ارشيف من :آراء وتحليلات

بعد فشل تجاربها الصاروخية: لماذا كذبت إسرائيل وإلامَ يؤشر كذبها؟

بعد فشل تجاربها الصاروخية: لماذا كذبت إسرائيل وإلامَ يؤشر كذبها؟
رغم أن فشل تجارب الصواريخ الاعتراضية، بعد استكمال عناصر نجاحها المفترض، يعتبر أمراً حساساً في الحسابات الإسرائيلية، إلا أن محاولة طمس هذا الفشل وتقديم تقارير كاذبة لم تلبث أن انكشفت سريعاً، يستأهل التوقف عند ما تنطوي عليه من أبعاد وما يمكن استخلاصه من عبر.

مع أن تعرض التجارب العسكرية للفشل، في كافة البلاد المتطورة، ليس أمراً مفاجئاً بل ومتوقع في بعض الحالات.. لكن ما يميز الفشل الذي تعرضت له التجربتان الصاروخيتان اللتان نفذتهما "إسرائيل" في الاشهر الاخيرة، واخرهما فشل تجربة "حيتس 3" قبل ايام، انهما كانتا في مراحلهما النهائية، وبعدما كان يفترض أنه تم استكمال عناصر نجاحهما. لذا كان من المفترض أن يكون يوم التجربة يوماً احتفالياً للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية وشركائها الأميركيين. اذ تم اطلاق صاروخ "أنكور كَسوف" من عرض البحر ليحاكي الصاروخ الايراني من طراز "شهاب"، وكان من المفترض أن يشكل هدفاً لصاروخ "حيتس 3" في أول تجربة اعتراضية من نوعها. لكن الصاروخ الاعتراضي لم يُطلق. ونتيجة ذلك اصيب بالخيبة عشرات المسؤولين الإسرائيليين والاميركيين الذين كانوا يراقبون نجاح التجربة.

وما عزَّز من الشعور بالخيبة والفشل، أنها المرة الثانية التي تفشل فيها تجارب تتعلق بالاعتراض الصاروخي. ويأتي ذلك، بعدما فشلت تجربة سابقة في شهر ايلول الماضي عندما لم ينجح صاروخ حيتس 2 في اعتراض الصاروخ الهدف. وفي حينه حاولت وزارة الامن التهرب من الاعتراف بفشل التجربة وأعلن مسؤول رفيع في الوزارة، في حينه، "نحن لا نزال ندرس النتائج". لكن روسيا التي تتابع ما يجري في الشرق الاوسط اعلنت ان الصاروخ الهدف سقط في البحر، أي أن حيتس لم يفجره.

مع ذلك، ينبغي التأكيد على حقيقة أن فشل تجربة صاروخية للعدو، أو أكثر، لا يعني بالضرورة أنها لن تنجح لاحقا، بل في الكثير من الحالات يتم سد الثغرات وتذليل العقبات. لكن ما ينبغي التوقف عنده، هو ما دفع المؤسسة الإسرائيلية للكذب في التجربتين الفاشلتين قبل أن ينكشف الامر ويتم التراجع والاعتراف.

فشل عملياتي ثم فشل في الكذب

تؤكد محاولة طمس فشل التجربتين الصاروخيتين، ثم الكذب في التقارير الاعلامية، أن إسرائيل يمكن أن تقدِّم، وقدَّمت، تقارير كاذبة عن تطوير قدرات عسكرية وصاروخية لديها. واذا ما حالت ظروف معينة في هاتين التجربتين دون نجاح طمس الفشل العملاني، لا يوجد ما يمنع أن تكون هناك حالات فشل لم يتم كشفها.

لا يعني ما تقدم التوهين من قدرات العدو بل يعرف القاصي والداني ما يتمتع به من تفوق تكنولوجي وعسكري بالمقاييس العالمية، لكن وجب وضع الامور في نصابها من اجل ان لا نكون اسرى ما يقدمه العدو من معطيات والتعامل معها كما لو انها حقائق مطلقة.

