ارشيف من :ترجمات ودراسات
أميركا على حافة الحرب والانهيار الاقتصادي
الكاتب Dr. Paul Craig Roberts
عن موقع mondialisation.ca
15 كانون الأول / ديسمبر 2014
-------------------------------------------------
لو طلب إلى أحد قرائي فيما لو كان بإمكاني أن أسمعه بعض الأخبار الطيبة، لأجبته بأنني لا أستطيع ذلك إذا كان عليّ أن أكذب عليك شأن حكومتك ووسائل الإعلام المعروفة. أما إذا طلب إلي "أخباراً طيبة" كاذبة، فسيكون عليه أن يرجع من حيث أتى. فمقابل ما تطلبونه من ضغط نفسي أقل ومن قلق أخف، فإنكم ستجدون أنفسكم مدفوعين بشكل لا واع نحو الدمار الاقتصادي والهرمجدون النووي.
إذا كنتم ترغبون في أن يتم إعلامكم مسبقاً، أو ربما مهيئين لسماع ما ستقوله لكم حكومتكم أو أن تمتلكوا حظاً ولو ضئيلاً في إعادة توجيه مسار الأحداث، فما عليكم إلا أن تتابعوا هذا الموقع وأن تدعموه. فأنا أعرف هذه الأشياء. أنا أكتب لكم.
--------------------------------------------------
المحافظون الجدد، وهم مجموعة صغيرة من مشعلي الحروب المتحالفين مع المجمع العسكري-الصناعي وإسرائيل، هم من تفضل علينا بغزو غريناد وبمشكلة الكونترا في قضية نيكاراغوا. وقد قام الرئيس ريغان بتسريحهم ثم لوحقوا، لكن جورج بوش [الأب] -خليفة ريغان- عفا عنهم فيما بعد.
وقد عادوا إلى الظهور خلال فترة حكم كلينتون وبحماية من المال الإسرائيلي والمجمع العسكري-الأمني، ثم استقروا في مراكز الدراسات ودبروا تفجير يوغوسلافيا والحرب على صربيا وتوسع الناتو وصولاً إلى حدود روسيا.
وقد هيمن المحافظون الجدد على نظام جورج بوش الابن فأخضعوا البنتاغون ومجلس الأمن القومي ومكتب نائب الرئيس والعديد من المراكز الأخرى. ثم تفضلوا علينا بـ 11 أيلول / سبتمبر وبالتغطية عليه وبغزو أفغانستان والعراق وبدأوا بزعزعة باكستان واليمن، وأنشأوا قوة آفريكوم، ودفعوا جورجيا إلى غزو أوسيتيا الجنوبية، وألغوا اتفاقية آي بي إم، وأقروا التجسس غير الدستوري وغير الشرعي على المواطنين الأميركيين دون مذكرة قانونية، ونسفوا الحمايات الدستورية، واستخدموا التعذيب وسمحوا بعدم احترام القانون من قبل السلطة التنفيذية والكونغرس والسلطة القضائية. باختصار، أرسى المحافظون الجدد أسس الديكتاتورية والحرب العالمية الثالثة.
نظام أوباما لم يحمل أحداً من شخصيات نظام بوش مسؤولية الجرائم المرتكبة. وبذلك، جعل من نفسه رئيساً يضع السلطة التنفيذية فوق القانون. ومع هذا، يقوم نظام أوباما بملاحقة أولئك الذين يفضحون الحكومة ويقولون الحقيقة بخصوص جرائمها.
اميركا
وقد احتفظ المحافظون الجدد بالكثير من النفوذ في نظام أوباما. من الأمثلة على ذلك، تعيين أوباما لسوزان رايس، وهي من المحافظين الجدد، مستشارة للأمن القومي. كما عين سامنتا بووير سفيرة لواشنطن في الأمم المتحدة. أما فيكتوريا نولاند فقد أعطاها منصب نائبة وزير الخارجية. والمعروف أن مكتب نولاند هو الذي دبر الانقلاب الأميركي في أوكرانيا بالتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية والمنظمات غير الحكومية التي تمولها واشنطن.
إن عقيدة المحافظين الجدد هي الإيديولوجيا الوحيدة المعتمدة من قبل الإدارة الأميركية. إنها إيديولوجيا تقوم على فكرة " America über alles " (أميركا فوق الجميع) [الموروثة عن ألمانيا النازية]. فهم يعتقدون أن التاريخ قد اختار الولايات المتحدة لتفرض هيمنتها على العالم، ما يجعل منها بلداً "استثنائياً" ولا "غنى عنه". وأوباما نفسه أطلق تصريحات بهذا المعنى.
إن هذه الإيديولوجيا تمنح المحافظين الجدد ثقة كبيرة بأنفسهم، تماماً كما هو شأن كارل ماركس الذي جعل الشيوعيين الأوائل يثقون بأنفسهم عندما استنتج أن التاريخ قد اختار العمال ليكونوا الطبقة القائدة.
