ارشيف من :آراء وتحليلات

العراق ومحيطه الاقليمي.. الانفتاح بعد القطيعة والتقاطع

العراق ومحيطه الاقليمي.. الانفتاح بعد القطيعة والتقاطع
شهدت الشهور الاربعة الماضية، وتحديدا بعد تولي حيدر العبادي منصب رئيس الوزراء في الثامن من شهر ايلول/سبتمبر الماضي، حراكا سياسيا ودبلوماسيا بين العراق من جهة ودول عديدة في المحيطين العربي والاقليمي، وفي المجتمع الدولي، من جهة اخرى. ربما لم يكن مسبوقا-لا على صعيد الكم ولا على مستوى النوع-طيلة الاعوام الاحد عشر المنصرمة.

وقد خضع ذلك الحراك-وما زال-للكثير من القراءات التحليلية من زوايا متعددة، اختلفت في المنطلقات، بيد انها اقتربت، ان لم تكن التقت، الى حد كبير عند طبيعة الظروف والنتائج والمعطيات.

ولان العراق كان وما زال وسيبقى الى امد غير منظور يمثل بؤرة اضطراب وقلق كبيرين لاسباب عدة، فإنه من الطبيعي في ظل تداخل وتشابك الوقائع والمصالح والاحداث والمخاطر والتحديات، ان يكون محط انظار قوى عربية واقليمية مختلفة، في نفس الوقت الذي يبقى يتطلع الى توسيع افاق ومساحات علاقاته مع الاخرين من اجل حل واحتواء مشاكله وازماته، واستعادة حضورة وتاثيره في الميادين والمحافل الخارجية.

معطيات امنية وسياسية


ولكي نستشرف افاق ومآلات ذلك الحراك، فإنه من المهم جدا، ان نقف على طبيعة الظروف التي احاطت به والبيئة التي تفاعل فيها.

وهنا لا بد ان نشير الى معطيين احدهما سياسي والاخر امني، ساهما في ايجاد الحراك المتميز بين العراق والاخرين.

المعطى السياسي، تمثل بالتغييرات "القيصرية" التي افرزت جزءا منها حقائق العملية الانتخابية التي جرت في الثلاثين من نيسان/ ابريل الماضي، وجزء اخر افرزته الارادة السياسية لبعض القوى بضرورة صياغة مشهد سياسي جديد تغيب وتختفي عنه اغلب مظاهر المرحلة السابقة.

وتنحي رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ومجيء حيدر العبادي بديلا عنه، فتح الباب واسعا لتوافقات وتفاهمات ما كان لها ان تتحقق في اوقات سابقة بسبب احتقانات وتشنجات تراكمت شيئا فشيئا حتى ادت الى غياب الثقة، واضمحلال وتلاشي مساحات الالتقاء بين الفرقاء الاساسيين، وبالتالي اتساع الهوة وتعميق المشاكل والازمات بدلا من حلها ومعالجتها.

وانعكست التوافقات والتفاهمات، من خلال سرعة تشكيل الحكومة الجديدة خلافا للحكومات السابقة، وعلى مشاركة كافة القوى الاساسية فيها، وصياغة برنامج مقبول وواقعي لها، فضلا عن نيلها تأييدا ودعما عربيا واقليميا ودوليا واسع النطاق.

العراق ومحيطه الاقليمي.. الانفتاح بعد القطيعة والتقاطع
حيدر العبادي

وكل ذلك مثّل في واقع الامر رسالة مفادها، ان الوضع السابق لم يكن مقبولا، والوضع الجديد سيحظى بدعم وتأييد من اجل تلافي اخطاء الماضي، ودفع الامور نحو الامام، وحتى تكون الرسالة بليغة ومعبرة، ولها مصاديق على الارض، وجد العبادي، ومعه رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري، على طاولاتهم دعوات رسمية من عدة اطراف، وبالفعل ذهب العبادي الى ايران وتركيا والاردن والكويت وبلجيكا وفرنسا والامارات، وذهب معصوم الى السعودية وتركيا والكويت والولايات المتحدة الاميركية ودول اخرى، وكذلك ذهب الجبوري الى السعودية وايران وقطر والاردن وغيرها، فضلا عن الجولات المكوكية المتواصلة لوزير الخارجية ابراهيم الجعفري على شتى دول العالم.

