ارشيف من :آراء وتحليلات
حريق النفط يلتهم السعودية والولايات المتحدة
في سياق الهزائم التي
تهز معسكر الهيمنة، يلجأ هذا المعسكر إلى استخدام النفط كسلاح في المواجهة المحتدمة
على الساحة الدولية بينه وبين قوى الاستقلال والتحرر. كل المعطيات تشير إلى أن لهذا
التطور تداعيات من شأنها أن تضع معسكر الهيمنة في مواجهة هزيمة أشد كارثية من
سابقاتها.
سيكون لسوريا فضل كبير في الانتقال إلى عالم أكثر أماناً وعدلاً على أنقاض النظام العالمي الذي تسعى الولايات المتحدة إلى إقامته على حساب المصالح الأساسية للشعوب. فصمود سوريا في وجه حرب عدوانية استنفدت كل ما في جعبة المعسكر الصهيو-أميركي من وسائل، دفع هذا المعسكر إلى إنزال سلاح جديد، هو النفط، إلى ساحة المعركة.
ولما كان الدعم الذي تحصل عليه سوريا من روسيا والصين وإيران قد لعب دوراً هاماً في تعزيز هذا الصمود، فقد ظن أصحاب القرار الصهيو-أميركي أن وقف هذا الدعم سيؤدي أوتوماتيكياً إلى انهيار سوريا. ولما كانوا يعلمون جيداً أن من المستحيل دفع إيران إلى التوقف، بالترغيب والترهيب، عن تقديم الدعم لسوريا، فقد راهنوا على إمكانية التأثير على روسيا في هذا المجال.
رهان سعودي فاشل على شراء روسيا
فمنذ أن بدأت تباشير هزيمة الحرب على سوريا بالظهور، انبرت السعودية وبلدان خليجية أخرى للعمل على الملفين الصيني والروسي، وعلى الملف الأخير بشكل أساسي.
وقد ظن السعوديون أن بإمكانهم، بالقدر الذي تستطيع فيه أموالهم شراء
وسائل الإعلام والمنتجعات السياحية والمواقف السياسية، أن يشتروا روسيا والصين
بالقدر نفسه من السهولة. وحتى قبل اسبوعين من قيام السعودية بكسر أسعار النفط، كان
بعض كبار المسؤولين السعوديين يذرعون الطرق إلى موسكو وبكين حاملين معهم عروضاً
مالية دسمة. وفي كل مرة كانوا يشيعون، في إطار الحرب النفسية، قصصاً عن تراجع وشيك
من قبل روسيا عن موقفها الداعم لسوريا.
والواضح أن إخفاق هذه الأساليب هو الذي دفع باتجاه التشدد مع روسيا. وبالطبع، لم يكن من الممكن للسعودية أن تتخذ قرارها بكسر أسعار النفط إلا بإيعاز أميركي مباشر، وخصوصاً أن المواجهة بين روسيا والغرب قد وصلت في أوكرانيا إلى مستوى بالغ السخونة.
مهزلة النفط الصخري
وقد راهنت الولايات المتحدة على تحقيق هدفين من وراء الكسر السعودي لأسعار النفط :
الأول، هو التراجع بأقل الخسائر المعنوية الممكنة عن التبجحات القائلة بأن النفط الصخري الذي بدأ إنتاجه منذ سنوات في الولايات المتحدة سيمكنها من تحقيق الإستقلال في مجال الطاقة، إضافة إلى تزويدها بقدرات هامة على مستوى تصدير النفط والغاز الصخريين إلى الخارج. فالحقيقة أن هبوط أسعار النفط إلى حدود 55 دولاراً للبرميل، في وقت ترتفع فيه تكلفة إنتاج النفط الصخري إلى مستويات لا تسمح ببيعه بسعر يقل عن 90 دولاراً للبرميل، قد منح واشنطن فرصة للخروج بشيء من ماء الوجه بعد تبجحاتها في هذا المجال.