بعد فشل تجاربها الصاروخية: لماذا كذبت إسرائيل وإلامَ يؤشر كذبها؟
الجيش الإسرائيلي 

لكن الأهم في هذه السابقة، أن الكذب الإسرائيلي كان ذا صلة بمنظومة الاعتراض الصاروخي. ولعله في هذه النقطة بالذات تكمن خلفية إصراره على محاولة طمس الفشل الذي انكشف.

وفي التفصيل، منذ حرب العام 2006، سلَّمت إسرائيل بحقيقة أن جبهتها الداخلية تحوَّلت إلى ساحة حقيقية للمعركة وباتت جزء لا يتجزأ من جبهات القتال. وأدركت ايضا أن قدراتها العسكرية المتفوقة وعلى رأسها سلاح الجو غير قادرة على الحسم، في مواجهة التهديد الصاروخي لجبهتها الداخلية.

من أجل ذلك، سعت إسرائيل إلى بناء منظومة اعتراض صاروخي تتكامل مع القدرات الهجومية من أجل تقليل مفاعيل الخطر الصاروخي. وهي منظومة تندرج ضمن ما يعرف بالدفاع الايجابي أو الفعال، الذي يهدف إلى اسقاط الصواريخ وهي في طريقها إلى اهدافها في فلسطين المحتلة.

واستنادا إلى أهمية حماية الجبهة الداخلية في أي مواجهة مقبلة أضافت إسرائيل على ثلاثية نظريتها الامنية القائمة على الردع والانذار والحسم، عنصر "الحماية". وهكذا باتت حماية الجبهة الداخلية أحد أهم مداميك الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية.

وتهتم إسرائيل بشكل استثنائي بأن تبدو قدراتها الاعتراضية في أرقى صورها وتجلياتها، لدى أعدائها. وترى أن أي استخفاف من قبل أعدائها بقدراتها الاعتراضية، سينعكس على قدرتها الردعية ويعرض أمنها للخطر. أضف إلى أنه سيُضعف سياسة التهويل والتهديد التي تعتمدها.

ومما يميز التجارب الصاروخية الاخيرة التي تم الكشف عن فشلها، أنها تتصل بمنظومة "حيتس" التي تشكل أحد أبرز مكونات منظومة دفاع إسرائيل ضد الصواريخ الباليستية، وهي منظومة متعددة الطبقات وتشمل أربعة منظومات: "القبة الحديدية" وهي منظومة قائمة في الخدمة، ومنظومة "العصا السحرية" وهي قيد التطوير، ومنظومة "حيتس 2" وهي في الخدمة، ومنظومة "حيتس 3" قيد التطوير. وتشكل منظومة "حيتس 3" الطبقة الأعلى في منظومة الدفاع الإسرائيلية ضد الصواريخ بعيدة المدى. وتم اطلاق هذا المشروع قبل خمس سنوات وهو الاكثر كلفة في تاريخ إسرائيل. ونتيجة ذلك فهو يحظى بتمويل أميركي من أجل تخفيف العبء على إسرائيل.

وهكذا، نتيجة حساسية هذه المنظومة وموقعها في الاستراتيجية العسكرية لكيان العدو، وبفعل القلق من مفاعيل انتشار خبر فشل تجربتها لدى حزب الله والجمهورية الاسلامية في ايران تحديدا، وجدت إسرائيل صعوبة في الاعتراف بفشلها.

مع ذلك، فإن نجاح التجربة، ولو لاحقاً، لا يعني أن إسرائيل قد وجدت الحل السحري للتهديد الصاروخي. خاصة وأننا نشهد سباقا وتنافسا بين تطوير القدرات الصاروخية للمقاومة والاعتراضية من قبل إسرائيل. والقدر المتيقن حتى الان، أن الكلمة الفصل ما زالت حتى الان لمصلحة محور المقاومة والدليل على ذلك أصل ومستوى الارتداع الإسرائيلي سواء في مواجهة حزب الله أم ايران.
2014-12-26