ارشيف من :نقاط على الحروف

المستقبل : افلاس وتضليل

المستقبل : افلاس وتضليل
-    "بعذّبك بدي جريدة المستقبل".
-    "جريدة المستقبل"؟
-    "نعم".
-    "لحظة ت شفلك إذا موجودة.. بالعادة ما حدا بيطلبا".
-    "يعني ما عندكن عدد اليوم".
-    "موجود، هلاء شفتو، لحظة بس".
أنتظر بقرب صندوق المحاسبة.. فجأة تهتف الفتاة في المكتبة: "لحظة لحظة يمكن هيدي اللي عم نقرا فيا أبراج".
تقلب الصفحة فتكتشف أنّها الصّحيفة المنشودة، تستأذنني لتكمل قراءة برجها، ثمّ تعطيني إيّاها ممازحة : "شكلن حتّى بالأبراج مش شاطرين، من هيك ما حدا بيطلبا".
هكذا اشتريت عدد جريدة "المستقبل" صبيحة تحرير المجاهد عماد عيّاد.


غداة تحرير الأسير المجاهد عماد عيّاد صدرت صحيفة المستقبل (العدد رقم 5218 ، الأربعاء 26 تشرين الثّاني 2014) بمانشيت " "حزب الله" يقايض والأهالي يصعّدون: عن أيّ هيبة تتحدّثون؟". جميلٌ هو السّجع فهل المضمون بنفس القيمة الجماليّة؟
أفردت "المستقبل" 8 قطع/ 96 قطعة وزاوية (مقالات، تقارير، وأخبار) لمهاجمة حزب الله وإيران حصراً (دون التّطرّق إلى تلك الموجّهة ضدّ سوريا أو سواها من الدول المنضوية تحت لواء محور المقاومة أو الدّاعمة له)، من ضمنها 3 قطع تتحدّث عن تحرير المجاهد عيّاد.

المستقبل : افلاس وتضليل
اعلام المستقبل بين التضليل والافلاس المهني

التّقرير الأوّل: "حزب الله" يقايض والأهالي يصعّدون: عن أيّ هيبة تتحدّثون؟
برزت صورتين كبيرتين الأولى للأهالي المنتظرين في الخيم، والثّانية لأسير حزب الله المحرّر، وكأنّ الرّسالة الضّمنية: حزب الله يأسر جنود الجيش اللّبناني. وهنا يتمّ التّصويب بوضوح على المعادلة الذهبية "جيش، شعب، مقاومة".
يتصدّر التقّرير الصفحة محتلاً حوالي 40% من مساحتها، وهو ما يعكس مدى اهتمام المُخاطب بإبراز الموضوع وطبعاً من زاويته.
استهلّ التّقرير ببيت شعر "أمِنَ الحقّ أنّهم يُطلقون   الأُسدَ منهم وأنّ تقيّد أُسدي" للشاعر المصري حافظ إبراهيم، وهو استلّ من قصيدة تمّ غناؤها لمصر عبد النّاصر.
ثمّ يردف محرّر المستقبل أنّ "لعلّه بيت القصيد الأكثر إنباءً عن حال أهالي العسكريين المخطوفين" عاكساً بيت أبو تمّام "السيّف أصدق إنباءً من الكتب   في حدّه الحدّ بين الجدّ واللّعب". جميلةٌ هي قدرات المحرّر في الإستفادة من ثقافته الشّعريّة، ولكن هل سيستفيض في مدح السيف إن سلّطه حزب الله على رقبة الدّواعش؟
يشكّل التقرير استعراضاً للمستجدّات السّياسيّة المحليّة توزّع على 4  أعمدة (32 سطراً) ويعتبر طويل نسبياً كعرض لموضوع واحد في المحليّات على الصّفحة الأولى، خاصّةً أنّه لم يرفق بمعلومات ومعطيات.
أمّا الموضوعين الآخرين فتُركا للتّتمّة صفحة 17، وتناولا ردّ المجلس الدّستوري على طعن التّيار الوطني الحرّ في تمديد ولاية البرلمان اللّبناني، وشبكة كاربوزوف.
برز العنوان بالخطّ العريض، وهو عنوانٌ كبير الحجم ركّز على العواطف والإنفعالات وليس على الوقائع. ورد العنوان بالشّكل الآتي ليحضّر القارئ لعرض غير موضوعيّ ومقارنة غير منطقيّة للأحداث:
ردّ "الدّستوري" مرجّح الجمعة.. وخطّ "شبكة كاربوزوف" سوريا - لبنان – الأردن
"حزب الله" يٌقايض والأهالي يصعّدون: عن أيّ هيبة تتحدّثون؟

