل القدس ودير ياسين والخليل وغزة ويافا، بالقوة وبفعل المقاومة. تؤمن السيدة الفلسطينية وأولادها وأخوتها وجيرانها وكل المقدسيين أن هذا اليوم آتٍ لا ريب. تراه مقلد ومن يلفّ لفّها بعيداً ولكننا نراه قريباً وقريباً جداً.
2014-11-21