ارشيف من :آراء وتحليلات
هجمات باريس اسألوا عنها الاليزيه
ما حصل في باريس مؤخراً، يطرح تساؤلاً عن الاسباب التي اوصلت الامور في فرنسا وفي بعض الدول الاوروبية الى هذا المستوى من التهديدات الارهابية. فمنذ مدة وبعض العواصم الاوروبية تعلن عن تزايد المؤشرات حول تهديدات امنية وشيكة قد تطالها، ويقع على رأس هذه الدول كل من فرنسا وبريطانيا والمانيا واسبانيا وهولندا.
جاءت اعتداءات باريس بعد اسابيع قليلة من الهجوم الذي حصل في استراليا، وبعد ايام قليلة من احباط اسبانيا محاولة تفجير محطة المترو المركزية في العاصمة مدريد.
والواقع انه لا يمكن فصل هجمات باريس عن ملفين مرتبطين يتحمل قصر الاليزيه مسؤولية كبيرة فيهما:
1- الارهاب : وخصوصا ما يرتبط منه بالازمة السورية. فباريس لطالما ظهرت وكانها ملكة اكثر من الملك. تتحدث عن خطر الارهاب وامكانية عودة بعض "الجهاديين" من سوريا اليها لكنها في نفس الوقت تدعو لتسليح المعارضة السورية المسلحة. تعلن عن انخراطها في الحلف ضد داعش لكنها تسعى لاسقاط "النظام السوري" الذي يخوض حربا شعواء ضد هذا الارهاب. وهنا تبدو المفارقة الفرنسية كبيرة وربما عصية على الفهم. فداعش مصنفة على انها عدو لباريس وفي نفس الوقت تقوم الاخيرة بتسليح جماعات في سوريا يسهل على داعش اسقاطها ومن ثم وضع اليد على سلاحها. كما ان باريس نفسها تصر على عرقلة التسوية السياسية في سوريا وتشترط رحيل الرئيس الاسد الذي يحارب بدوره داعش.
ورغم هذه المفارقات في السياسة الخارجية الفرنسية وفي التعاطي الواقعي اللامسؤول مع التهديدات الارهابية بعكس التعاطي الاعلامي، فإن الرأي العام الفرنسي يبتعد عن أن يسائل رئيسه وحكومته عن الاسباب الحقيقية التي تقف خلف هذه الاعمال الارهابية، وعن الخطوات الجدية التي اتخذتها هذه الادارة لناحية المعالجة الجدية لجذور التهديدات الارهابية بعيدا عن التعاطي الامني المحض مع هذه التهديدات.
مجلة شارلي ايبدو
2- مجلة شارلي ايبدو : لم يكن الاعتداء على هذه المجلة او الصحيفة الاول من نوعه وان كان هو الاعنف. لكن هذه الصحيفة ليست صحيفة عادية. فالجميع يعلم ان جذور هذا الاعتداء ترتبط بما دأبت الصحيفة على نشره من رسوم كاريكاتورية مسيئة للاسلام ولنبيه. ورغم ردود الافعال الشاجبة التي صدرت بحق هذه الرسوم الا ان الحكومات الفرنسية المتعاقبة لم تتخذ اي اجراءات تحد منها متمسكة بدعوى "حرية التعبير".
وبمعزل عن الجدال الذي يمكن ان يحصل عن مدى مطابقة هذه الافعال لحرية التعبير لا سيما مع خروجها عن كونها رأياً علمياً ناقداً يمكن ان يواجه بالنقد، فان المأخذ الكبير على باريس هو الكيل بمكيالين في قضايا مشابهة.
فحرية الرأي هذه لم تسعف المفكر الراحل روجية غارودي وتنقذه من السجن بسبب كتاباته المشككة المتعلقة بما يسمى "المحرقة النازية بحق اليهود". كما أن حرية الرأي لم تمنع الحكومة الفرنسية من سن قوانين تجرم التشكيك بهذه "المحرقة" على انها معاداة للسامية.
محاربة الارهاب وضرورة التنسيق مع دمشق
وما بين ملفي الارهاب والرسوم المسيئة تختلط الامور لينفذ التكفيريون من خلالها هجمات يسعون من خلالها الحصول على التعاطف معهم من قبل شرائح كبيرة ربما آذاها ما صدر بحق نبيهم من قبل هذه الصحيفة لكنها تجهل ان ردود افعال عنفية كهذه ربما تكون اكثر ايذاءً وتشويها للاسلام.
ان ما شهدته باريس من هجمات ارهابية يطرح السؤال تجاه الطرف المباشر الذي نفذ العملية كما يفترض ان يُسأل قصر الاليزيه عن السياسات المتعثرة التي يتبعها منذ فترة في التعاطي مع امور حساسة في المنطقة.
الم يحن الوقت بعد لان تتعاطى باريس مع ملف الارهاب بشكل اكثر جدية وبعيدا عن الكيدية؟ الم يحن الوقت بعد ان تقوم باريس باعادة تقويم لسياستها في المنطقة والتوجه اكثر نحو تنسيق فاعل وعلني مع الاطراف الرئيسية التي تحارب الارهاب، لا سيما دمشق، بعيدا عن مجرد التنسيق الامني المحدود والسري؟