ارشيف من :ترجمات ودراسات

الأسباب الستة لخوف الولايات المتحدة من روسيا

الأسباب الستة لخوف الولايات المتحدة من روسيا

الكاتب : INVINOVERITAS
عن موقع : agoravox
26 تشرين الثاني / نوفمبر 2014


روسيا تثير الخوف مجدداً. خصوصاً على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي. فمن شخص فلاديمير بوتين، إلى عودته بقوة إلى الديبلوماسية، إلى تحالفاته الاقتصادية مع الشركاء في البريكس، لا يملك العم سام غير الشعور بقلق فوقه قلق وتحته قلق.

"أجواء حرب باردة", هذه العبارة التي استخدمتها وسائل إعلام عديدة في وصف المناخ الذي هيمن على قمة العشرين التي انعقدت مؤخراً في أستراليا تشهد على القلق الذي تثيره روسيا مجدداً. فهذا البلد الذي كان على حافة الهاوية بعد السقوط السوفياتي، والذي كان في حالة احتضار خلال فترة التسعينيات، لم يكن يثير أية مخاوف عند واشنطن. كان الشرق الأوسط والحرب على الإرهاب قد أخرجا روسيا من حقل الرؤية الأميركية. غير أن روسيا لم تلبث (باستثناء فترة ميدييديف) أن نهضت بشكل تدريجي بفعل عصا بوتين الذي استلم الحكم منذ العام 1999، لتصبح تقريباً، العملاق الذي طالما شكلته في السابق. من هنا، فإن العالم الغربي الأميركي الذي واجهته مشكلات متعددة ومتزايدة نظر إلى هذه العودة الروسية إلى مقدمة المسرح بعين الوجل. ولكي نفهم بشكل أفضل دواعي هذا الوجل، لا بد من النظر في الأسباب الستة التي تثير مجدداً خوف الولايات المتحدة من روسيا.

1- فلاديمير بوتين، رئيس يقول ويفعل

"من لا يأسف على الاتحاد السوفياتي عديم الإحساس، ومن يتمنى عودته عديم العقل". لا شيء يمكنه أن يكون أفضل من هذه العبارة التي وردت على لسان الرئيس الروسي في تحديد تصوره لممارسة الحكم. فإذا كانت وسائل الإعلام الغربية، والأميركية بوجه خاص، لا تتوقف عن التلويح بحنين بوتين إلى عظمة روسيا واستخدام ذلك كفزاعة، فإنها تقفز عن ذكائه كرجل دولة وكإستراتيجي، علماً بأن هيئة الأركان الأميركية تعلم ذلك بشكل أكثر من جيد. فمنذ وصول بوتين إلى السلطة، استعادت روسيا حيويتها الديموغرافية. إذ إن روسيا كانت تخسر مليون شخص من سكانها عند وصول بوتين إلى السلطة عام 1999. وفي العام 2012، شهدت روسيا نمواً طبيعياً لعدد سكانها للمرة الأولى منذ العام 1992. ومن الناحية الاقتصادية، كانت النجاحات أكثر إثارة للانتباه. فقد كان متوسط الدخل السنوي للفرد في روسيا، عام 1999 لا يزيد عن 1322 يورو، فارتفع إلى 7988 يورو عام 2013، أي بزيادة تزيد عن 500 % ! أما معدل الفقر فقد انخفض من 35 % عام 1999 إلى 13 % عام 2012, مع الملاحظة أن معدل البطالة هو 5،5 بالمئة. ثم إن غالبية الروس يدعمون رئيسهم بنسبة 80 % من السكان. إذاً، لا يمكن للأميركيين أن ينالوا من القائد الروسي مع وجود مثل هذه الأرقام. وعلى ذلك، فإن التهمة الشخصية المركزة على طموحات بوتين الحربية هي ما يتم استخدامه من أجل الحط من مصداقيته في نظر شعوب الغرب. وهذا ما يشكل دليلاً على التسرع والتهور. وبهذا الصدد، أدلت هيلاري كلينتون بتصريح في 5/3/2014حول الأزمة الأوكرانية قالت فيه : "إذا كنتم تشعرون بأنكم شهدتم مثل [هذه النجاحات] من قبل، فلأن هتلر سبق وفعل ذلك في الثلاثينيات".