تحدّث المحرّر عن "المقايضة" في ظلّ إغفال أسلوبها وتفاصيلها بشكل فاضح، وقد نقل كلام أهالي العسكريين قبل عرضه في التّقرير في الصّفحة 2. لم التّعمية عن كيفيّة حصول صفقة التّبادل؟ وهل هو الخوف من تعميم تجربة التّفاوض من منطلق القوّة؟ ولم تناسي طرح السيّد نصر الله السّابق للتفاوض بكرامة؟
أمّا أبرز ما ورد في التّقرير فكان التأكيد على أنّ "مفاوضات سرية خاضها الحزب مباشرةً ومن دون أيّ وسيط مع "الخاطفين" " وقد نسبها المحرّر لمصادر وثيقة الإطّلاع. ثمّ تحدّث عن "أزيز رصاص الإبتهاج الملعلع في الضّاحية" فهل كان على الحزب الرّضوح لابتزاز الوسطاء؟ وهل الفرح ممنوع على الضّاحية؟
وقد قالت آمنة عمار، والدة أحد العسكريين المخطوفين أنّ حزب الله يريد أن يُقتل أبناؤهم حيث هم "ليقول للجميع إنّه لا وجود للدولة في لبنان". هذه العبارة تمسّكت بها الصّحيفة وكرّرتها في قطعتين.
فهل يحتاج حزب الله إلى قتل العسكريين في "وطن" استباحت جرود بلداته واستحلّت دماء أفراد وضبّاط جيشه عصابات داعش والنّصرة – من اللّبنانيين وسواهم – حتّى كادت أن تحتلّ شماله؟ وهل يقتل المقاوم رفيق سلاحه في معموديّة الدم من الجنوب إلى البقاع؟
أمّا والد العسكري حسين يوسف فصرّح أنّه "من المضحك المبكي كيف أنّ الحزب الذّي يعرقل ملف تحرير أبنائنا يسعى جاهداً في الوقت عينه لتحرير أسراه"، وأنّ أسرى الدولة "يمثّلون كلّ البلد".
فهل مجاهدي حزب الله لا يمثّلون "كل البلد" من زغرتا وعيناثا الأرز ودير الأحمر وصولاً إلى بنت جبيل ورميش مروراً ببيروت وكسروان؟ وهل الحدود التّي يدافعون عنها في شرق وجنوب جمهوريّة الدومينيكان؟
حمل التقرير عدداً من القيم الصّحفيّة كالسّلبيّة، الصّراع، وتحميل حزب الله المسؤوليّة. وقد سيطر الإنفعال على منطق التّحرير، فيما برزت "عقدة التّفوّق" بتفضيل العسكر على جنود الحزب، فبدا وكأنّ إشكاليّة "نحن" و"هم" تسكنه، وكأنّ لبنان "لبنانات".
ومن الضّروري الإشارة إلى أن إغفال المعلومات يدين الصّحيفة بعدم امتلاكها لها وهو إمّا قصور صحفي، أو يهدف إلى التّعمية والتّعتيم، وفي الصّحافة الفعلان "إثمان".

