ارشيف من :آراء وتحليلات

استهداف صهيو-أميركي للخصوم وللحلفاء

استهداف صهيو-أميركي للخصوم وللحلفاء
مشروع الهيمنة يستخدم أطروحة الخطر الذي تشكله الجماعات الإرهابية على الغرب من أجل إجبار الحكومات الغربية على رفع مستوى الإنفاق العسكري والتورط في حروب تسهم في إضعافها وفي إضعاف الجماعات الإرهابية لحساب الطغمة الممسكة بالقرار في واشنطن.

هنالك وجهات نظر متعارضة حول جدية الحرب التي يشنها التحالف الإقليمي والدولي على الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق. فالولايات المتحدة وحلفاؤها يقدمون حججاً في طليعتها القصف الجوي لبعض مواقع هذه الجماعات. لكن محور المقاومة في المنطقة يقدم تحليلات وأدلة ملموسة على أن الجماعات المذكورة هي أدوات بيد مشروع الهيمنة الصهيو-أميركي في المنطقة.

ورغم هذا التعارض، هنالك إجماع من الفريقين على الخطر الذي تشكله الجماعات الإرهابية ليس فقط على المنطقة، بل أيضاً على بلدان الغرب. لكن هذا الإجماع لا يمنع أن كل واحد من الفريقين يضع الخطر في سياق مختلف عن الآخر.

إسلاموفوبيا وتسلح

من جهتها، تحرص واشنطن على التلويح بهذا الخطر أمام الرأي العام الغربي لأهداف منها تعزيز حالة الإسلاموفوبيا الضرورية من أجل رفع مستوى الإنفاق العسكري خدمة لمصالح الصناعات الحربية. وكذلك لتعزيز القدرة على شن عمليات عسكرية في الشرق الأوسط وغيره من المناطق تحت ستار محاربة الإرهاب.

 هزائم واشنطن وحلفائها وضعتهم في حالة "حرب الجميع على الجميع"
أما محور المقاومة، فإنه يتلقف أطروحة الخطر هذه من باب "إلحق الكاذب إلى باب داره" لإحراج الحكومات الغربية أمام شعوبها عبر إلزامها، منطقياً على الأقل، بمحاربة الإرهاب طالما أنها تدعي أنه يشكل خطراً على الغرب. كما لا يخلو هذا الموقف من التشفي بالحكومات الغربية وإظهار تخبطها لجهة كونها أنها هي التي صنعت الإرهاب الذي انقلب عليها.

وأياً يكن الأمر، فإن السؤال يظل مطروحاً حول مدى جدية الخطر الذي تشكله الجماعات الإرهابية على الغرب.

الواقع أن المراقب لا يمكنه إلا أن يعتبر هذا الخطر قائماً لسببين :

أولهما أن الجماعات الإرهابية تؤكد، على مستوى الخطاب، أنها تسعى لإقامة "دولة الخلافة" على كامل الرقعة التي قامت عليها الإمبراطوريات الإسلامية المتعاقبة، وهي رقعة تمتد من الصين شرقاً إلى فيينا والأندلس غرباً، على طريق استكمال الفتح ليشمل العالم كله.

استهداف صهيو-أميركي للخصوم وللحلفاء
داعش


كما تؤكد، على مستوى الخطاب نفسه، أنها تتعامل مع الغربيين على أساس أنهم صليبيون ينبغي إنزال حكم الله بهم. وتأتي أعمال الذبح والاغتيالات التي يتعرض لها غربيون على يد هذه الجماعات كتأكيدات لا لبس فيها لمضمون ذلك الخطاب. كما أن بعض الحوادث التي تشهدها بلدان الغرب وتوضع على لائحة النشاط الإرهابي تذهب في الاتجاه نفسه.


ثانيهما، يستند إلى اعتبار مفاده أن الجماعات الإرهابية هي من صنع الطغمة الظاهرة والخفية التي تتحكم بالقرار الأميركي، وأن هذه الطغمة ترعى مشروعاً لا يقف عند حدود السعي لإسقاط الخصوم المعلنين (محور المقاومة وكل من روسيا والصين بوجه خاص) بل يتعداه إلى إسقاط الحلفاء واحداً بعد الآخر. وبالطبع، فإن إسقاطهم رهن بما تسمح به الظروف وتطورات الأحداث، وبعد أن يكون المشروع الصهيو-أميركي قد استخدمهم بما فيه الكفاية.

زعزعة البلدان الحليفة

ويمكن تلمس المؤشرات على ذلك من خلال جهود الزعزعة التي تستهدف، على المدى المنظور، حلفاء كالسعودية والبلدان الأوروبية، والتي تسهم فيها الجماعات الإرهابية بهذا القدر أو ذاك.

 الخطر على الغرب أميركي والجماعات الإرهابية مجرد أدوات يتم إتلافها بعد الاستعمال
ويكفي، منعاً للاستغراب الذي قد يشعر به أولئك الذين يؤمنون بثبات وديمومة التحالفات بين القوى الساعية إلى الهيمنة وبسط النفوذ بجميع الوسائل بما فيها اللاأخلاقية، يكفي التذكير كيف أن الاستراتيجيين الأميركيين كانوا يعتبرون، فور انهيار الاتحاد السوفياتي، أن على الولايات المتحدة أن تعمل باتجاه ضرب ألمانيا واليابان لأنهما كانتا الأقدر على منافستها في تلك الفترة.

كما يكفي التذكير بأن شن حرب عالمية شاملة لإقامة الإمبراطورية الأميركية العالمية كان هدفاً معلناً للإدارات الأميركية طيلة الفترة التي سبقت هزائم واشنطن وتل أبيب في الشرق الأوسط. والواقع أن هذا الهدف ما زال مطروحاً، لكن واشنطن تعتمد لتحقيقه وسائل أكثر "احتشاماً"، كالاستخدام المكثف للحلفاء ولأدوات كالجماعات الإرهابية.

من هذا المنطلق، وفي ظروف الأزمات المتنوعة التي يعاني منها محور الهيمنة في العالم، والتي يؤكد مراقبون كثيرون أن الطغمة التي تمسك بالقرار في واشنطن لم تعد تمتلك وسيلة للخروج منها غير إشاعة الفوضى وتسعير الحروب في العالم، يمكن القول بأن واشنطن وحلفاءها وأدواتها قد دخلوا في حرب يمكن وصفها بـ "حرب الجميع على الجميع".

حرب غير معلنة بالطبع. ولكن معالمها واضحة في الخلافات الناشبة على سبيل المثال بين الجماعات التكفيرية في سوريا، وبين الدول الراعية لهذه الجماعات، وبين هذه الدول وراعيها الأميركي. كما في الضبابية التي تحيط بحرب التحالف الدولي على الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق.
والأكيد أن الأجندة المرسومة لهذه الجماعات تتضمن أنشطة تستهدف بلدان الغرب، وأن هذه الجماعات مستهدفة هي نفسها من قبل واشنطن وتل أبيب فيما لو كان النجاح من نصيب مشروعهما الإمبراطوري.

لكنه نجاح مستبعد: في ظروف صمود المحور العالمي الرافض للهيمنة الصهيو-أميركية، فإن مصير محور الهيمنة شبيه بالنار التي تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله.
2014-12-22