ارشيف من :آراء وتحليلات

الغرب والارهاب: السلاح والذرائع

الغرب والارهاب: السلاح والذرائع
منذ ان قتل ابو مصعب الزرقاوي ( 7 حزيران/يونيو 2006) ليتأسس بعدها ما عرف بداعش لاحقا، لم يصل الصراع بين التنظيمات المسماة «جهادية» الى هذه الحدة.

صحيح أن الاسم الذي غلب في الساحة العراقية في البدايات كان « قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين» الا انه سرعان ما وقع هؤلاء تحت سيطرة خلفاء الزرقاوي بدءاً بأبي عمر البغدادي وانتهاءً بأبي بكر البغدادي.

سيطر داعش على الساحة العراقية فاختفت معه الرايات الاخرى فيما كان تنظيم القاعدة ينشط في الجزيرة العربية ( بما فيها اليمن) وشمال افريقيا اضافة الى باكستان وافغانستان.

الا ان داعش سرعان ما بدأ يسخّر نجاحاته في العراق في مناطق اخرى لا سيما سوريا.

ومع دخول داعش الساحة السورية برزت الخلافات مع جبهة النصرة ومن خلفها قيادة القاعدة بشخص زعيمها ايمن الظواهري. ليأخذ صراع الاستقطاب بالاتساع.

اعلن البغدادي خلافته، فردت القاعدة بتأسيس فرع جديد لها في شبه القارة الهندية. وسعت داعش من سيطرتها في الرقة ودير الزور واعلنت عن ولايات جديدة في سوريا، فسارعت النصرة لفرض سيطرتها على مناطق في القنيطرة ودرعا وادلب وشمال حلب.

بادرت النصرة بتوسيع نشاطها باتجاه لبنان عبر عمليات انتحارية فلم تتأخر داعش عن الانخراط أيضاً.

نشطت القاعدة في الجزائر وليبيا ومصر وتونس والمملكة السعودية فرد داعش ببيانات تزعم حصول بيعات من هذه الدول اضافة لباكستان والقوقاز لزعيمها البغدادي الذي سارع لقبول البيعات واعلان توسع «خلافته» الى الدول الخمس ( ليبيا، مصر، السعودية، اليمن، الجزائر).

القاعدة في جزيرة العرب تخرج عن صمتها

ورغم الرفض الواضح من بعض منظري القاعدة لاعلان البغدادي للخلافة الا ان قاعدة الجهاد في المغرب الاسلامي والجزيرة العربية بقيت تحاول النأي بنفسها عن هذا الصراع، فأعلن الفرعان الوقوف الى جانب داعش في حرب الحلف الغربي عليه. ولم يخرج تنظيم قاعدة الجهاد في الجزيرة العربية عن صمته الا عندما اعلن البغدادي توسع «الدولة» الى اليمن والمملكة العربية السعودية. عندها اعلن التنظيم في كلمة متلفزة لمسؤوله الشرعي « حارث النظاري» عن رفض اعلان الخلافة وانها تخالف الموازين الشرعية، وان البيعات التي اعلنت هي بيعات باطلة ومزيفة صدرت من مجموعات واشخاص غير معروفة، وان الهدف منها « شق صفوف المجاهدين» ونشر الفتنة بينهم.

والواقع ان خروج فرع جزيرة العرب عن هذا الصمت يعود الى اعتباره ان اقتراب داعش من الساحة اليمنية تحديدا فيه مخاطر كبيرة عليه.

تحتل اليمن اهمية كبيرة عند القاعدة، حيث يتوقع أن تكون في المرحلة القادمة المرشح الابرز لساحة الاستقطاب الكبرى بين التنظيمين، فاليمن بالنسبة للقاعدة كالعراق والرقة بالنسبة لداعش اي انه البلد الذي ينبغي ان تشد اليه الرحال وانه «قبلة المهاجرين للجهاد» . بل يمكن القول ان ما سنشهده لاحقا من عمليات تستهدف الغرب والغربيين لن يخرج عن هذا الصراع.