النفط
الثاني، هو توجيه ضربة قاسية للاقتصاد الروسي يأملون أن تؤدي، في غضون عامين أو ثلاثة، ليس فقط إلى إجبار موسكو على وقف دعمها لسوريا أو لمعارضي النظام الإنقلابي في أوكرانيا، بل ايضاً إلى إسقاط حكم الرئيس بوتين وإعادة روسيا إلى حقبة الانحطاط التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي.
والواقع أن هبوط سعر البرميل قد ألحق أضراراً باقتصادات روسيا وبلدان مصدرة أخرى كإيران والعراق وفنزويلا... لكنها ليست من النوع الذي قد يؤدي إلى انهيارها خلال عامين أو مئتي عام. فإيران التي لا يعتمد اقتصادها على النفط وحده، اعتادت منذ الثورة على مثل هذه الضغوط التي أسهمت في تحفيز نموها الاقتصادي. ورغم انهيار أسعار النفط قدمت، هي وروسيا، مساعدات لسوريا بمليارات الدولارات.
من جهة أخرى، فإن الصين هي أول المستفيدين من هبوط أسعار النفط، والعلاقات الاقتصادية والسياسية الوثيقة التي تربطها بروسيا تجعل هذه الأخيرة بمنأى عن التداعيات السلبية. وحتى هبوط سعر الروبل شكل عامل تنشيط مهماً لقدرات روسيا التصديرية.
من يسقط في الحفرة ؟
من هنا، فإن كسر أسعار النفط لم يفشل فقط في إحداث تأثير سلبي على الاقتصادين الروسي والإيراني، وبالتالي على الدعم الذي تقدمه موسكو وطهران لسوريا، بل إن تأثيراته السلبية بدأت بالظهور على مستوى المعسكر المعادي. فقد أفلست عشرات الشركات الأميركية العاملة في مجال النفط الصخري، ودخل اقتصاد السعودية وبلدان خليجية أخرى في حالة معاناة صعبة.
فقد أعلنت السعودية عن عجز في موازنتها للعام 2015 بحدود
50 مليار دولار بسبب تدني عائداتها النفطية منذ آب / أغسطس الماضي. أما العجز في
الموازنة الكويتية فيقدر بـ 30 مليار دولار.
هذا يعني، بعملية حسابية بسيطة، أن عامين أو ثلاثة أعوام تتواصل خلالها حرب النفط سيكون لها مفعول عكسي، وأن السقوط المؤكد لن يكون من نصيب سوريا وإيران وروسيا، بل من نصيب أميركا ومشيخات النفط وبقية مكونات المعسكر الصهيو-أميركي.
سيكون لسوريا فضل كبير في الانتقال إلى عالم أكثر أماناً وعدلاً على أنقاض النظام العالمي الذي تسعى الولايات المتحدة إلى إقامته على حساب المصالح الأساسية للشعوب. فصمود سوريا في وجه حرب عدوانية استنفدت كل ما في جعبة المعسكر الصهيو-أميركي من وسائل، دفع هذا المعسكر إلى إنزال سلاح جديد، هو النفط، إلى ساحة المعركة.
ولما كان الدعم الذي تحصل عليه سوريا من روسيا والصين وإيران قد لعب دوراً هاماً في تعزيز هذا الصمود، فقد ظن أصحاب القرار الصهيو-أميركي أن وقف هذا الدعم سيؤدي أوتوماتيكياً إلى انهيار سوريا. ولما كانوا يعلمون جيداً أن من المستحيل دفع إيران إلى التوقف، بالترغيب والترهيب، عن تقديم الدعم لسوريا، فقد راهنوا على إمكانية التأثير على روسيا في هذا المجال.
رهان سعودي فاشل على شراء روسيا
فمنذ أن بدأت تباشير هزيمة الحرب على سوريا بالظهور، انبرت السعودية وبلدان خليجية أخرى للعمل على الملفين الصيني والروسي، وعلى الملف الأخير بشكل أساسي.
