ارشيف من :ترجمات ودراسات
من هونغ كونغ حتى أقاصي سينكيانغ، بكين بدأت تدرك أبعاد اللعبة الأميركية
الكاتب : Aeneas Georg
عن موقع : Réseau International
التاريخ : 6 كانون الأول / ديسمبر 2014
حتى ولو كان اسمها محبباً، فإن الثورة التي تشهدها هونغ كونغ، تسير وفق الترسيمة الثابتة لتغيير الأنظمة وتعميم الزعزعة السياسية المرسومة بعناية من قبل الولايات المتحدة. والصينيون لا يحتاجون إلى شروحات حول هذا الموضوع !
وقد بتنا نعرف أن روسيا قد تعرضت لأساليب تغيير النظام التي تستخدمها وتبالغ في استخدامها إمبراطورية الفوضى بهدف المحافظة على استمرارية هيمنتها. وقد ظهر ذلك جلياً في الخطاب الذي ألقاه بوتين في منتدى فالداي.
فالواقع أن زملاءنا (الأميركيين) يحاولون منذ مدة من الزمن إدارة الحراكات السياسية عبر استخدام النزاعات الإقليمية وتصميم "ثورات ملونة" تتناسب مع مصالحهم. لكن الجنيّ الذي يحقق ثلاث أمنيات خرج من القمقم : يبدو أن مصممي نظرية "الفوضى المتحكم بها" ما عادوا يعرفون، هم أنفسهم، كيف يديرونها، فدبت الفوضى الشاملة في صفوفهم.
وكما هو الشأن بالنسبة لروسيا، تعرضت الصين لمحاولات تغيير النظام في مقاطعة سينكيانغ في غربي البلاد. كما تعرضت لذلك مؤخراً في هونغ كونغ. والسؤال الذي يطرح نفسه هو : إلى أي حد هنالك وعي صيني بالدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في تحريك حركات الاحتجاج هذه ؟ وقد نشر مؤخراً على يوتوب شريط فيديو يظهر أن الصين تدرك بشكل واضح طبيعة رقعة الشطرنج الجيوسياسية ورهاناتها، حتى وإن لم تكن واثقة من أن الآراء التي عرضها الشريط هي آراء الشارع الصيني أم لا.
اميركا والصين
ويكشف الشريط عن 12 مرحلة تمر بها عملية تغيير النظام السياسي في بلد ما من قبل الولايات المتحدة. وبعدها يشرح كيف أن ديناميات تغيير الأنظمة في جميع أنحاء العالم، والعداء تجاه روسيا والصين، تتبع مساراً يمكن أن يؤدي إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة.
أما المراحل الإثنتا عشرة التي يعرضها الفيديو فهي التالية :
1- تقوم وكالة الاستخبارات الأميركية والبريطانية وغيرها من الأجهزة المماثلة بإرسال عملاء إلى البلد المستهدف بصفة السياح والطلاب والمتطوعين [للعمل الإنساني] ورجال الأعمال وحتى الصحافيين.
2- تحريك منظمات غير حكومية تعمل في مجالات العمل الإنساني والنضال من أجل الديموقراطية وحقوق الإنسان بهدف اجتذاب الدعاة إلى الحرية والمبادئ السامية.
3- اجتذاب خونة مع إعطاء أفضلية للجامعيين والصحافيين والعسكريين عن طريق المال أو الابتزاز في ما يخص اشخاصاً سبق وارتكبوا أعمالاً مشينة.
4- في حال وجود نقابات في البلد المستهدف، تتم السيطرة عليها عن طريق الفساد والإفساد.
5- اختيار اسم محبب أو لون للثورة، كما في "ربيع براغ" (1968)، وثورة المخمل في أوروبا الشرقية (1969)، وثورة الورود في جورجيا (2003)، وثورة الأرز في لبنان (2005)، وثورة البرتقال في أوكرانيا، والثورة الخضراء في إيران، وثورة الياسمين، والربيع العربي أو ثورة المظلات في هونغ كونغ.
6- إطلاق تظاهرات على خلفية ما لتكون بداية للثورة. وهذه الخلفية قد تكون حقوق الإنسان أو الديموقراطية أو فساد الحكومة أو تزوير الانتخابات. ولا حاجة في هذا لأدلة ملموسة. يكفي تقديم مبرر ما.
7- كتابة لافتات وما شابه بالانكليزية لكي يكون من الممكن أن يقرأها الناس في الولايات المتحدة. وبذلك يتم زج السياسيين والمواطنين الأميركيين في المشكلة.
8- دفع السياسيين والمثقفين والنقابيين المرتبطين إلى المشاركة في التظاهرات، ودعوة الشعب إلى الانضمام إلى المتظاهرين، مع الترحيب بكل ما يتم طرحه من ظلامات وشكاوى.
9- التشديد على ضرورة أن تركز الصحافة الأميركية والأوروبية على أن سبب الثورة هو الظلم، وذلك بهدف استمالة الأكثرية الصامتة.