الاسلوب القديم الجديد

ومع وصول الاوضاع في معظم الساحات العربية حيث ينشط التنظيمان الى نوع من «الستاتيكو» دخل صراع الاستقطاب في مرحلة جديدة كان عنوانه الابرز استهداف الغربيين.

ربما ادرك داعش قبل القاعدة (اذا ما استثنينا المراحل الاولى في عهد ابن لادن) ان هذا النوع من الاستقطاب سيصل الى طريق مسدود ان عاجلا ام آجلا، وانه لا بد من ادخال اسلوب جديد. والحقيقة ان هذا الاسلوب الجديد ليس الا العودة الى الاسلوب القديم، اي الى اسلوب القاعدة في بداياته مع اسامة بن لادن.

في الواقع ان شعبية بن لادن الكبرى، وانطلاقه «بالسلفية الجهادية» من مرحلة « السلفية الجهادية الاقليمية» الى السلفية الجهادية العالمية» لم يكن بفعل النشاط الذي مارسه في افغانستان او باكستان، وانما من خلال العمليات التي نفذها التنظيم ابتداء من تدمير المدمرة الاميركية يو.اس.اس. كول في خليج عدن (عام 2000) ومن ثم « الغزوة الكبرى» في نيويوورك ( 2001).

ارتكزت «فلسفة بن لادن الجهادية» على ان اكبر عامل «للاستنهاض» يكمن في ضرب الغرب في عقر داره. وبالفعل فقد كان لهذا النوع من العمليات فعل السحر على «الجهاديين».

ويبدو ان داعش والقاعدة رأوا أن هذا الاسلوب هو الانجع في ظل «ستاتيكو» الاستقطاب على جبهات المنطقة.

بدأ صراع الاستقطاب الجديد-القديم باعدامات متبادلة لرهائن غربيين. اعدمت داعش «فولي» و«سوتلوف» ( اميركيين) و«هاينز» و «هننغ» ( بريطانيين) فردت القاعدة باعدام الفرنسي «فردون» في مالي فيما قتل الاميركي «سامرز» في محاولة اميركية فاشلة لانقاذه قبل انتهاء المدة التي حددتها القاعدة لاعدامه.

أعلنت داعش مسؤوليتها عن هجومي استراليا وكندا فردت القاعدة بتبني هجوم باريس. وفي الهجوم الاخير هذا ( باريس) فان لتبني قاعدة اليمن للهجوم دلالات عدة في سياق ما اشرنا اليه.

الغرب والارهاب : تقديم السلاح والمبررات

منذ هجمات الحادي عشر من ايلول، والغرب يرتكب الحماقات (ان لم نقل خططاً) في اطار ما اطلق عليه اسم «مكافحة الارهاب» احتل افغانستان فاذا بهذه الجماعات تنتشر في سوريا وباكستان واليمن وشمال افريقيا بل وافغاستان.

احتل العراق، واذا باجزاء واسعة منه تسقط بيد داعش.

سلح مجموعات ارهابية في سوريا يزعم انها «معتدلة» واذا بهذه المجموعات تتهاوى ويصبح سلاحها الغربي«الفتاك» بيد داعش والنصرة.

يزعم انه في حرب على الارهاب واذا به يسعى لاسقاط من هم في طليعة الحرب على الارهاب فيما يتحالف مع انظمة تسلح وتدرب وتفتح حدودها للارهاب والارهابيين.

لا يقدم الغرب العتاد والسلاح للارهابيين فحسب بل يقدم لهم المبررات والذرائع لشن الحروب واراقة الدماء. وفي هذه الاخيرة تحديداً (الذرائع والمبررات) نستطيع ان نفهم السلوك والأداء الفرنسي ومعها صحيفة «شارلي ايبدو».
2015-01-23