ارشيف من :آراء وتحليلات

’الكاوبوي الابيض’ و’الشيطان ’الاسود’

’الكاوبوي الابيض’ و’الشيطان ’الاسود’

العنصرية والتعذيب، ممارسات وثيقة الصلة بطبيعة التركيبة الاميركية، القائمة على العنجهية والاستكبار. سلوك متوقع وبديهي من دولة احتلال وعدوان، وهو مرتبط جذرياً بالبنية الفكرية والايديولوجية للادارة الاميركية، وبالصورة النمطية للاميركي ونظرته للآخر، وتربيته على اساس فوقيته ودونية الآخرين، نظرة تشابه الى حد بعيد بل تتماهى مع النموذج الصهيوني المجبول على فكرة "شعب الله المختار".

في الملأ، تتباهى اميركا بأنها موئل الحريات والمساواة وموطن الديمقراطيات، فيما العنصرية متأصلة ومتجذرة في العقلية التي حكمت وتحكمت بادارتها عبر التاريخ، عنصرية لم تقتصر على احداث "فيرغسون" مؤخراً بل عبّرت عن نفسها مراراً وتكراراً منذ اكتشاف تلك القارة، يوم كان المواطن الهندي الاصلي يئن من سطوة المستوطن الاميركي المعتدي، ويوم كان التمييز ولا زال مستشرياً على أساس لون البشرة بين ابيض واسود، رغم كل القوانين التي تحذر من التمييز بين البشر على اساس الجنس او اللون او الدين.

العنصرية والتمييز، اذاً لا يعدوان كونهما من دعائم واعمدة الهيكل الاميركي، تأصل من خلال نظرة "الكاوبوي" الابيض للهنود الحمر على أنهم "سيئون" بالطبيعة، وللمواطنين السود على انهم "أولياء الشيطان"، نظرة تكرست في الواقع وفي العقلية والخطاب الاميركي (تقسيم الرئيس الاميركي جورج بوش العالم الى محور خير ومحور شر بعد احداث 11 ايلول 2001) وعكستها الافلام الهوليودية الاميركية التي ظلت تصورهم حتى الامس القريب على انهم اعداء "رعاة البقر الاميركيين"، إذ لم يحصل الهنود على الجنسية الأميركية حتى سنة 1924، رغم أنهم السكان الأصليون، كما لم يسمح لهم بممارسة حياتهم الخاصة حتى سنة 1976، حينما اقر لهم الكونغرس الاميركي هذا الحق.

’الكاوبوي الابيض’ و’الشيطان ’الاسود’
الرئيس الاميركي باراك اوباما


*التعذيب ومخالفة المواثيق الدولية

من دمغ وطبع سلوكه بالعنصرية وأشد فصول الإنسانية انحطاطاً، بدءاً من ابادة شعب باكمله واستيراد شعب اخر مكانه، مروراً بالحروب التي لا تعد ولا تحصى على مر التاريخ، من كان هذا اداؤه وهذا طبعه ليس مستغرباً عليه بالطبع ممارسة اشد انواع التعذيب والمعاملة اللاانسانية المهينة بحق معتقليه، بشكل يخالف كل المعايير والقوانين والاتفاقيات والمواثيق الدولية.

غير ان المفارقة الغريبة العجيبة هي ان يحمل مرتكب كل هذه الجرائم البشعة ضد الانسانية مشعل الحرية، ويجول به على العالم لتلميع صورته عبر اثارة "مفاخر الليبرالية" والمساواة و"الحلم" الأمريكي، والادهى من كل ذلك، شرعنة سلوكه المهين والمخزي، وتسويقه انه يندرج تحت سقف القوانين التي خطها لنفسه، او عبر التلطي خلف توقيعات شكلية لا تحدها قيود او التزامات اخلاقية على اتفاقيات ومعاهدات، او محاولة اخفاء فصول التعذيب والتستر عليه لضمان افلات مرتكبيه من العقاب.

الاضطهاد والتعذيب، الذي تكشفت فصوله مؤخراً بفضيحة تقرير التعذيب الذي تمارسه "سي اي اي" هو الارهاب بعينه، فاميركا والارهاب تؤامان لا ينفصلان، تلك حقيقة ساطعة لا يخفيها ادعاء مكافحة الارهاب في العلن، فيما هي تمارسه في الواقع بشتى انواعه واشكاله ( فكري، جسدي، معنوي..) .

*شرعنة التعذيب والعنصرية


ولعل اخطر تحول احدثته احداث 11 ايلول 2001 لم يكن مكافحة الارهاب وهو الشعار الذي رفعته الادارة الاميركية حينها، بل انها شرعنت الارهاب، وحررت تلك الادراة من القيود القانونية تحت شعار حماية الامن القومي، فكان ان شنت حروبا سميت "استباقية"، وتحت عنوان الدفاع عن اميركا جرى التضييق على الحريات عبر قوانين "التنصت" واجراءات التفتيش في المطارات، تحت مسميات عدة منها قانون “باتريوت أكت” /2001 ، والذي رفعت بموجبه العوائق القانونية حول مراقبة المحادثات الهاتفية، والملفات الطبية والرسائل الالكترونية والصفقات البنكية، وحتى تفتيش البيوت في غياب أصحابها بحجة الإرهاب.

ورغم تصديقها على اتفاقية مناهضة التعذيب عام 1994 بتأخر سبع سنوات عن تاريخ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ في عام 1987، الا ان الادارات الاميركية المتعاقبة لم تمتنع عن مخالفة بنود تلك الاتفاقية، والادهى انها لجأت الى تقنين التعذيب عبر خلق المسوغات والمبررات واصدار التشريعات ومنها قانون "ميليتاري كوميشن أكت"، الذي وقعه جورج بوش عام 2006، والذي يسمح بالاستجوابات الخشنة للمتهمين بالإرهاب، حتى وصفه البعض بأنه أسوأ تعدٍّ على الحريات المدنية في الولايات المتحدة، تلك نماذج من قوانين اطاحت بكل الحصانات التي فرضها المشرعون لحماية الحقوق والحريات الخاصة، ومنها تقييد التفتيش بإذن قضائي وعدم جواز التنصت الا بقرار قضائي، ومنع التعذيب، وغيره من الضروب الحاطة من كرامة الانسان.

هذه القوانين لم تكن فريدة في الولايات المتحدة الاميركية، فهي تجد جذورها التاريخية في العنصرية التي جرت قوننتها ايضاً، والشواهد كثيرة ومنها "قانون السود" الصادر عام 1848 الذي أصدره بيض جورجتاون للتخلص التدريجي من مئات السود الذين كانوا "يلطخون نقاء بلدتهم وبياضها، والذي يمنع أي أسود من تطيير طيارة ورقية، او التفرج على ألعاب مبارزة الديوك، او حتى التجمع مع اقرنائه.

اذاً النموذج الاميركي لا يعدو كونه نموذجاً عنصرياً "داعشياً" صهيونياً، يتأصل فيه الارهاب، نموذج رائد في الانحطاط، تاريخه تاريخ حروب وإبادة، وعقيدته الأشد دموية. وديموقراطيته الزائفة ديمقراطية للسادة وليست للآخرين، للبيض وليست للسود، هي الاسطول الحادي عشر في الجيش الاميركي لغزو الدول واختراق سيادتها.
2014-12-25