الأسباب الستة لخوف الولايات المتحدة من روسيا
فلاديمير بوتين

2- العودة القوية على مستوى الديبلوماسية

صوت روسيا في العالم أصبح وازناً من جديد. فمنذ سقوط الاتحاد السوفياتي حتى عودة موسكو القوية إلى المسرح الدولي، كانت قوة روسيا الحقيقية الوحيدة تتمثل بالفيتو الذي يحق للكرملين أن يمارسه في مجلس الأمن الدولي. إنه دور سلبي ليس فيه للروس أي مبادرة حيث كانوا يكتفون أحياناً بمعارضة السياسة الخارجية الأميركية. لكن الأزمة السورية غيرت كل شيء. فللمرة الأولى منذ مدة طويلة جاءت المبادرة من موسكو، حيث وجد الأميركيون أنفسهم مجبرين في أيلول/ سبتمبر 2013 على تأييد القرار المقترح من الروس بخصوص تدمير الترسانة الكيميائية السورية. لقد تمكن الروس عندها من سحب البساط من تحت أقدام واشنطن التي كانت قد اعتمدت موقفاً تتزايد فيه نبرة التهديد تجاه دمشق بذريعة احتمال قيام الجيش السوري بشن هجمات بالسلاح الكيميائي. وبهذا يكون بوتين قد احتل موقعاً على قدم المساواة مع أوباما في نظر العالم كله عندما حال دون وقوع هجوم أميركي على أحد حلفائه واستلم، في الوقت نفسه، زمام المبادرة في مجال البحث عن حل للنزاع. كما شكلت "القوة الناعمة" جزأً لا يتجزأ من الاستراتيجية الديبلوماسية الروسية في أيامنا. وجاءت إقامة دورة الألعاب الأولمبية في سوتشي وفوز روسيا باستقبال دورة كأس العالم لكرة القدم عام 2018 لتشهدا على تصميم روسيا توسيع دائرة نفوذها في العالم. أن تكون روسيا مركزاً للعالم مرتين خلال ست سنوات يشكل فعلاً بداية جيدة. "إنه حدث تاريخي لا سابق له"، هذا ما صرح به مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية بعد الاتفاق الروسي-الأميركي حول نزع السلاح الكيميائي السوري.

3- تصميم لا يتزعزع بخصوص القرم

لم يتراجع بوتين عن التمسك بالقرم. وهذه الإشارة التي أرسلها سيد الكرملين إلى العالم كله كان لها مذاق خاص في واشنطن. فالروس أصبحوا من جديد قوة يحسب حسابها. إن الإنقلاب الذي أطاح بالرئيس إيانوكوفيتش في شباط / فبراير 2014 قد حكم على روسيا بخسارة حليف وازن، وخصوصاً بفقدان نقطة العبور الوحيدة نحو المياه الدافئة انطلاقاً من قاعدتهم العسكرية في سيباستوبول الواقعة في شبه جزيرة القرم. وبالطبع، لا يدخل في ذلك تصميم تلك المقاطعة التي يتكلم سكانها باللغة الروسية على الإنضمام إلى الاتحاد الروسي، والانضمام إليه فعلاً بنتيجة استفتاء أجري في آذار / مارس 2014. وقد عزز هذا الانضمام الذي أدانه الغرب من موقع بوتين. وبذلك، استفاد الروس من تأييد سكان أوكرانيا الناطقين بالروسية ومن قوتهم العسكرية ذات الأهمية البالغة التي حالت دون بروز اي توجه نحو الحرب المباشرة واحتفظوا بكامل أوراقهم الرابحة وبتصميمهم على عدم التراجع. ورغم التهديدات والعقوبات الاقتصادية، لم يستطع الأميركيون فعل أي شيء لمنع أعدائهم الجيوستراتيجيين من كسب هذه المعركة. ولو كانت هذه المعركة قد جرت قبل عشر سنوات لما تمكن الروس من الصمود. فبخصوص ضم شبه جزيرة القرم من قبل روسيا، صدر في نيسان / أبريل 2014، عن كريستوفر هيل، وهو ديبلوماسي أميركي رفيع، تصريح قال فيه : "على الأميركيين أن يعلموا أن التحدي الذي يواجههم صادر عن روسيا التي لم تعد مهتمة بما قدمه لها الغرب خلال السنوات الخمس والعشرين المنصرمة".

4- تحالفات البريكس

البريكس هو اسم جامع لخمسة بلدان تريد إزالة النظام القائم. البرازيل، روسيا، الهند، الصين، إفريقيا الجنوبية. على رأس هذه القوى الصاعدة الخمس، هنالك روسيا ومعها الصين. أما العالم، كما جرى تشكيله من قبل الولايات المتحدة وحلفائها بعد الحرب العالمية الثانية، فإنه يعيش حالة ضعف متزايد، وقوى الغد تعمل من أجل إعادة توزيع الأوراق. فبعد توقيع العديد من الاتفاقيات التجارية خلال السنوات الأخيرة، فإن مرحلة قد تم اجتيازها في منتصف تموز / يوليو الماضي، مع قيام هذه البلدان بتأسيس بنكها الدولي للتنمية الذي أعلن عنه خلال القمة السادسة للبلدان المذكورة التي انعقدت في فورتاليزا في البرازيل. وفي ظل الهيمنة التي تمارسها مؤسسات مالية غربية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، تطمح هذه المؤسسة الجديدة إلى أن تضع لبنة إضافية في بناء عالم متعدد القطبيات. ومن بين الأهداف المتوخاة هنالك، تحديداً، امتلاك القدرة على الحلول محل المؤسسات المالية المتمركزة في الولايات المتحدة في تقديم القروض إلى بعض بلدان الجنوب. وإذا كانت المؤسسة المالية الجديدة تمتلك قوة ضاربة تقل أربع مرات عن قوة البنك الدولي، لا يبقى هنالك مجال للشك في وضوح رسالة هذه المؤسسة. فحول شروط الإقراض، أدلى أنطون سيليانوف، وزير المالية الروسي بتصريح في تموز / يوليو قال فيه : "هذه المؤسسة تختلف عن صندوق النقد الدولي الذي يفرض إصلاحات هيكلية وتدخلات سياسية لا تطاق، مقابل ما يقدمه من مساعدات".

