ارشيف من :ترجمات ودراسات

السياسة العسكرية للولايات المتحدة والناتو (حرب الأنابيب)

السياسة العسكرية للولايات المتحدة والناتو (حرب الأنابيب)

الكاتب :   Robert Bibeau
عن موقع  : agoravox
13 كانون الثاني / يناير 2015


الحرب هي، وفقاً للنظرية الماركسية، استمرار للأنشطة الاقتصادية والسياسية والديبلوماسية ولكن بوسائل صدامية وعنيفة. أما الحرب الأهلية، فهي استمرار للسياسة بين الطبقات الاجتماعية في الإطار الداخلي للدولة. وتنشأ الحرب في المجتمع الطبقي عن العنف الرجعي الذي يلجأ إليه النظام الطبقي القديم المتمسك بالسلطة.

وعليه، تكون حروب الغزو، وفقاً لهذه النظرية، استمراراً للأنشطة الاقتصادية والسياسية والديبلوماسية ولكن بوسائل صدامية وعنيفة بين الدول المتنافسة. أما تعبير "دولة القانون" فهو تعبير عن الخداع البورجوازي. فكل دولة قائمة هي دولة تحكمها قوانين (وهي هنا قوانين بورجوازية) وتوافقات ومبادئ تتم صياغتها وفرضها من قبل الطبقة المسيطرة على سائر طبقات المجتمع. فالرايخ الثالث الألماني كان دولة قانون بورجوازي، والجمهورية الأميركية هي دولة قانون بورجوازي من النوع التسلطي عن طريق قوى بوليسية قمعية مهمتها قمع الثورات وفرض سيطرة الطبقة الرأسمالية التي تحتكر السلطة وتسيطر على المجتمع عن طريق الدعم الإيديولوجي من قبل جهاز بروباغندا معقد وقوي ينادي بـ "حرية الأغنياء" في استغلال واضطهاد الطبقة الكادحة.

فالحرب والسياسة والديبلوماسية هي، وفقاً للإيديولوجيا الماركسية، نتيجة للتناقضات الاقتصادية التي تعصف بنمط الإنتاج. ونمط الإنتاج الرأسمالي في مرحلته الإمبريالية هو ما يحدد السياسة والديبلوماسية والسياسة العسكرية للدولة المعنية أو لتحالف مكون من دول امبريالية. ووفقاً لكل هذه المبادئ، لا بد من تحليل وفهم النمو الاقتصادي في بلد ما، أو في تحالف ما بين بلدان إمبريالية، وذلك لفهم السياسة العسكرية لذلك البلد أو لذلك التحالف.
وقد قدمنا في نص سابق تحليلاً ماركسياً حول الأزمة الاقتصادية الحالية التي تضرب كامل النظام الإمبريالي. أما الآن، فسنستعرض السياسة الحربية التي تعتمدها الولايات المتحدة وحلف الناتو تجاه منطقة الشرق الأوسط.

الحرب والوسائل العسكرية

بين جنرالات وعناصر هيئة الأركان في الجيش الشعبي الصيني، هنالك من يعتبر أن الحرب والتسلح العسكري المعاصر "لا يعتمدا القوة المسلحة من أجل إجبار الخصم على الرضوخ"، بل استخدام "جميع الوسائل -ومنها القوة المسلحة أوغير المسلحة، العسكرية أو غير العسكرية، القاتلة أو غير القاتلة- لإجبار الخصم على الرضوخ". فـ "كل الصعوبة في الحروب الجديدة هي في معرفة كيفية الربط بين الأسلحة الكلاسيكسة والأسلحة الحديثة". كما يدعو هؤلاء الجنرالات هيئات الأركان، وخصوصاً أركان الجيش الأميركي، إلى عدم المبالغة في التعويل على قوة الأسلحة العسكرية التقليدية".  
      
ويعتبرون ايضاً أن تكلفة الحرب الكلاسيكية والخوف من الحرب القصوى (النووية) تستدعيان إجراء أبحاث كبرى، وأن مفاهيم تسلح جديدة تظهر بالتوازي مع تناقص ونفاد الأسلحة الحديثة التصميم. وبالفعل، "لا شيء في عالم اليوم إلا ويمكن أن يتحول إلى سلاح"، على ما يؤكده هؤلاء الجنرالات.

