ارشيف من :آراء وتحليلات

تدريب المعارضة السورية.. تكرار للرهان على خيارات فاشلة

تدريب المعارضة السورية.. تكرار للرهان على خيارات فاشلة

يوحي إعلان البنتاغون الاميركي عن تدريب خمسة الاف من المعارضة السورية المعتدلة، في كل سنة على مدى ثلاث سنوات، بأن الولايات المتحدة ما زالت متمسكة بالرهان على امكانية اسقاط الرئيس بشار الاسد. وعلى هذه الخلفية، تحدثت تقارير إعلامية عن اتفاقات بين واشنطن وكل من انقرة والرياض والدوحة بهذا الخصوص.

مع ذلك، تعرَّض هذا الخيار إلى انتقادات قاسية من حلفاء واشنطن، الذين اعتبروه مؤشراً اضافياً على ضعف الرئيس وخطأ خياراته الاستراتيجية. لكن هذا الخيار لم يكن سوى واحد من مجموعة خيارات بديلة، ينطوي كل منها على اشكاليات ومفاعيل وقيود حالت دون تبنيها من قبل إدارة اوباما.
الخيارات الابتدائية التي وجدت ادارة اوباما نفسها أمامها، تراوحت بين الانكفاء وانتظار ما ستؤول اليه التطورات وصولاً إلى التدخل العسكري المباشر في استهداف مؤسسات الدولة وضرب قوات الجيش السوري. وما بينهما من خيارات.

لجهة الانكفاء، ينطوي هذا الموقف على اتخاذ موقع المراقب. وهو ليس خيارا بالنسبة للولايات المتحدة وخاصة أن مصالحها في المنطقة تتداخل، وذات صلة وثيقة بالنتائج التي يمكن أن تترتب على هذا الصراع. فضلا عن أثره على أمن إسرائيل بهذا الاتجاه أو ذاك.

من جهة أخرى لا يسمح الموقع الجيوسياسي لسوريا لكل أطراف الصراع الاقليميين أو الدوليين، بالتغاضي عما يجري فيها، وبالتالي إن لسوريا موقعها الأساسي في استراتيجية كل من هذه البلدان.

بالنسبة لخيار التدخل العسكري المباشر، فهو يضم مجموعة من السيناريوهات تقوم جميعها على استهداف مؤسسات الدولة وقدراتها العسكرية والاستراتيجية وعلى رأسها الجيش.
تدريب المعارضة السورية.. تكرار للرهان على خيارات فاشلة
الرئيس الاميركي باراك اوباما

لكن ادارة اوباما تدرك أن من لوازم تبني هذا الخيار الاستعداد لدخول مواجهة أوسع تطال حزب الله وايران، وخاصة أنهما أبرز المتضررين من سقوط النظام واستبداله بآخر معادٍ ينضوي ضمن المحور الاميركي في المنطقة.

ومن دون الغوص في المسار الذي يمكن أن تسلكه التطورات في حال تبني مثل هذا الخيار، يمكن الاكتفاء بالإشارة إلى أن تجربة الولايات المتحدة وتداعيات تدخلها العسكري في كل من العراق وافغانستان ما زالت ماثلة أمام القيادة والشعب الاميركي.

أضف إلى ذلك أن الازمة الاقتصادية التي يواجهها الغرب تشكل عاملاً كابحاً اضافياً يصده عن التهور وخوض مغامرات عسكرية سيكون لها تداعياتها الامنية والاقتصادية الكبيرة، على العالم الغربي.

في ضوء ذلك، تبنت الولايات المتحدة الرهان على خيار دعم الجماعات المسلحة على أمل أن يؤدي ذلك إلى احداث تغيير في موازين القوى على الساحة السورية بما يسمح بتحقيق اهدافها لجهة اسقاط الرئيس الاسد.

لكن تمدّد داعش وسيطرتها على أجزاء واسعة من سوريا والعراق.. ثم تحوّلها إلى تهديد للمصالح الاميركية في المنطقة، عاد ووضع صانع القرار الأميركي أمام خيارات ضيقة إما استهداف داعش والنظام السوري معاً أو استهداف أحدهما وتحييد الاخر.

لكن استهداف النظام السوري في ظل مستجد عامل داعش وتمددها وما استتبعه من تدخل اميركي جوي، وتواجد بري محدود في العراق، بات ينطوي، الى جانب العوامل الكابحة السابقة، على تهديدات كامنة يمكن أن تشكل عامل كبح اضافياً للاميركي. اذ باتت الادارة الاميركية أكثر خشية من تعرض قواتها في العراق لردود فعل من قبل ايران وحلفائها، في حال استهدافها مؤسسات الدولة السورية وعلى رأسها الجيش.

وضع معقد

إلى ذلك، باتت الادارة الاميركية تخشى ايضا من أن يؤدي استهداف النظام في سوريا إلى انهيار مؤسساته بما يؤدي في نهاية المطاف إلى سيطرة التيارات التكفيرية.

أمام هذا الوضع الميداني والسياسي المعقد، وعلى خلفية مجموعة من العوامل الاقليمية المتصلة بحلفاء الولايات المتحدة، وبايران، كلٌ بحسبه. لم تجد ادارة اوباما سوى خيار تكرار الرهانات على تعزيز موقع المعارضة "المعتدلة"، مع أنها لم تحقق النتائج المؤملة منها عندما كان يفترض ان وضعها احسن بكثير مما عليه الان.

وعلى ذلك، يمكن القول إن ادارة اوباما تبنت هذا الخيار تجنباً للإقرار بواقع التكيف مع سيطرة النظام السوري، وبفشل كل الشعارات والرهانات التي واكبت السنوات الماضية. كما أنها في الوقت الذي فشلت في تحقيق الاهداف الاستراتيجية المؤملة في سوريا ومنها، تحاول الحؤول دون تمكين المحور المقابل من تحقيق انتصار حاسم وواضح.

على أن الساحة السورية ستبقى مفتوحة بانتظار جلاء الصيغة التي سيرسو عليها المشهد الاقليمي، فيما أم استمرار المعركة في الساحة السورية، أمر مطلوب بذاته ولحسابات سورية، وايضا لحسابات تتصل بالمعركة الاقليمية الشاملة.

لكن لم تتمكن الادارة الاميركية، ومن معها على مستوى المنطقة، هو فرض وانتاج واقع ميداني سياسي يسمح لهم بإحداث اختراقات في المعادلة الاقليمية التي تطال الواقع الاسرائيلي والخليجي وايران والعراق وحزب الله. بل إن مسار التطورات الاقليمية، هو في حالة تصاعد لمصلحة محور المقاومة. الامر الذي سيزيد من تعقيدات المشهد ويعمِّق الهوة بين الشعارات والمواقف السياسية الاميركية والخليجية والواقع الميداني في كل من سوريا والعراق ولبنان.
2015-01-20