ارشيف من :آراء وتحليلات
يهودية ’إسرائيل’ مفهوم وسياق ومفاعيل
أدى طرح سن قانون أساس "إسرائيل" الدولة القومية للشعب اليهودي، إلى نشوب ازمة سياسية داخل الحكومة الإسرائيلية تدحرجت لاسباب عديدة، نحو اسقاط وزراء وحل الكنيست لاجراء انتخابات مبكرة. ما يهمنا في هذه السطور ليس مناقشة السياقات السياسية للازمية الحكومة وابعادها وتداعياتها. بل ستقتصر المعالجة على مجموعة من العناوين تتصل بيهودية الدولة.
لجهة علاقة اليهودية بالقومية، تعود خصوصية العلاقة بين الدين والدولة في "إسرائيل"، إلى التطابق الكامل بين الدين والقومية، كما عرَّفتها الصهيونية. في المقابل تتمايز القومية عن الدين في المجتمعات الاخرى تمايزاً قد يصل في بعض الاحيان إلى حد التنافر والصراع..
وعلى هذه الخلفية، تعتبر "إسرائيل" "الدولة الوحيدة" التي يملك فيها الفرد حق المواطنة من خلال انتمائه إلى القومية، المدخل الحصري اليها عبر الانتماء الديني. ونتيجة ذلك يتم اعتبار معايير وادوات دينية لفحص الانتماء إلى هذه القومية. اذ يكفي اعتناق الدين اليهودي، للتحول إلى يهودي قومي من حقه الحصول على حق المواطنة الإسرائيلية فورا. في المقابل، من يغير دينه من اليهودية إلى ديانة اخرى، يخرج من دائرة من ينطبق عليه "قانون العودة"، الذي يسمح له بالهجرة والحصول على جنسية إسرائيلية.
لم تكتف الصهيونية بتبني حجج دينية تاريخية لتبرير السيادة وحق تقرير المصير، بل تبنت ايضا، الاسماء والرموز الدينية، وأضفت عليها، حتى في صيغها العلمانية المتشددة، بعداً تراثياً للقومية اليهودية.. ويلاحظ ورود الكثير من المفردات التي لها جذور وأبعاد دينية، باتت جزءا من الخطاب الفكري والسياسي الصهيوني، ولاحقا الإسرائيلي، مثل الخلاص.. والوطن القومي.. وارض إسرائيل..
السياق التاريخي
قبل وبعد المصادقة المفترضة على هذا القانون، كان وما زال أصل وجود "دولة إسرائيل" بهدف اقامة وطن قومي ليهود العالم. وعليه ما كانت لتقوم إلا على اساس أنها دولة يهودية.
العدو الصهيوني
كانت وما زالت دول العالم تتعامل مع "إسرائيل" على أنها دولة يهودية، بل نص قرار التقسيم الصادر في العام 1947، على اقامة دولة يهودية في فلسطين.
ونصَّت ما يسمى بـ"وثيقة الاستقلال" (بحسب الادبيات الإسرائيلية) التي تلاها بن غوريون في العام 1948، على اقامة دولة يهودية في ارض إسرائيل.
ايضا، وفق القوانين الإسرائيلية لا يحق لأي لائحة، الترشح إلى انتخابات الكنيست في حال كانت ترفض مقولة إن إسرائيل دولة يهودية ديمقراطية.
في ضوء ما تقدم، فإن سن قانون اساس "إسرائيل" "دولة قومية" للشعب اليهودي، هو تعبير عن واقع قائم منذ عشرات السنين. ويمكن تلمس هذه الحقيقة وفق المبادئ التي عرضها نتنياهو نفسه، كأساس لاقتراح القانون، وهي:
- إن ارض "إسرائيل" هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي ومكان اقامة "دولة إسرائيل".
- إن "دولة إسرائيل" هي الوطن القومي للشعب اليهودي الذي يجسد فيها حقه في تقرير المصير بناءً على تراثه الحضاري والتاريخي.
- إن حق تقرير المصير القومي في"دولة إسرائيل" مقصور على الشعب اليهودي.
- إن "دولة إسرائيل" هي دولة ديمقراطية... وفي ضوء رؤية انبياء بني إسرائيل وتلتزم بحماية الحقوق الشخصية لجميع مواطنيها بمقتضى القانون.
مع ذلك فإن حقيقة أن "إسرائيل" كانت وما زالت دولة يهودية، مع وبدون القانون، لا تعني بأن اليوم الذي يلي سن هذا القانون، هو نفسه اليوم الذي قبله، وإلا ما كانت هذه الضجة الداخلية والدولية لتتوالى ردا عليه.
من أبرز مفاعيل سن هذا القانون:
حتى الان كان رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى داخل فلسطين المحتلة وتحديدا إلى اراضيهم وممتلكاتهم، يحظى باجماع كافة التيارات السياسية الإسرائيلية (اليهودية)، حتى لو كان ضمن تسوية شاملة مفترضة مع السلطة الفلسطينية. لكن مع سن قانون اساس الدولة القومية للشعب اليهودي ينتقل الموقف الرافض من إطاره السياسي إلى المخالفة القانونية. وبالتالي فإن قضية الابقاء على قضية اللاجئين كاحدى قضايا التسوية النهائية لا معنى له، باعتبار ان إسرائيل حسمت الموقف نهائيا ولم يعد قابلا حتى لمجرد الحديث، مع أن هذا الامر لم يكن واردا من قبل كونه ضمن ثوابت الاجماع القومي اليهودي.
على ان الهامش الذي كان متاحا امام فلسطينيي 48، بفعل شعار "إسرائيل" دولة ديمقراطية، بات اكثر ضيقا مما كان عليه سابقا. وبفعل هذا القانون تتحول العنصرية إلى خيار قانوني يحظى بالشرعية التامة. ففي السابق كان هناك هامش للطعن ببعض القوانين امام المحكمة العليا التي كانت تبطلها بفعل تعارضها مع القيم الديمقراطية. أما بعد سن هذا القانون ( المفترض) تصبح المرجعية مركبة في أحسن الاحوال، مع ارجحية للبعد اليهودي.
اما على مستوى التوقيت، لا يخفى بأن طرح هذا المشروع يندرج ضمن مجموعة الخطوات التي يتبناها نتنياهو لتعزيز مكانته داخل الليكود وفي معسكر اليمين، وامتداده الجماهيري.