هذه الثقة بالنفس هي ما يقوي نزعة الجرأة على المجازفة عند المحافظين الجدد.
ومن أجل المضي قدماً في برامجهم، يلجأ المحافظون الجدد إلى البروباغندا من أجل التأثير على الناس في الولايات المتحدة والبلدان السائرة في ركابها. فوسائل الإعلام الساقطة تروج لأكاذيب المحافظين الجدد في أوساط الجمهور الساذج فتقول بأن موسكو قد اجتاحت مقاطعات في أوكرانيا وضمتها إلى روسيا. وإن بوتين يريد إعادة بناء الإمبراطورية السوفياتية. وإن روسيا هي دولة أشقياء ولصوص ولا تعرف الديموقراطية. وإنها تهدد بلدان البلطيق وبولندا وكامل أوروبا. وإن كل ذلك يستوجب تعزيز الوجود العسكري للولايات المتحدة وبلدان الناتو على حدود روسيا. أما الصين، حليفة روسيا، فيجب احتواؤها عسكرياً عن طريق إقامة قواعد بحرية وجوية حول حدودها ومراقبة طرقها البحرية.
لقد بين المحافظون الجدد والرئيس أوباما بوضوح كامل أن الولايات المتحدة لا تقبل بروسيا والصين كبلدين يتمتعان بالسيادة ويعتمدان توجهات اقتصادية وسياسات خارجية مستقلة عن مصالح واشنطن. فروسيا والصين لا تحظيان بقبول واشنطن إلا كبلدين تابعين شأن بريطانيا وأوروبا واليابان وكندا وأستراليا.
من الواضح أن التصور السائد عند المحافظين الجدد هو تصور يفضي إلى الحرب النهائية.
البشرية كلها مهددة من قبل حفنة من الرجال والنساء الذين يسيطرون على مواقع السلطة في واشنطن
لقد انتقلت البروباغندا المعادية لروسيا إلى السرعة القصوى. فبوتين يقدم على أنه "هتلر جديد". وهنالك تقرير لدانيال زيبوف عن مؤتمر مشترك عقدته ثلاثة مراكز دراسات أميركية. وفي هذا المؤتمر، وجه الاتهام إلى روسيا بأنها مسؤولة عن إخفاقات السياسة الخارجية الأميركية. يمكن الإطلاع على أعمال ذلك المؤتمر على الموقع التالي : http://sputniknews.com/columnists/2، وهذا يسمح بأن نعرف كيف يقوم المحافظون الجدد بتوجيه تفسيرات الأحداث. حتى هنري كيسينجر تعرض للهجوم لأنه قال الحقيقة عندما أقر بأن لروسيا مصالح مشروعة في أوكرانيا، وبأن قسماً من الأراضي الأوكرانية المحاذية لروسيا إنما تقع في دائرة النفوذ الروسي المشروع.
وقفت واشنطن ضد المصالح الروسية منذ فترة حكم بيل كلينتون. ففي كتاب سينشر قريباً بعنوان "عولمة الحرب : حرب أميركا الطويلة ضد البشرية"، يقدم البروفسور ميشيل شوسودوفسكي تقويماً واقعياً للمستوى الذي قامت فيه واشنطن بجعل العالم يقترب من نهايته في حرب نووية. المقطع التالي مأخوذ من مقدمة ذلك الكتاب :
"عولمة الحرب" هي مشروع هيمنة. هنالك عمليات عسكرية وأنشطة استخبارية كبرى وسرية تجري الآن وفي الوقت نفسه في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وإفريقيا ما تحت الصحراوية وآىسيا الوسطى والشرق الأقصى. فالروزنامة العسكرية الأميركية تشتمل على مسارح عمليات كبرى وأنشطة سرية تستهدف زعزعة دول ذات سيادة".
إن الأنشطة التي يقوم بها التحالف العسكري الغربي (الولايات المتحدة، حلف الناتو، إسرائيل) في أفغانستان وباكستان وفلسطين وأوكرانيا وسوريا والعراق يتم التنسيق فيما بينها وفق روزنامة عالمية يتم وضعها في أعلى مستويات التراتبية العسكرية. فالعمل لا يتم من خلال عمليات عسكرية واستخبارية منفصلة عن بعضها البعض, في تموز / يوليو وآب /أغسطس 2014، تم تنفيذ الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة بالتشاور الكامل مع الولايات المتحدة وحلف الناتو. ومن جهتها، تزامنت العمليات في أوكرانيا مع الهجوم على غزة.