10- وعندما تصبح أنظار العالم مشدودة إلى الثورة، يتم تركيب صور وأحداث مزورة من شأنها أن تؤدي سريعاً إلى زعزعة الحكومة المستهدفة وفقدانها المصداقية في عيون شعبها.
11- إنزال عملاء للقيام بأعمل تحريض واستفزازات تجبر الشرطة على اللجوء إلى العنف. عندها تفقد الحكومة المستهدفة دعم البلدان الأخرى وتخسر شرعيتها في نظر الأسرة الدولية.
12- إرسال سياسيين محليين إلى الولايات المتحدة وأوروبا والأمم المتحدة للمطالبة بفرض عقوبات على الحكومة المستهدفة، ومناطق حظر طيران، وحتى بقصف جوي ودعم للتحرك المسلح الذي يقوم به المتمردون.
كل من ينظر بشيء من الانتباه إلى الأحداث الراهنة في هذا العالم يمكنه أن يلاحظ الترسيمة المذكورة أعلاه. لكن المرضى النفسيين لا يتمتعون بكل هذه القدرة على التخيل. فهم يستخدمون، ويعودون إلى استخدام، كل ما لديهم من وسائل حتى البالية منها. وفي معظم الأحيان، يعود ذلك بالمنفعة على أولئك المرضى النفسيين الذين يحكمون، لأنهم يظلون بعيدين عن المشاكل في حال انكشف دورهم في تصميم الأعمال الخبيثة. فوسائل الإعلام الجماهيرية المطيعة إلى أبعد الحدود جاهزة لممارسة البروباغندا ولخنق كل اعتراض من شأنه أن يؤدي إلى الكشف عن الأيدي التي تحرك الحكام البيادق من وراء الستار، وكذلك لتشويه سمعة المعترضين عندما تعوزها الأدلة والحجج.
مثال صريح على هذا النوع من الأعمال نجده في الأحداث الراهنة التي تمر بها هونغ كونغ. أو ايضاً في مقالة بعنوان " نيويورك تايمز تتجاوز حدود الشطط" بخصوص حرية إقامة الجمعيات في الصين :
Sott Exclusive: The NYT goes batty over China’s freedom of association (sott.net, anglais, 13-11-2014.
وكل ذلك يأتي مناسباً تماماً لأن ذاكرة الجمهور قصيرة جداً بفعل أنواع الملاهي المطبوخة بالصلصة الهوليودية، ووسائل التواصل الاجتماعي على الانترنت، وكذلك بفعل القانون الدستوري بمعناه الدقيق وملاءمته للغرض المطلوب.
ويتابع شريط الفيديو قائلاً :
إذا لم تؤد الخطوات الاثنتا عشرة إلى الإطاحة بالنظام، لا تعجز الولايات المتحدة عن إيجاد عذر تبرر من خلاله تدخلاً عسكرياً وإسقاط الحكومة المستهدفة بالقوة. والواقع أن هذا الخيار قد أثبت ناجعيته أكثر من مرة.
على ذلك، لا تكون الحركات المدنية العفوية هي من قامت بإسقاط الأنظمة. فعلى العكس من ذلك، فإن هذه الثورات يجري الإعداد لها بعناية ويتم توجيهها بكل تفاصيلها الدقيقة. فالحقيقة أن إسقاط بلد ما عن طريق صراعات بين سكانه المدنيين هو عملية أكثر ربحية من إرسال الجيوش لمهاجمة ذلك البلد وتدميره. ولهذا تستمر الولايات المتحدة في تطبيق هذه الخطوات الإثنتي عشرة بحق البلدان التي تعتبرها معادية لها.
شريط الفيديو المذكور ينحو باللائمة على الماسونيين، ولكن توجيه التهمة إلى النخبة المريضة نفسياً هو أكثر تناسباً مع المقام. فمن أبرز الخصائص المميزة للشريط هو افتقاره لكل ضمير روحي : إنه يستهزئ بعذابات البشر إلى أبعد حد، وحتى بأعداد الضحايا الذين يسقطون بفعل هذه الثورات. لا بل يمكن القول بأن تلك النخبة تتلذذ بهذه العذابات.
وكما هو الشأن على الدوام، يكون علينا، نحن، أن نعي هذا الكابوس وأن نستيقظ، وأن نفهم أن بيننا حيوانات كاسرة مجردة من القيم الأخلاقية والإنسانية. وتحصيل هذا الوعي أصبح أكثر سهولة بقدر ما باتت إمبراطورية الخراب تكشف، أمام كل من يريد أن يرى، عن طبيعتها الحقيقية من خلال صراعها اليائس من أجل استمرار هيمنتها.
إن بلدان البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، إفريقيا الجنوبية) وبلداناً أخرى أيضاً قد بدأت تدرك ذلك بشكل كامل. والأكيد أن تعاوناً أكبر بين هذه البلدان قد سمح بنشر الوعي حول نمط سلوك هؤلاء المرضى النفسيين. أوليس شريط الفيديو الذي نحن بصدده خير مصداق على ذلك ؟