5- الاتفاقية الروسية-الصينية العملاقة والخطر الذي تشكله على الدولار

400 مليار دولار خلال ثلاثين عاماً هي أرقام من مستوى الأمتين اللتين وقعتا الاتفاقية. لقد تعهدت روسيا في 21 مايو / آذار الماضي بتسليم الغاز إلى الصين خلال السنوات الثلاثين القادمة. في الظاهر، وبغض النظر عن المبلغ المذكور، ليس هنالك ما يستدعي التحليل. لكن، ومن زاوية الإطار الاقتصادي الحالي، كل شيء في هذه الاتفاقية يثير هلع واشنطن. لأن قيمة عملة من العملات في سوق الصرف تتحدد على أساس العرض والطلب، فكلما كان ما تشتريه من عملة أكثر، ارتفعت قيمة هذه العملة. باستثناء ما هو عليه الأمر بالنسبة للدولار الذي يشكل العملة الاحتياطية الدولية في سوق المواد الأولية. فعندما تكون السلعة التي تشتريها هي النفط، فإنك تشتري أولاً الدولارات التي تسدد بها فاتورة الشراء. إنه النظام المعروف باسم "البترودولار" والذي يسمح للعملة الأميركية بالهيمنة على النظام النقدي العالمي. لكن الاتفاقية الموقعة بين روسيا والصين تنص على أن المبادلات بينهما يجب أن تسدد بالروبل واليوآن، أي بعملتي هذين البلدين. ذلك يعني أن الروس والصينيين قد قرروا الاستغناء عن الدولار. لكن هذه الاتفاقية لن تنهي هيمنة الدولار على النظام النقدي العالمي. لكن تزايد المبادرات المشابهة كفيل بأن يلحق الضرر بالدولار. كما أن التقليص التدريجي لهذه الهيمنة النقدية يشكل ضربة مرعبة لقوة أميركا في العالم.

6- غزو الفضاء، رمزاً

خطوة صغيرة يخطوها بشري واحد هي خطوة كبيرة تخطوها البشرية. لكن نيل آرمسترونغ لم يعد موجوداً ليلاحظ اليوم كيف أن الأميركيين باتوا عاجزين عن إرسال إنسان إلى الفضاء بمفردهم. فالأزمة المالية التي تفجرت عام 2008 والتقليصات المتتابعة في الميزانية الأميركية أجبرت باراك أوباما على تقليص الإنفاق على "نازا". والنتيجة أن وكالة الفضاء الشهيرة هذه لم تعد تمتلك الصواريخ اللازمة لإرسال رواد إلى الفضاء. وهذا الوضع قائم منذ سنوات. من هنا، أصبح الأميركيون تحت رحمة الروس ومركبات سويوز إذا ما شاؤوا الاستمرار في الصعود إلى النجوم. ولهذا السبب دخل الأميركيون في شراكة مع الروس. ومقابل تمويل يتراوح بين 3 و4 مليارات دولار ضرورية لتشغيل "محطة النجوم" الواقعة قرب موسكو تلحق بها فاتورة من 70،7 مليون دولار عن كل رائد يرسل في رحلة إلى الفضاء، يسمح الروس للأميركيين بالتدرب والمشاركة في الرحلات. وبالطبع، فإن ذلك يشكل إذلالاً للعم سام بفعل التنافس التاريخي بين البلدين في هذا المجال خلال فترة الحرب الباردة. وإذا كنا لا نستطيع وصف هذا الوضع بأنه خطر على الولايات المتحدة، فإنه يعكس منذ سنوات عديدة عودة إلى توازن القوى. وهنا يكمن سبب القلق الأميركي. وحول هذا الموضوع، أدلى جون لوغسدون، عضو فريق الرقابة في "نازا"، بتصريح في آذار / مارس 2014 قال فيه : "الروس بحاجة إلى الأميركيين، ولكن ليس بقدر احتياج الأميركيين إلى الروس".

2014-12-10