كما أن الأعمال العسكرية مرتبطة بشكل وثيق بحرب اقتصادية لا تقتصر على فرض عقوبات على بلدان ذات سيادة، بل تتجاوز ذلك إلى أفعال مقصودة هدفها زعزعة الأسواق المالية والنقدية وضرب الاقتصادات الوطنية للبلدان المستهدفة.
لقد انخرطت الولايات المتحدة وحلفاؤها في مغامرة عسكرية تهدد مستقبل البشرية. ففي الوقت الذي وضعت فيه هذه السطور تحت الطباعة، كانت قوات الولايات المتحدة وحلف الناتو قد نشرت في أوروبا الشرقية. وبموجب تكليف ذي طبيعة إنسانية، يقوم الجيش الأميركي حالياً بتدخل في إفريقيا ما تحت الصحراوية. كما أن الولايات المتحدة وحلفاءها يهددون الصين وفقاً لـ "المحور الآسيوي" الذي ينادي به أوباما. وهنالك أيضاً مناورات عسكرية تجري أمام أبواب روسيا، وهي قد تؤدي إلى تصاعد خطر الحرب.
إن الضربات الجوية الأميركية التي بدأت في أيلول / سبتمبر 2014 ضد العراق وسوريا بحجة ضرب داعش هي جزء من سيناريو عسكري تصعيدي يمتد من إفريقيا الشمالية والحوض الشرقي للمتوسط إلى آسيا الوسطى والجنوبية. هذا يعني أن التحالف العسكري الغربي قد وصل إلى مرحلة متقدمة من الاستعداد.
وكما سبق لي وذكرت مراراً، فإن الأميركيين هم شعب غير مبال. فهم بكل بساطة ليسوا على علم بما يجري. ولو افترضنا أنهم يعلمون وأنهم يدركون الخطر الماثل أمامهم، فهل يمكنهم فعل شيء ما؟ أم أن الأميركيين غير المبالين قد وقعوا تحت سيطرة شرطة الدولة التي شكلتها واشنطن؟
لا أظن أن هنالك الكثير مما يمكن أن نأمله من الشعب الأميركي. فالشعب الأميركي لا يمكنه أن يميز بين قائد حقيقي وقائد زائف، في حين أن النخب القيادية الخاصة لن تسمح لقائد حقيقي بالظهور. وفوق ذلك، لا وجود لحركة منظمة معارضة للمحافظين الجدد.
الأمل يأتي من خارج النظام السياسي. الأمل هو في أن ينهار قصر الورق والأسواق المغشوشة التي أقامها المقررون السياسيون لصالح 1 بالمئة من السكان. دافيد ستوكمان يعتبر أن ذلك الانهيار مرجح جداً. والانهيار الذي يراه ستوكمان هو نفسه الذي سبق وأشرت إليه. ثم إن عدد البجع الأسود (1) الذي يمكنه أن يحدث الانهيار هو أكبر مما حدده ستوكمان. فالواقع أن بعض المؤسسات المالية تشعر بالقلق بسبب احتمالات النقص في عائداتها الثابتة وعلى مستوى سوق السلع غير الأولية. وها إن باربرا نوفاسك، التي تشارك في رئاسة شركة "بلاك روك" تتصرف على طريقة جماعات الضغط من أجل وضع آلية إنقاذ للسلع غير الأولية.
مقالة دافيد ستوكمان مهمة جداً. عليكم أن تقرأوها لكي تفهموا وعندها ستعرفون أكثر من غالبية الناس. إنها على الرابط التالي : http://www.lewrockwell.com/&hel...
ولا بد هنا أن كثيرين سيطرحون التساؤل التالي : إذا كانت ثروات الـ 1 بالمئة غير قادرة على الصمود في وجه الانهيار الاقتصادي، فهل تندلع الحرب بهدف الدفاع عن هذه الثروات ؟ وهل ستوجه التهمة إلى الروس والصينيين بالمسؤولية عن الصعوبات المعيشية التي يعاني منها الشارع الأميركي ؟ الجواب هو التالي : نوع الانهيار الذي أتوقعه ويتوقعه دافيد ستوكمان وغيره كثيرون لا يمر بالحرب. لأن الحكومة الأميركية هي في حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي تجعلها عاجزة عن الشروع في حرب كبرى.
وفي حين لا تتعرض واشنطن لأي ضغط بسبب عجز الشعب الأميركي وتبعية العالم الغربي لها، فإن الانهيار الاقتصادي هو ما سيحفز قيام الثورات وزوال النظام القائم.
واياً تكن الصعوبات التي سيعاني منها الناس [الأميركيون] في ظل الانهيار، فإن فرص البقاء على قيد الحياة تظل أكبر مما ستكون عليه في حالة نشوب حرب نووية.
----------------------------------------
(1) نظرية "البجع الأسود". البجع كله أبيض اللون والبجعة السوداء هي كناية عن حدث غير متوقع وأرجحية حدوثه ضئيلة جداً.