فمنذ ظهور نمط الأنتاج الرأسمالي، كانت القوة العسكرية التقليدية لبلد ما على صلة بالقدرات الاقتصادية والصناعية لذلك البلد. على ذلك، لم يكن من الممكن مطلقاً لليابان أن تلحق الهزيمة بالولايات المتحدة في صراع تقليدي لأن وسائل الإنتاج عند كل من طرفي النزاع لم تكن متكافئة بالمرة. وقد فوجئت ألمانيا النازية عندما اكتشفت أن الاتحاد السوفياتي قد تمكن في غضون أقل من عشرين عاماً من تطوير صناعة ثقيلة من عيار عالمي سمح له بسحق ألمانيا وبالسيطرة على أوروبا الشرقية. على العكس من ذلك، يمكننا الاستنتاج، إذا ما انطلقنا من مستوى كفاءة الجيش الأميركي في الصومال، حيث ارتبك في مواجهة قوات عيديد، بأن القوة العسكرية الأكثر حداثة تعجز عن سحق تحرك يقوم به الثوار بأسلوب حرب العصابات. وقد حدث الأمر نفسه بالنسبة للجيش الأميركي في فييتنام وكمبوديا وأفغانستان والعراق، وكذلك للجيش الروسي في أفغانستان.     
 
السياسة العسكرية للولايات المتحدة والناتو (حرب الأنابيب)
حرب

كما يؤكد هؤلاء الجنرالات الصينيون أن "إنهياراً يدبره إنسان على مستوى البورصة، أو هجوماً واحداً يقوم به فايروس إلكتروني (أو مرضي كإيبولا)، أو مجرد إشاعة أو فضيحة بسيطة يمكن أن تؤدي إلى فوضى كبيرة في أسعار الصرف في البلد المعادي [...]. وكل هذا يمكن وضعه في خانة الأسلحة في المنظور الجديد [...].  ونعتقد أن من الممكن للبشر أن يكتشفوا بذهول ذات صباح أن أشياء محببة ومسالمة قد اكتسبت خصائص هجومية وقاتلة.
ولننتقل الآن إلى النظر في السياسة العسكرية -الحربية- التي يعتمدها المعسكر الإمبريالي الغربي في وجه منافسيه.
 
لغز الشرق الأوسط في السياسات الأميركية والأطلسية


في إطار المواجهة المحتدمة بين الإمبريالية الغربية وكل من الصين ومجموعة شتغهاي (الصين، روسيا، كازاخستان، بيلاوروسيا ...)، يستخدم الغربيون تكتيكات معقدة ومخطط لها بعناية. فحملات الكذب الإعلامي المأجورة مهمتها تبخير الأعمال العدوانية والتكتيكات العسكرية التي تستخدمها القوى الإمبريالية، وتقديم هذه المؤامرات الإجرامية على أنها نتاج لاستراتيجية فوضى أو حروب قبلية وإتنية ودينية ووطنية ديموقراطية. لكن كل ذلك مجرد أكاذيب يتلقفها اليسار البورجوازي بحماس بالغ.

لعبة الأوراق المخفية. طالبان أفغانستان

الفصل الأول من فصول حروب العدوان الأميركية الراهنة بدأ بعد عملية 11 أيلول / سبتمبر 2001. والهجوم الذي اعقب ذلك من قبل الناتو استهدف أفغانستان. أما غايته المزعومة فكانت قتل بن لادن واجتثاث تنظيم القاعدة، وهي جماعة إرهابية سبق أن تم اختراعها وتسليحها وتجهيزها وتمويلها من قبل أجهزة الاستخبارات الغربية نفسها، وذلك خلال الفترة التي سبقت سلسلة الحروب العدوانية الهادفة إلى احتلال هذا البلد ووقف التغلغل السوفياتي في تلك المنطقة. وبعد ذلك، أصبح من المعلوم أن أصدقاء الولايات المتحدة في الاستخبارات الباكستانية يخفون بن لادن في القاعدة العسكرية التي هاجمها الأميركيون وقتلوا بن لادن فيها بهدف منعه من الكلام، ولكن أيضاً ليجعلوا منه أمثولة تجعل من سيأتي بعده من قادة الإرهابيين المأجورين يدركون ثمن تنكرهم لحلفائهم.  

