ارشيف من :نقاط على الحروف
السنيورة والعروبة والمقاومة
لاشك ان لرئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة مواهب كثيرة. تجربته الغنية تؤكد هذا الامر. استطاع السنيورة مثلا وخلال توليه المباشر لوزارة المالية اللبنانية ان يفرغ الوزارة الاساسية من اي اوراق او ارقام تسمح بمعرفة اين وكيف ولمصلحة من صرفت الاموال. الامر ليس سهلا ويحتاج بطبيعة الحال لمواهب.
لرجل المستقبل الثاني موهبة اخرى هي توجيه الرسائل لرئيس اكبر دولة في العالم. بانكليزية طليقة ناشد السنيورة الرئيس الاميركي التدخل العسكري لاحتلال سوريا احدى اكبر واهم الدول العربية. استعمل دولة الرئيس الحجج والادلة لاقناع اوباما بامطار دمشق قلب العروبة النابض بالصواريخ والقنابل. وعلى الرغم من ان اوباما لم يقتنع وينزل عند رغبة وزير المالية اللبناني الاسبق الا اننا لا نستطيع اسقاط عامل الموهبة في الكتابة والمناشدة لديه.
من مواهبه ايضا، التقاط اللحظات المناسبة والبناء عليها. رحيل الحريري الاب كان الذروة. قدم السنيورة نفسه وريثا للتيار الازرق. لم تمنعه شعبيته الضعيفة والكاريزما الخافتة وطغيان الجانب المالي على شخصيته من المحاولة. والحق يقال انه نجح في بعض المحطات حتى بات مصدر قلق للوريث الاصيل سعد الحريري الذي كان يتدخل لتصويب المسار ومنع سحب البساط من تحت اقدامه.
فؤاد السنيورة
اليوم وفي زمن خسارة السنيورة لرهاناته داخل التيار الازرق وبالتزامن مع تحولات تشي بامكانية كبيرة لخسارة الخيار الاقليمي للسنيورة، يبدو ان رجل اميركا في لبنان (بشهادة الوزير الاسبق الفضل شلق الذي تحدث عن الاهتمام الخاص الذي اولاه الاميركيون للسنيورة في زياراته الى الدولة العظمى) قرر التقاط اللحظة. اختار هذه المرة مفهوم العروبة ليروج له ويسوقه. للرجل تجربة تساعده في المشروع الجديد. يحب السنيورة دائما التذكير بمشاركته وهو في عمر الرابعة عشر في تظاهرة داعمة لفلسطين. نشاط المراهقة هذا استخدمه السنيورة اكثر من مرة للمزايدة على قادة اهم مقاومة عرفها تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي وعلى شهداء المقاومة انفسهم. وفي هذا موهبة خاصة ايضا لا يمكن ان تتوفر لاي كان.
مؤخرا بدا السنيورة راغبا في استثمار هذا النشاط المراهق. ظهرت هذه الرغبة بوضوح من خلال خطاب القاه الاخير في عشاء اقامته مؤسسة التعاون في عمان. تضمن الخطاب مفاهيم وافكار تسمح لقائله بالمزايدة حتى على المفكر العربي القومي ساطع الحصري نفسه. لم يكن الخطاب وخاصة في اقسامه التي تناول فيها العروبة وفلسطين والنضال يليق بأقل من رفيق لعبد الناصر بذاته.
انه تحول خطير. احد ابرز المنتمين الى منظومة اقتصادية مالية سياسية فكرية يعبر عنها بالاميركية او السعودية او الوهابية او الرأسمالية او اعتدال تحول الى داعية عروبة ونضال على طريق تحرير فلسطين.
ولكن عن اي عروبة وعن اي نضال يتحدث السنيورة. الحق يقال ان الركون الى النص ولغته يوحي دون ادنى شك ان المقصود المقاومة التي هي "مغامرة" بمنطق المنظومة السالفة الذكر. هي نفسها المقاومة التي شن السنيورة حربا سياسية ولغوية لحذفها من الخطاب السياسي اللبناني وادبياته وخاصة الرسمية. اما العروبة التي يطالب السنيورة برفع رايتها هي ليست الا عروبة عبد الناصر التي بذلت السعودية والولايات المتحدة الاميركية -اللتين يحتفظ السنيورة لهما بمكان خاص في قلبه ووجدانه - الغالي والنفيس لافشال تجربته وشيطنة شخصيته.
المنظومة التي اثبتت الوقائع انها على قناعة الى حد اليقين بأن لا قائمة ستقوم لها الا باضعاف دور مصر فضلا عن منع التقاء العراق وسوريا قلبي العروبة النابض.
يتحدث السنيورة عن "ضرورةّ استعادةَ الوعي الفلسطيني والعربي كُلِّه وان هذا "وقْفٌ على استعادة الوعي بمفتاحية قضية فلسطين والقدس. لا عروبةَ بعد فلسطين، ولا رايةَ بعد رايتها."
يستنتج من هذا الكلام ان السنيورة يريد رفع شعار فلسطين اولا. فهل يعني هذا تخليه عن شعارات المنظومة الاهم: لبنان اولا وقبله مصر اولا وغزة اريحا اولا؟
ويفرد السنيورة مساحة هامة للحديث عن ضرورة "اقامة انظمة حكم رشيد" كبديل عن "انظمة قمعت وقتلت وضيعت المصالح الوطنية والقومية، انظمة حرية وكرامة وعدالة اجتماعية وتداول سلمي على السلطة واحترام الحقوق الاساسية للناس" فهل يقصد السنيورة ان النظام السعودي واخواته، المشيخات الخليجية معنية ايضا بهذا الكلام؟ خاصة ان السنيورة يذهب الى حد المطالبة بنظام "المواطنة والدولة المدنية"!
اذا كانت هذه قناعة السنيورة فما هو سر صداقته وتبني منظومته ودعمها لفترة طويلة لأنظمة مبارك وبن علي اللذين يمكن اعتبارهما شركاء فكريين واصدقاء يجمعهم مشروع واحد مع السنيورة؟.
اسئلة كثيرة يثيرها خطاب السنيورة، قد تكشف الايام المقبلة بعضا من الغموض والحيرة اللذين يخلفهما كلامه الا ان الاكيد اننا امام موهبة جديدة ومتطورة من مواهب السنيورة تتمحور حول العروبة والمقاومة.