وفي ذات الوقت كانت بغداد تستقبل كل يوم تقريبا سياسيين رفيعي المستوى من هذه الدولة او تلك، اما رئيس دولة او رئيس حكومة او وزير خارجية او وزير دفاع، وكان الجميع يعبرون عن الدعم والاسناد والتأييد للعراق، والاستعداد لمساعدته لتجاوز المخاطر والتحديات التي يواجهها.

اما المعطى الامني فقد تمثل بحملة تنظيم داعش الارهابية، التي انطلقت من محافظة نينوى في العاشر من شهر حزيران/يونيو الماضي، وامتدت الى مساحات اخرى في محافظات صلاح الدين والانبار وكركوك وديالى، حيث تزامنت مع الجدل والسجال السياسي الذي كان محتدما حول تشكيل الحكومة الجديدة.

ولاول وهلة بدا للبعض من داخل العراق وخارجه ان حملة داعش، لا تختلف في ابعادها واهدافها ومدياتها عن مجمل الحملات الارهابية التي طالت العراق خلال الاعوام العشرة الماضية، بيد انه بعد فترة وجيزة بدا ان تلك القراءة لم تكن دقيقة، وان مخطط داعش هذه المرة لا ينحصر بالجغرافيا العراقية فحسب، بل انه يستهدف مساحات وميادين قريبة وبعيدة من العراق، تشمل تركيا والاردن ودول الخليج باتجاه المغرب العربي وشمال افريقيا، وصولا الى اوروبا، ليطال الولايات المتحدة الاميركية.

وضوح اهداف تنظيم داعش ومخططاته جعل الكثيرين يندفعون للاقتراب من العراق، لاحتواء الخطر الداعشي وتطويقه والحؤول دون تمدده واستفحاله، وهكذا ترافق الحراك السياسي والدبلوماسي مع مشاركة دولية واقليمية فعلية في العمليات العسكرية ضد عصابات داعش، وان لم تكن تلك المشاركة بمستوى الطموح، الى جانب تقديم المساعدات والاعانات للنازحين الهاربين من بطش داعش الى اقليم كردستان ومدن عراقية اخرى.

ترتيب الاوراق


ربما لم تتبلور حتى الان نتائج وافرازات "الحراك" على مجمل صورة الوضع العراقي، ولم يلمس العراقيون ثمارها، وهذا امر طبيعي ارتباطا بحجم التعقيدات القائمة، وعمق المشكلات وتراكماتها، وقد نحتاج الى مزيد من الوقت لتتضح وتتجلى معالم وملامح الصورة بالقدر الكافي.

وخلال ذلك الوقت، سوف يكون متاحا، ترتيب الكثير من الاوراق، واعادة النظر في الاولويات من خلال تشخيص المواقف والتوجهات الحقيقية من الزائفة، وتقييم مدى التغير والتعديل الحاصل في السياسات الخاطئة لبعض الاطراف الاقليمية او الدولية حيال العراق، ومقدار التفاعل الحقيقي مع رسائل العراق الايجابية بمضامينها واشكالها المتعددة، اذ ان الادعاءات والتعهدات والوعود كثيرة، لكن بقاءها في اطار نظري، بل وجعلها واجهة وغطاء لممارسات سلوكات مختلفة تماما عنها، يفرغ الحراك السياسي والدبلوماسي من محتواه.

تجفيف منابع الارهاب، وقطع شرايين تمويله ودعمه المالي والاعلامي والسياسي والديني، وفتح افاق التعاون الاقتصادي مع العراق، وتعزيز مناخات الاستثمار، وطي صفحات الاجندات والمشاريع الطائفية.. هذه وغيرها تعد خطوات مكملة ومتممة للحراك الحالي، ويصدق من يقول ان في العراق فرصا وتهديدات.. تحتم على الاخرين استثمار الاولى ومواجهة الثانية لتكون المكاسب والمنجزات كبيرة وكثيرة لكل الاطراف بلا استثناء.

2015-01-14