وقد جرى يومها تقديم طالبان على أنهم شياطين البشرية. أما قصف القرى الأفغانية فجرى تقديمه على أنه أول حملة عالمية حديثة لتحرير النساء الأفغان من أيدي الوحوش. وبعد 13 عاماً قتل خلالها الكثير من النساء البريئات، قام الناتو بسحب قواته من هذا البلد الجريح. كما قامت الولايات المتحدة بسحب معظم قواتها (باستثناء 13 ألف خبير) معتبرة أنها قد قامت بواجبها على أكمل وجه. لقد تم وقف الزحف الروسي، لكن طالبان غيرت توجهاتها. فمنذ تلك اللحظة، بدأت بتقديم يد العون للإرهابيين الغربيين الذين كانوا يفجرون أنابيب النفط التي تربط آبار إيران وكازاخستان وأوزبكستان والأسواق الصينية الآخذة بالتوسع. كان لا بد من أن يصار إلى قتل الكثير من النساء والأطفال الأفغان -بدلاً من تحريرهم من الاستغلال شبه الإقطاعي- قبل أن يتوصل إرهابيو طالبان إلى هذا التفاهم مع الدول الإرهابية الأميركية والأوروبية.

والغريب، منذ صدور الأوامر إلى وسائل الإعلام الغربية بالكف عن طالبان، أن الحركات النسوية الغربية، والمنظمات غير الحكومية التي تتصدى لمحاربة آلام البشر، وجمعيات الدعوة إلى "التوبة" من أمثال منظمة العفو الدولية، وكلها كانت حتى الأمس القريب بالغة الشراسة في حربها على هؤلاء المهووسين, لم تعد تجد ما تكرره بخصوص التحالف الجديد بين طالبان والقوى الغربية.
[...]

حرب العراق

الفصل الثاني في قصة الحروب العدوانية الإرهابية الهادفة إلى نشر "الديموقراطية والحرية" (كذا)، وإلى تخليص الشعوب من الطغاة الدمويين، أي من حكام البلدان التي تمتلك ثروات نفطية ضخمة وتعبر أرجاءها شبكات أنابيب النفط، تمثل بالهجوم على العراق الخاضع لحكم صدام حسين. وقد قدم التحالف الإرهابي الأميركي الحصار الذي فرض على العراق والاجتياح الدموي الذي أعقب الحصار، على أنه استمرار لحركة "تحرير" أراضي النفط من تحكم جلاوزة دمويين، وأن الهدف من ذلك هو إنقاذ شعب يخضع للاضطهاد وتحقيق الخلاص للبشرية المغلولة بالسلاسل (كذا). أما المرحلة الثانية من هذه الحرب العدوانية الإرهابية، فقد بدأت في آذار / مارس 2003 وانتهت سريعاً، على ما قاله الرئيس جورج دابليو بوش، بانهيار "العميل المزدوج" صدام حسين والفتك الذريع بجيوشه.
وللأسف، لم يشكل ذلك نهاية الحرب بالنسبة للشعب العراقي، بل مجرد بدايتها. فإيران، الجارة القوية، كانت بالمرصاد ولم تشأ ترك الأشقياء الأميركيين يتصرفون على هواهم بنفط العراق. أما الصين وروسيا، فقد تدخلتا بشكل غير مباشر عن طريق حليفهما السوري بهدف عدم تعريض خطوط تموينهما بالطاقة للخطر. وهكذا، تحولت حرب غزو العراق إلى حرب أهلية سقط فيها الآلاف من المدنيين، نساءً وأطفالاً ومقاتلين، ضحية لمطامع الإمبرياليين الدوليين الساعين إلى وضع اليد على آبار النفط وخطوط الأنابيب وموانئ التصدير العراقية.

السياسة العسكرية للولايات المتحدة والناتو (حرب الأنابيب)
الجيش العراقي

وقد أدركت قيادة الأركان في الجيوش الأميركية والأطلسية أن شيئاً في إطار انقلاب التحالفات هذا لا يمكن التعويل عليه بشكل نهائي لمواجهة روسيا والصين، إلا في حالة استمالة إيران، القوة الحقيقية التي لا بد من قهرها أو إقناعها بذلك. فإسرائيل كانت قد لعبت، خلال فترة، دور "الدركي الامبريالي" في الشرق الأوسط. وهي ما تزال قادرة على ضرب حماس والمجموعات الفلسطينية المحاصرة داخل غزة وضمن جدار الفصل في الضفة الغربية. لكن الغرب لم يعد بإمكانه أن يعتمد في ضرب إيران على هذا الوكيل الإسرائيلي الشرس، بعد الهزيمة التي مني بها في لبنان عام 2006 على يد حزب الله.

