ارشيف من :ترجمات ودراسات

الهجوم على شارلي إيبدو يحمل بصمات شبكات غلاديو

الهجوم على شارلي إيبدو يحمل بصمات شبكات غلاديو

الكاتب   Tony Cartalucci
عن موقع   Mondialisation.ca
9 كانزن الثاني / يناير 2015



بما هي بلد عضو في الائتلاف الذي يقوده الناتو، قامت فرنسا، طيلة سنوات، بتسليح ومساعدة وتمويل إرهابيي القاعدة في ليبيا بهدف إسقاط نظام معمر القذافي. كما واصلت ذلك حتى اليوم داخل سوريا وعلى حدودها عبر تسليح وإيواء إرهابيي الناتو الذين يتحركون تحت الغطاء الكاذب للقاعدة وداعش.   
ومع الهجوم الذي نفذ مؤخراً في باريس من قبل إرهابيين من الواضح أن فرنسا هي التي سلحتهم وقدمت لهم الدعم في المشرق وشمال إفريقيا، تكون مسؤولية الحكومة الفرنسية أمراً مطروحاً بالفعل. ففرنسا مسؤولة في الواقع عن تقديم دعم مادي إلى تنظيم إرهابي أقدم على قتل مواطنين فرنسيين منهم إثنان في سلك الشرطة ليس فقط على الأراضي الفرنسية بل في العاصمة الفرنسية بالذات.

في المقالة التي نشرتها نيويورك تايمز تحت عنوان "12 قتيلاً في الهجوم الإرهابي على صحيفة شارلي إيبدو"، تم عرض العناصر التالية :

-    رجال ملثمون يحملون بنادق أوتوماتيكية فتحوا النار في مكاتب الصحيفة الفرنسية الساخرة يوم الأربعاء وقتلوا، بحسب مصادر الشرطة، 12 شخصاً قبل أن يستقلوا سيارة ويهربوا.

-    الرئيس فرنسوا هولند يؤكد أن الهجوم الذي نفذ على اسبوعية شارلي إيبدو كان "دون أدنى شك" عملاً إرهابياً. ثم رفع درجة التأهب الوطني إلى مستواه الأعلى معلناً أن عدة هجمات قد تم إفشالها خلال الأسابيع السابقة...

مع هذا، وبالرغم من تظاهر هولند بأنه معني بالموضوع ومفجوع بهذا الهجوم، فإن الحكومة الفرنسية قد أخذت على عاتقها مهمة تسليح الجماعات الإرهابية في العالم العربي بهدف تدمير الدول القائمة الواحدة بعد الأخرى، وإعادة تشكيل المنطقة بكاملها وفقاً للمصالح الجيوسياسية والاقتصادية الغربية، وهي الظاهرة التي بدأت مع "الربيع العربي" في العام 2011.

ففي العام 2011، نشرت واشنطن بوست مقالة ذكرت فيها أن "فرنسا ترسل أسلحة إلى المتمردين في سوريا"، وأن مسؤولين فرنسيين اعترفوا بأن فرنسا قد سلحت المتمردين في ليبيا. إنها المرة الأولى التي يصدر فيها عن بلد عضو في الناتو اعتراف رسمي بأنه يقدم مساعدة عسكرية مباشرة إلى المعارضة في بلد يشهد نزاعاً يدوم لفترة أطول بكثير مما كان يتوقعه الكثيرون من أصحاب القرار السياسي.

وإذا كان نيكولا ساركوزي، الرئيس الذي سبق فرنسوا هولند إلى رئاسة فرنسا، قد أطلق -استكمالاً لتدخل الناتو- عملية تقطيع أوصال ليبيا، عبر تقديمه السلاح والغطاء الجوي للإرهابيين الذين يرتكبون الفظائع ويقومون بعملية إبادة حقيقية، فإن هولند قد واصل تطبيق السياسة التي اعتمدت في عهد ساركوزي تجاه كل من ليبيا وسوريا.