التّقرير بعنوان "كيف يحلل حزب الله مقايضة أسراه ويحرّمها على أبنائنا؟"
يتوسّط الصّفحة الثّانية في وسط الصّفحة 90 سطراً وصورة كبيرة بالابيض والأسود 23 منهم لوصف حال الأهالي وتأليب الرّأي العام ضدّه. فهل طلب الحزب منهم النزول إلى الشارع؟ بل هل سلم من شتمهم واتّهاماتهم؟
كتب التّقرير رولا عبد الله وخالد موسى، وقد أفردا لبيان حزب الله مساحةً لم تتجاوز 6 أسطر صغار، فكيف عرفوا موقف الحزب ومعطيات صفقة التّبادل؟
استهل التّقرير بعبارة "سقط أمس خبر عملية تبادل حزب الله لعنصره الأسير عماد عياد الذي كان محتجزاً لدى المسلحين في القلمون كالصاعقة على قلوب الأهالي"، وقد احتوى عدداً من العبارات الإنفعالية والعاطفيّة كـ "تحت رحمة الطقس الماطر والبرد القارس".
وقد تكرّر فيه تصريحا آمنة عمار "أم حسين" وحسين يوسف. فهل هناك إفلاس في جمع الإستصراحات؟ ام انّ معلومات الصّحيفة تقتصر على الإستصراح؟
وفي التّقرير ورد تصريح آمنة عمار "حزب الله لا يريد لأبنائنا ان يخرجوا إلى الحرية، هو يريد أن يقتلهم في المكان الذي يتواجدون فيه". و"قصف حزب الله لمواقع تواجد المسلحين وأبنائنا هو محاولة عرقلة للملف أو تهديد لأبنائنا بالقتل".
فهل بالضرورة حزب الله هو الذي قصف؟ العالم كله يحارب في سوريا فلم استهداف الحزب بالتحديد؟ ولم لا تكون داعش هي التي قصفت واتّهمت الحزب؟ هل يصعب عليها ذلك بعد سلسلة إبداعاتها في الفبركة والتّصوير؟
كذلك نقلت الصّحيفة عن الأهالي اعتبارهم أنّ تحرير الحزب لأسيره "جعل الأهالي يقولون بأن هيبة الدولة سقطت اليوم". واختتم التّقرير بالحديث عن "الوقفات التّضامنية". فهل بهذه الوقفات تكمن الهيبة لا بالتّفاوض بعزّ؟؟

مقال رأي بعنوان "أسرى؟!" تحت عامود "بالإذن"

على يسار الصّفحة الثّالثة، يبرز مقال علي نون بأسطره الـ 50، وبعنوانه أسرى؟! يبدو أنّ فكرة الأسر استعصت على مخيّلة الكاتب، فبدأ سيل اتّهامته بتأكيده أنّ "حزب الله "يمنع على الجيش والحكومة أن يفعلا مثله ويبادلا الأسرى".
"هو مراس متأصّل دأب عليه الحزب وصار جزءًا من تكوينه وعاديّاته وثقافته"، و"المصلحة الخاصّة للحزب تفوق وتتقدّم أيّ مصلحة أخرى"، "بمعزل عن أيّ معطى آخر. وطني عام أو وطني خاصّ".
بهذه العبارات نمّق الكاتب مضبطته الإتّهاميّة ضدّ حزب الله، ولاستعادة ألحان موشّح "تدخّل حزب الله في سوريا" أكّد أنّ الحزب "يعرف، مبدئيًا وواقعيًا، أن ذلك التدخل سيكلف لبنان واللّبنانيين الكثير".
فهل دخول داعش والنّصرة وأخواتهما لن يكلّف لبنان؟ ومن استقدم عصابات داعش والنّصرة والجيش السوري الحرّ وسفينة فتح الله بضبّاطها اللّيبيين إلى لبنان؟
وتحدّث الكاتب عن اختراق الحزب للـ "الميثاق الحاكم والمتحكّم باجتماع اللّبنانيين" في معرض غمزه على المؤتمر التّأسيسي.
وانتقل للتحذير من "حساسيات كبيرة وخطيرة" ستصيب "مفهوم المقاومة بأضرار جسيمة وبالغة". فهل هناك أبلغ وأكثر ضرراً من الضّخ الإعلامي الموجّه ضدّها؟
أضاف الكاتب أنّ حزب الله ذهب إلى سوريا "ويتورّط في مذبحة تتردد دول وقوى عظمى في التّورّط فيها".  فهل تورّط العراقيون  في سوريا لتتمدّد داعش وصولاً إلى تخوم العاصمة بغداد؟ وهل يتخيّل الكاتب لو لم يتدخّل حزب الله في سوريا، ولو تمدّدت داعش إلى مكاتب صحيفته في بيروت؟
وتسأل الكاتب "لماذا فصل قضيّته عن قضيّة العسكر الشّرعي؟" - حزب الله - وخلص إلى أنّ "الأجوبة تكمن في مدوّنة سلوك الحزب وليس خارجها.
لقد كان الكاتب محقاً، فالإجابة تكمن في الدّم وحده وهو البرهان في مدوّنة سلوك حزب الله والحجّة على كلّ الصّحف والإعلام برمّته.

2014-11-29