ارشيف من :آراء وتحليلات
روسيا والصين وقوى التحرر ترسم خارطة جديدة لعالم جديد
يبدو أن حسم الصراعات المحتدمة بشكل أساسي في الشرق الأوسط وعلى حدود روسيا بات مرتبطاً بما سترسو عليه الأوضاع في منطقة شرق وجنوب شرق آسيا، وخصوصاً بالمنحى الذي ستأخذه السياسة الصينية. وبالتالي بمدى إدراك الصين لوجود مخالب حادة لا تكاد تخفيها القفازات الأميركية الناعمة.
ابرز ما استرعى اهتمام المراقبين في قمتي بكين لمنتدى بلدان آسيا الباسيفيكي (آبيك)، وبريسبان لمجموعة العشرين هو السعي الأميركي المحموم نحو التصعيد في المواجهات مع روسيا، من جهة، ونحو التشديد على وحدة المصالح بين الصين والغرب، من جهة ثانية. لكن هذا المسعى الهادف إلى فك التحالف الصيني-الروسي على أمل الاستفراد بكل من هاتين القوتين على حدة لا يبدو ذكياً وقابلاً للنجاح.
أوباما، انتصارات وهمية
فقد يكون بإمكان الرئيس الأميركي أن يتباهى بسيل التحديات و"الشتائم" التي وجهها هو وحلفاؤه في بريسبان إلى الرئيس الروسي بوتين والتي رد عليها هذا الأخير بصمت شبه مطلق وهو يغادر القمة قبل اختتام أعمالها. لكن الأكيد أنه وجم طويلاً عندما فهم ما يعنيه بوتين في تأكيده أن العقوبات الغربية على روسيا لن تفعل أكثر من تعميق أزمة حلفاء أميركا في أوروبا، وفي طليعتهم حكومة كييف.
وقد يكون بإمكانه أن يتباهى بتوقيع عشرات الاتفاقيات الضخمة مع الرئيس الصيني شي جينبينغ في مجالات التجارة والتصنيع الحربي والصحة والبنى التحتية ومكافحة الإرهاب. لكن ذلك لن يفعل غير المزيد من تعمق المأزق الأميركي لأن جميع هذه الاتفاقيات تخدم، بإجماع المراقبين، مصالح الصين أكثر مما تخدم مصالح الولايات المتحدة وحلفائها.
الاتفاقيات التجارية الموقعة بين أوباما وشي جينبينغ كلها لمصلحة الصين |
في طليعة الوقائع الجديدة أن روسيا والصين، ومن ورائهما بلدان مجموعة البريكس التي تكتفي حتى الآن بالعمل من أجل عالم متعدد الأقطاب يضع حداً لهيمنة القطب الأميركي الواحد، قد حققت تقدماً يثير مخاوف الغرب عندما قررت إحلال تعددية العملات في المبادلات الدولية محل أحادية الدولار التي تسمح للولايات المتحدة، منذ عقود، بمواصلة العيش على حساب شعوب العالم.
الصين وروسيا
نحو عالم جديد
هذا يعني أن سلطة الدولار الأميركي واليورو الأوروبي وما يرتبط بهما من عملات ستنحسر عن 60 بالمئة من السوق الدولية، وأن البنك وصندوق النقد اللذين تم تأسيسهما من قبل مجموعة البريكس باتا مرشحين لإزاحة البنك وصندوق النقد الدوليين عن موقعهما الذي سمح، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بتدمير اقتصادات بلدان العالم الثالث وإغراق هذه البلدان بمديونيات ضخمة تسد أمامها آفاق التنمية الحقيقية.
وفي السياق نفسه، وفي الوقت الذي تسجل فيه روسيا مزيداً من التقدم على مستوى استخدام الغاز كوسيلة لإرساء علاقات ودية مع بلدان أوروبا الغربية، وهو التقدم الذي تسجله الصين ايضاً على مستوى تعزيز العلاقات التجارية مع حلفاء أميركا في الشرق الأقصى، أي كوريا الجنوبية واليابان، يجري العمل حالياً على مشروع اتفاق لإقامة منطقة تبادل حر بين معظم بلدان البريكس من شأنه أن يقلص من أهمية المشروع الأميركي الخاص بضفتي الأطلسي، وهو المشروع الذي لا يحظى بتأييد شرائح شعبية واسعة في أوروبا الغربية.
بوتين : العقوبات المفروضة على روسيا تعمق أزمة حلفاء أميركا الأوروبيين |
كل هذه التطورات تعني أن روسيا والصين قد حققا تقدماً أكيداً على مستوى رسم خريطة جديدة لعالم لا مكان فيه للهيمنة الأميركية.
من هنا، يؤكد العديد من المراقبين أن حشد الولايات المتحدة لستين بالمئة من قواتها الجوية والبحرية في منطقة الشرق الأقصى هو محاولة فاشلة للتلويح بالقوة في محاولة لتغيير موازين القوى الاقتصادية والسياسية الراجحة لصالح القوى المناهضة للإمبريالية.