ارشيف من :ترجمات ودراسات
هآرتس: مفهوم الردع في اسرائيل أصبح قديما
سأل المحلل العسكري في صحيفة هآرتس العبرية، عاموس هرئيل، من الذي انتصر بالحرب في قطاع غزة هذا الصيف؟، معتبراً ان صعوبة الوصف الدقيق لنتائج المعركة، على المديين القصير والبعيد، ميز جميع المواجهات العسكرية لاسرائيل خلال العقدين الاخيرين.
فقبل عدة أسابيع ناقش منتدى هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي هذه المشكلة، تحديداً من وجهة نظر أكاديمية نوعاً ما. وقد كتب أحد أعضاء المنتدى، قائد الكليات العسكرية اللواء يوسي بايدتس، مقالاً مطوّلاً، بمعية الدكتور ديما أدمسكي.
وبايدتس أمضى معظم خدمته كرجل استخبارات، من بين جملة أمور كرئيس وحدة الابحاث في أمان خلال حرب لبنان الثانية. أما أدمسكي فهو محاضر كبير في مجال الدراسات الأمنية والإستراتيجية في المركز المتعدد المجالات في هرتسيليا. عنوان وثيقتهما، التي صيغتها غير المصنَّفة موجودة على الانترنت، هو تطوّر الأسلوب الإسرائيلي في عملية الردع- نقاش نقدي في جوانبه النظرية والتطبيقية. أُنجزت كتابته بعد الحرب في غزة ويبدو أنَّ استنتاجات الاثنين تاثرت بعض الشيء بالمعركة المطوّلة ضد حماس.
ويكتب بايدتس وأدمسكي أنَّ "المنافسة على التعلّم" بين إسرائيل وأعدائها دفعت العرب إلى نقل مقاومتهم لإسرائيل من ميادين الحرب التقليدية إلى مستوى معركة غير متماثلة، تدير فيها التنظيمات "الإرهابية" والعصابات حروب نيران، ترتكز على إمطار الصواريخ والقذائف الصاروخية على المجتمع السكاني المدني في إسرائيل. الجمهور الإستراتيجي الإسرائيلي، كما يتصوّران، يمرّ حالياً بمرحلة تأقلم يُنَسَّق في نهايتها الرد العسكري على المتغيرات الدراماتيكية التي طرأت.
صحيفة هآرتس الإسرائيلية
وبحسب ادعائهما، وفق هرئيل، فإنَّ الفهم الإسرائيلي لمصطلح الردع، المتبلور جزئياً كبديل عن سعي إسرائيل إلى حسم الحروب الماضية، ليس فقط غير كاف، إنما قد يلحق أيضاً اضراراً إستراتيجية. فمفهوم الردع التقليدي، كالتهديد الذي سيؤثر على اعتبارات العدو ويمنعه من التصرّف بالطريقة التي لا تحبِّذها، وُصف في عهد دافيد بن غوريون كالدعامة الأساسية لمفهوم الأمن القومي، إلى جانب الإنذار والحسم.
وأمام الأعداء الجدد انتقل الجيش الإسرائيلي تدريجياً من الحروب التي هدفها الحسم إلى الحروب التي منطقها الردع. لكن بحسب كلام الشخصين، أصبح مفهوم الردع في العصر الحديث قديماً وقد انهار وأفلس.
وبالعودة إلى الوراء، يقول بايدتس وأدمسكي، انعدمت العلاقة البسيطة بين الحسم في الحرب والردع بعيد المدى. إسرائيل حققت نصرا عظيما في حرب الأيام الستة في عام 1967، لكنها لم تؤسس نظام ردع ثابت. وبعد مرور عام نشبت حرب الاستنزاف وعادت الأطراف إلى الاشتباك في حرب يوم الغفران في عام 1973. كما وتمَّ التوضيح بصورة تدريجية أنه ليس فقط ميزان القوى بين الأطراف يؤثر على اشتعال جديد، إنما أيضاً ميزان المصالح. فالدول العربية خرجت إلى حروب إضافية، حتى عندما كانت تدرك تماماً حجم القوة العسكرية الإسرائيلية. وفي السياق، تفوق الجيش الإسرائيلي بالتحديد، عملانياً وتكنولوجياً، في الميدان الحربي، دفع العرب إلى البحث عن حلول أخرى، كانت ذروتها في العقد الماضي عبر إطلاق القذائف الصاروخية والصواريخ باتجاه الجبهة الداخلية.
ويقول بايدتس وأدمسكي أنه في أعقاب الانتفاضات في المناطق والحرب التي وقعت في جنوب لبنان في التسعينيات، بدأ الجيش الإسرائيلي يختبر أزمة المعرفة والاستيعاب بأنَّ الحسم الأساسي لا يخلق ردعاً بصورة تلقائية. هكذا تولَّد النهج الذي من خلاله تحاول إسرائيل التأثير على التصرف الإستراتيجي للعدو، لا هزمه. الردع، وفق هذا المنطق، هو ليس نتيجة نصر نهائي في الحرب، إنما تأثير متراكم لمعارك قصيرة ومكثّفة تدور بين الحين والآخر. وبناء على ذلك، أُدرج في مفهوم الأمن الإسرائيلي تشديد جديد على الحماية كدعامة رئيسية، وخصوصاً على منظومات الحماية من الصواريخ، كردّ على تهديدات حماس وحزب الله. هذا النمط ملموس في المعارك الأخيرة التي حصلت في غزة، بدءاً من عملية الرصاص المسكوب في نهاية عام 2008 وحتى عملية الجرف الصلب.
جيش الإحتلال الإسرئيلي
لكن بايدتس وأدمسكي يدعيان بأنه بهذا الشكل تطوَّر نهج غير واضح، يعتمد على التوهم بأنه يمكن تقدير مدى فاعلية منظومات الردع. وتبعاً لكلامهما، يتعذَّر إثبات علاقة سببية بين الشكل الذي انتهت فيه الحرب وبين حجم الردع في أعقابها. في ظروف معينة، سواء الهدوء أو العنف قد يكونان وظيفة لاعتبارات غير مرتبطة بإجراءات الجيش الإسرائيلي. مصداقية الردع الإسرائيلي سُحقت خصوصاً في لبنان بين عامي 2000 (الانسحاب من المنطقة الأمنية) وحتى 2006 (حرب لبنان الثانية). اعتُبرت تهديداتها كتهديدات غير حقيقية والجيش الإسرائيلي كنمر من ورق. كما أنَّ تجربة السنوات الأخيرة، وفقاً لما يكتبانه- فيما يبدو كما لو أنه صيغة بعد الحرب التي وقعت في الصيف- تؤمِّن تأييداً إضافياً للإدعاء الذي يقول بأنَّ المعارك التي منطقها الردع، حتى لو ساد هدوء في نهايتها بين الحين والآخر، لا تحلّ المشاكل الأساسية مع العدو إنما فقط تسمح على ما يبدو بالقيام بأعمال عنف متواصلة. هذا الوهم قد يؤدي إلى خلق رضا كبير وسط القادة، وبالتالي جعلهم يستغنون عن الحاجة إلى بلورة إستراتيجية.
أو، بعبارة أخرى، كما يختم هرئيل مقالته، يجدر بـنتنياهو ألا تسوِّل له نفسه بأنه أحرز تفوقاً بعيد المدى في غزة. من المتوقع أن تعود المشكلة الغزاوية إلى طاولته، وربما إلى طاولة خلفه، في السنوات المقبلة أيضاً.