لا حرب عسكرية على إيران


تكتيك الناتو يحاول الآن أن يمشي على قدمين : الاستخدام الأول للكماشة كان يهدف إلى ضرب إيران اقتصادياً عن طريق العقوبات التجارية والمالية التي أصبحت سلاحاً في المواجهة مع إيران. مع تعزيز ذلك بمفاوضات ديبلوماسية تتراجع فيها صفة الشيطنة التي ألصقت بإيران، تمهيداً لضربات جوية يشنها كل من الناتو وإسرائيل (عندما تأزف اللحظة المناسبة وبعيداً عن تهريجات نتنياهو). ولم يكن في حسابهم أبداً احتلال إيران الحرس الثوري عسكرياً. فهل تعتقدون بأن الأميركيين الذين عجزوا عن اجتثاث طالبان يمكنهم أن يقدموا على إرسال جنودهم إلى الجحيم الفارسي ؟

 الاستخدام الثاني للكماشة في السعي إلى الإطباق على حقول النفط وخطوط الأنابيب العراقية والسورية هدفها ضرب الحليف الأبي لإيران وروسيا في الشرق الأوسط. فقد ظن قادة الناتو أن سوريا بشار الأسد ستسقط بسهولة، على أساس أنها فريسة يمكنهم أن يبتلعوها لقمة سائغة هم وحلفاؤهم في الحركات "الجهادية التحريرية والديموقراطية" "كذا". وكما سبق وشرحنا، فإن هذه "الحركات الجهادية" تتكون بشكل أساسي من زمر من الأشقياء واللصوص والمرتزقة الذين يدفعون أجوراً عالية على خدمات غاية في الخطورة للجماهير الغفيرة من الشباب العاطلين عن العمل في تلك المنطقة التي تعاني من صعوبات اقتصادية مزمنة.

الشرق الأوسط هو منطقة محاذية للمراكز الإمبريالية الكبرى في العالم. وهذا الواقع يجعله يتحمل، أكثر من المناطق الأخرى، تبعات الأزمة الاقتصادية التي تضرب النظام الإمبريالي الذي تندرج فيه اقتصادات تلك المنطقة. فمنذ الإعلان الذي اصدرناه قبل عام عن نفاق الفروع الإقليمية لتنظيم القاعدة في المغرب ونيجيريا واليمن وإفريقيا الوسطى والعراق وباكستان وإندونيسيا والصومال وغيرها، تم اكتشاف وثائق في المنطقة التي تسيطر عليها داعش في العراق، وهذه الوثائق تشهد على وجود عملية تجنيد مرتزقة ليست لها طبيعة دينية ولا إتنية ولا قبلية ولا قومية بل هي، بكل بساطة، اقتصادية هادفة لتعبئة عاطلين عن العمل مرتبطين وشبان يعانون من الفقر. أما عمليات تنفيذ الانقلابات فتشرف عليها شركة هاليبورتون و شركة التنقيب الفرنسية عن النفط (SMP) أو مجموعة فروع القاعدة في المشرق وفي افريقيا حيث يقوم القتلة بتوظيف شبان فقراء يبحثون عن مصدر رزق لإعالة أسرهم الجائعة.  

تغير النهج العسكري لحلف الناتو

هذه المرة، وخلافاً لما جرى قبل سنوات في صربيا (1999) وليبيا (2011)، انتصبت روسيا وردت بتقديم دعم لا هوادة فيه لحليفها بدعم غير مباشر من قبل الصين البعيدة. وهذا الدعم أدى إلى تغيير الوضع بشكل كلي. لم يعد من الممكن للقوى الإمبريالية الغربية ولزعيمتها الولايات المتحدة أن تهاجم سوريا وجيش بشار الأسد دون أن يؤدي ذلك إلى مواجهة على المستوى الدولي. وقد اقرت روسيا بأنها زودت السوريين بأنظمة "S-400" للدفاع الجوي. كما قدمت إيران مساعدات منها الأسلحة. ومن جهتها، اسهمت في دعم سوريا ميليشيات عراقية قريبة من إيران. وكذا الأمر بالنسبة لحزب الله. أما بشار الأسد فقد جمع حوله حلفاءه الداخليين من علويين ومسيحيين وشيعة. وكل هؤلاء مكنوا سوريا من البقاء في المعسكر الروسي-الصيني.

تفكك التحالف الإمبريالي الغربي


إن صمود روسيا وإيران وبشار الأسد وحلفائه هو ما يفسر، جزئياً، التغيرات التي طرأت على التحالفات في المنطقة، ولكنه لا يفسركل شيء في هذا التراجع العسكري الأميركي. فالحقيقة أن السبب الآخر لفشل الأميركيين في إحكام فكي الكماشة على حقوق النفط وخطوط الأنابيب هو ضعف الولايات المتحدة وحلف الناتو.  

