ارشيف من :ترجمات ودراسات

لماذا تراجعت ’تل أبيب’ وأيدت تمديد اتفاق جنيف؟

لماذا تراجعت ’تل أبيب’ وأيدت تمديد اتفاق جنيف؟

رغم انشغال "إسرائيل" بالعديد من القضايا والتحديات الداخلية تبقى القضية النووية الإيرانية حاضرة لدى صناع القرار وخبراء ومعاهد أبحاث كيان الاحتلال الذي كان وما زال احد اهم اهتمامته الجولات الاخيرة من المفاوضات بين إيران والسداسية الدولية، التي انتهت إلى تمديد اضافي حتى شهر حزيران المقبل.

بالرغم من أن جميع الجهات المعنية في الكيان الإسرائيلي، اجمعت على أن ما دفع "إسرائيل" لتأييد ودعم خيار تمديد المفاوضات النووية، هو الحرص على تجنب السيناريو الاسوأ المتمثل بالتوصل إلى اتفاق جديد مع الجمهورية الاسلامية في إيران. يبقى السؤال عن مكمن القلق الإسرائيلي من البديل، وما هي أهم عناصره المفترضة من منظور إسرائيلي، وإلى ماذا يؤشر أن تجد إسرائيل نفسها بين خيارين احدهما اسوأ من الاخر.

الخوف من البديل الاسوأ


رأت "إسرائيل" أن أي اتفاق سيتم التوصل اليه بين إيران والسداسية الدولية، سيكون "سيئا" وفق المعايير الإسرائيلية، والسبب أن أسس هذا الاتفاق المفترض، تم وضعها في اتفاق جنيف المرحلي في تشرين الثاني من العام الماضي. ونتيجة ذلك، ادركت "الدولة العبرية" أن أي اتفاق سوف ينطلق من الاقرار والتكيف مع واقع تحول إيران إلى دولة نووية. ويؤكد على حق إيران بامتلاك القدرة على التخصيب في اراضيها.

لماذا تراجعت ’تل أبيب’ وأيدت تمديد اتفاق جنيف؟
مفاوضات جنيف


ايضا، اعتبرت "إسرائيل" أن المشكلة لن تقتصر على حقيقة أن إيران ستتكرس كدولة نووية، بل ستكون قد انتزعت الشرعية الدولية بهذا الواقع.
ومن الطبيعي أن يقترن اي اتفاق مفترض، برفع عقوبات عن إيران، بغض النظر عن الصيغة والمراحل. وهو أمر في حال تحقق سيطلق يد إيران أكثر على مستوى بناء قدراتها ودعم حلفائها في المنطقة.

وهكذا وجدت "إسرائيل" نفسها أمام خيار دعم ما سبق أن وصفته قبل نحو عام بـ"الاتفاق السيئ جدا" وبـ "صفقة القرن" بالنسبة لإيران.

خلفيات الموقف الإسرائيلي


يكشف الموقف المؤيد لتمديد المفاوضات، الذي اتخذه صانع القرار في تل ابيب وتحديدا على لسان بنيامين نتنياهو نفسه، أن إسرائيل باتت تسلم بأن الخطاب السابق الذي ينطلق من معادلة "إما كل شيء، أو لا شيء"، لم يعد مجديا بل قد يؤدي إلى أن يفقد الإسرائيلي كل شيء.

من جهة اخرى، يعكس الموقف الإسرائيلي أن تل ابيب أدركت أن ادارة اوباما مصممة على تبني استراتيجيتها في مقاربة الملف النووي الإيراني.
ومن أهم ما كشفه الموقف المؤيد، بل الداعي، لتمديد المفاوضات، أنه ينطوي على إقرار إسرائيلي بمعادلات القوى التي تبلورت وتكرست على المستوى الاقليمي وحتى ما بعد الحدث السوري وتداعياته خاصة وأن إسرائيل تدرك أن مدخلها للتأثير الفعلي في مجرى المفاوضات، يتم عبر فرض وقائع:
اما من خلال مهاجمة المنشآت النووية أو عبر تغيير موازين القوى الاقليمية، وهو ما يمر حكما عبر استهداف القدرات الاستراتيجية لحزب الله.

وفي سياق متصل، يعكس تصميم إيران على مواقفها وخياراتها، وتراجع الإسرائيلي إلى سقف تأييد الاتفاق الذي سبق أن عارضه قبل نحو سنة، خيبة امل إسرائيلية في الرهان على مفاعيل الحدث السوري الذي كانت تأمل بأن يؤدي على الاقل إلى شل الدور الاقليمي لحزب الله.

وهكذا تكون إيران نجحت في حشر الأطراف المعادية بين خيارين، أحلاهما مرّ، وذلك عبر إسقاط رهاناتهم ومحاولاتهم صنع بدائل اخرى، وهو ما فرض عليهم الاختيار بين خيارين كل منهما ينطوي على قدر من السلبيات لكل منهم، ويحقق لإيران قدرا معتبرا من الانجازات.

من جهة مقابلة، ينبغي الاقرار بأن نتائج هذا التمديد تنطوي ايضا على ابعاد مركبة سلبية وايجابية لكل الاطراف. بالنسبة للعدو، يمكن تسجيل العديد من الانجازات التي ترى إسرائيل انها تحققت بفعل تمديد المفاوضات:

ابقاء الملف النووي معلقا من دون اضفاء شرعية دولية عليه من خلال اتفاق نهائي وشامل. أو حتى من اتفاق جزئي آخر.
الابقاء على العقوبات الاساسية ضد الجمهورية الاسلامية.. وهو أمر ملح جدا بالنسبة لإسرائيل، كونه يساهم في استنزاف إيران ويضعف قدراتها وقدرات حلفائها.

لكن في المقابل، وقعت "إسرائيل" في "فخ" تمديد اتفاق جنيف الذي يشرعن، بمعنى من المعاني، الواقع النووي الإيراني الحالي. وهو سيناريو تخشى "إسرائيل" من تمديده واستمراره بفعل اتجاه التطورات الاقليمية والدولية. وهكذا تكون "إسرائيل" قد تكيفت هي بنفسها، مع بداية مسار قد ينطوي على تحول اتفاق جنيف إلى "اتفاق نهائي" بحكم الامر الواقع انطلاقا من عدم الاتفاق صيغة اتفاق شامل، وفي الوقت نفسه حرص جميع الاطراف على عدم العودة إلى المرحلة السابقة والذهاب في مسار تصادمي.

وهكذا تكون إيران قد تموضعت كدولة حافة نووية، حتى وفق المعايير الإسرائيلية، وهو ما يتعارض مع الشعارات التي كان وما زال يكررها نتنياهو. والخلاصة النهائية لهذا المسار الطويل، ان ايران باتت "دولة حافة" مع استمرار العقوبات، بدلا من أن تكون دولة حافة بدون عقوبات.
2014-12-08