روسيا وإيران تدعمان سوريا بمليارات الدولارات رغم خسائرهما الناجمة عن الكسر السعودي لأسعار النفط |
والواضح أن إخفاق هذه الأساليب هو الذي دفع باتجاه التشدد مع روسيا. وبالطبع، لم يكن من الممكن للسعودية أن تتخذ قرارها بكسر أسعار النفط إلا بإيعاز أميركي مباشر، وخصوصاً أن المواجهة بين روسيا والغرب قد وصلت في أوكرانيا إلى مستوى بالغ السخونة.
مهزلة النفط الصخري
وقد راهنت الولايات المتحدة على تحقيق هدفين من وراء الكسر السعودي لأسعار النفط :
الأول، هو التراجع بأقل الخسائر المعنوية الممكنة عن التبجحات القائلة بأن النفط الصخري الذي بدأ إنتاجه منذ سنوات في الولايات المتحدة سيمكنها من تحقيق الإستقلال في مجال الطاقة، إضافة إلى تزويدها بقدرات هامة على مستوى تصدير النفط والغاز الصخريين إلى الخارج. فالحقيقة أن هبوط أسعار النفط إلى حدود 55 دولاراً للبرميل، في وقت ترتفع فيه تكلفة إنتاج النفط الصخري إلى مستويات لا تسمح ببيعه بسعر يقل عن 90 دولاراً للبرميل، قد منح واشنطن فرصة للخروج بشيء من ماء الوجه بعد تبجحاتها في هذا المجال.
النفط
الثاني، هو توجيه ضربة قاسية للاقتصاد الروسي يأملون أن تؤدي، في غضون عامين أو ثلاثة، ليس فقط إلى إجبار موسكو على وقف دعمها لسوريا أو لمعارضي النظام الإنقلابي في أوكرانيا، بل ايضاً إلى إسقاط حكم الرئيس بوتين وإعادة روسيا إلى حقبة الانحطاط التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي.
والواقع أن هبوط سعر البرميل قد ألحق أضراراً باقتصادات روسيا وبلدان مصدرة أخرى كإيران والعراق وفنزويلا... لكنها ليست من النوع الذي قد يؤدي إلى انهيارها خلال عامين أو مئتي عام. فإيران التي لا يعتمد اقتصادها على النفط وحده، اعتادت منذ الثورة على مثل هذه الضغوط التي أسهمت في تحفيز نموها الاقتصادي. ورغم انهيار أسعار النفط قدمت، هي وروسيا، مساعدات لسوريا بمليارات الدولارات.
من جهة أخرى، فإن الصين هي أول المستفيدين من هبوط أسعار النفط، والعلاقات الاقتصادية والسياسية الوثيقة التي تربطها بروسيا تجعل هذه الأخيرة بمنأى عن التداعيات السلبية. وحتى هبوط سعر الروبل شكل عامل تنشيط مهماً لقدرات روسيا التصديرية.
من يسقط في الحفرة ؟
من هنا، فإن كسر أسعار النفط لم يفشل فقط في إحداث تأثير سلبي على الاقتصادين الروسي والإيراني، وبالتالي على الدعم الذي تقدمه موسكو وطهران لسوريا، بل إن تأثيراته السلبية بدأت بالظهور على مستوى المعسكر المعادي. فقد أفلست عشرات الشركات الأميركية العاملة في مجال النفط الصخري، ودخل اقتصاد السعودية وبلدان خليجية أخرى في حالة معاناة صعبة.
80 مليار دولار خسائر السعودية والكويت منذ بداية حرب النفط |
هذا يعني، بعملية حسابية بسيطة، أن عامين أو ثلاثة أعوام تتواصل خلالها حرب النفط سيكون لها مفعول عكسي، وأن السقوط المؤكد لن يكون من نصيب سوريا وإيران وروسيا، بل من نصيب أميركا ومشيخات النفط وبقية مكونات المعسكر الصهيو-أميركي.