فمن جهة، تمر القوة الأساسية المهيمنة التي تقود المعسكر الإمبريالي الغربي منذ سيعين عاماً بوضع اقتصادي بالغ الصعوبة. فالقوة الاقتصادية الأميركية في حالة تراجع وحلفاء الولايات المتحدة يعلمون أنها تعاني من هشاشة وضعها المالي. كما يعلمون بأنها قد تسقط فريسة للإفلاس في كل لحظة، وأن عليهم أن يقيموا عملاتهم المهتزة وحلفاءهم ومنافسيهم الذين يمتلكون مليارات الدولارات الأميركية. ومن جهى أخرى، فإن حلفاء الأمس في المنطقة، أي السعودية وقطر وتركيا وإسرائيل، يعزفون كل بمفرده في هذه المواجهة. والشيء نفسه تفعله كل من فرنسا وألمانيا، ولكنهما تفعلانه خفية خلف أبواب الشانزيليزيه والبوندستاغ.
[...]

التكتيك الأفغاني بوجه جديد

ومع فشل هذه المناورة، لجأت قيادتا الأركان في الولايات المتحدة وحلف الناتو إلى إعادة "مكيجة" التكتيك الذي سبق واستخدم مع طالبان. وقد سبق أن ذكرنا ما أصاب محاولة احتلال افغانستان من قبل الجيوش الغربية. كان ذلك فشلاً ذريعاً. ورغم الخسائر العسكرية والمذابح التي تعرض لها الأطفال والنساء، وقصف القرى والحقول، وغير ذلك من فضائع ابتهجت لها الحركات النسوية الغربية [على اعتبار أن ذلك يهدف إلى تحرير النساء الأفغانيات]، لم تتمكن جيوش الناتو من السيطرة على الأراضي الأفغانية، كما لم تستفد من منشآتها العسكرية في تفجير أنابيب النفط التي تمون السوق الصينية.

فالحقيقة أن طالبان أوقفت زحف الإمبريالية الأميركية في المنطقة، ولكن لغير مصلحة الشعوب والطبقة العاملة. وجاء التحالف الجديد بين الناتو وطالبان التي كانت ملعونة بالأمس وتحولت اليوم إلى عملاء مأجورين، ليعطي النتيجة نفسها من غير اللجوء إلى احتلال المنطقة. فالمهم بالنسبة لقيادتي الأركان الأميركية والأطلسية هو أن يأتي يوم يصبح من الممكن فيه وقف وصول الإمدادات النفطية إلى الصين أو عرقلتها على الأقل.      

داعش


ذلكم هو الدافع إلى صنع دولة عصابة الأشقياء المسماة "خلافة إسلامية في العراق والشام". وذلكم هو السبب في كون العسكريين الذي يشرفون في معسكرات التدريب التابعة للناتو والمنتشرة في تركيا والأردن وكردستان، يقومون بتدريب وتسليح المرتزقة واللصوص الداعشيين الذين تتظاهر الولايات المتحدة وكندا بمحاربتهم على سبيل إبقاء هذا الحليف المزعج تحت الضغط مع إمداده بالمعدات والأسلحة التي يلقونها عليه من أعالي السماء.

السياسة العسكرية للولايات المتحدة والناتو (حرب الأنابيب)
داعش

لا يمكن للولايات المتحدة وحلف الناتو أن يقوما بتدمير خطوط الأنابيب لأن ذلك سيؤدي حتماً إلى مواجهة نووية مع منافسيهم في الحلف الروسي-الصيني. لكن داعش ستفعل ذلك بالتأكيد. لكن ذلك لا يحل مشكلة نقل النفط والغاز من مضيق هرمز الذي تسيطر عليه إيران، على ما سبق وشرحناه قبل ثلاث سنوات عندما ارتفع منسوب الحمى الحربية (بحجة أجهزة تخصيب اليورانيوم في إيران).

ويظل من الممكن لمجموعات من مرتزقة تنظيم القاعدة في اليمن وفي خليج عدن وبحر عمان أن تعلن قريباً إنضمامها لداعش. وعندها سيصار إلى فك تحالفات وإقامة تحالفات جديدة بين القوى المتواطئة في حروب التآمر الناشبة في المنطقة.      
2015-01-16