الهجوم على شارلي إيبدو نفذه محترفون من نوع "غلاديو"

ظهرت في أشرطة الفيديو التي صورت الهجوم أسلحة ثقيلة استخدمها المهاجمون بشكل يدل على خبرة ودقة وتنظيم، وكل ذلك هو بوضوح نتيجة إعداد من نوع عسكري. واياً تكن روائح تنظيم القاعدة التي تفوح من المهاجمين، فإن هؤلاء يظلون نتاجاً لشبكة الإرهابيين العالمية التي صنعها الغرب عن سابق تصور وتصميم واحتفظ بها حتى اليوم بهدف شن "حرب إرهابية" على مواطنيه، وكذلك من أجل شن حروب إقليمية بالوكالة على أعدائه.

الهجوم على شارلي إيبدو يحمل بصمات شبكات غلاديو
شارلي ايبدو

إن التواطؤ الفرنسي من خلال تسليح المقاتلين في سوريا بوجه خاص، قد شكل منذ فترة طويلة موضوعاً للخلاف والمخاوف، حيث حذر عدد من منتقدي هذه السياسة منذ سنوات، من مخاطر انقلاب الجهاديين على فرنسا. وإنه لمن غير المالوف ألا تكون فرنسا، أو أحد شركائها في الشبكة الواسعة من الدول الراعية للإرهاب الشامل، قد احتسبوا هذا الإنقلاب الماساوي، وعمدوا إلى استباق الهجوم فيما لو كانوا يرغبون بذلك. بكلام آخر، إن الهجوم على شارلي إيبدو شبيه بالهجمات التي كانت تشنها شبكة "غلاديو" التابعة للناتو على السكان الأوروبيين لغرض خبيث هو التلاعب بوعي الرأي العام وبالمشهد السياسي المحلي. لقد أنشئت شبكات (Stay Behind) من قبل الناتو، بتمويل أميركي وجرى تدريبها في بريطانيا قبل أن تنشر في أوروبا على شكل جماعات متطرفة شبه عسكرية، خلال فترة الحرب الباردة. أما الهدف فهو تحريكها في حالة حدوث غزو سوفياتي لأوروبا الغربية. لكن هذه الجماعات استخدمت في شن هجمات تحت شعارات مصطنعة قتل فيها وجرح مئات الأوروبيين وارتكبت فيها الفظائع، وكل ذلك جرت نسبته إلى الاتحاد السوفياتي ومناصريه المحليين. وقد استخدم كل ذلك في التلاعب بالرأي العام وتوجيهه نحو مناصرة القوى السياسية الناشطة في خدمة الناتو.

وبالطريقة ذاتها، يتم استخدام القاعدة ومثيلاتها التي كانت داعش آخر ما ظهر منها لتشكل، في الوقت ذاته، تهديداً داخلياً لبلدان معينة وجيشاً من المرتزقة والعملاء الجاهزين للاستخدام.

لقد أدان الرئيس هولند هجمات باريس، لكنه واصل الدعوة في الوقت نفسه إلى تسليح الشبكة الإرهابية وتقديم الدعم العملياتي لها لتمكينها من الاستمرار في تنفيذ أنشطتها القائمة على الإرهاب والعنف في سوريا، مع أن تلك الشبكة هي نفسها التي انطلقت منها الهجمات على باريس.
وبعيداً عن إجراء اي تحقيق والبناء على نتائجه، فإن قيام الناتو في الماضي بتنظيم هجمات من النوع نفسه ضد الشعوب التي يزعم حمايتها، يضع القوى السياسية وقيادات البلدان الأعضاء في الناتو في طليعة المشبوهين العاجزين في الوقت نفسه عن إجراء تحقيق حول الهجمات المذكورة، وعن منع حدوث هجمات جديدة، ليظهر الأمر وكأنه قد صمم ونفذ لا من قبل قوى موجودة خارج الحدود الأوروبية، بل من قبل أعداء داخليين في منتهى الخطورة.          
    
   
2015-01-20