ارشيف من :ترجمات ودراسات
ما هي اللعبة التي يلعبها آل سعود؟
الكاتب Pepe Escobar
عن موقع Mondialisation.ca
20 كانون الثاني / يناير 2015
المقالة كتبت قبل أيام من وفاة الملك عبد الله وتعيين سلمان ووليي العهد
آل سعود هم الآن في وضع بالغ الصعوبة. حرب النفط التي يشنونها والتي تنطوي على مجازفة كبرى يمكن أن تنقلب ضدهم. خلافة الملك عبد الله يمكن أن تقود إلى مجزرة. وحماتهم الأميركيون يمكن أن يغيروا موقفهم.
لنبدأ بالنفط وبوضع المسألة في سياقها. تزويد الولايات المتحدة بالنفط ازداد بمعدل بضعة ملايين برميل يومياً. هذه الزيادة تعوض عن النقص في الصادرات الإيرانية والعراقية (كركوك)، وعن توقف الإنتاج في ليبيا وسوريا. وبوجه عام، فإن الانكماش الاقتصادي في أوروبا والتباطؤ النسبي للاقتصاد الصيني يخلقان وضعاً يجعل الاقتصاد العالمي، حالياً على الأقل، في غنى عن طلب المزيد من النفط.
تقوم المملكة السعودية منذ العام 2011 بإغراق السوق بغية التعويض عن النقص في الصادرات الإيرانية، وهو النقص الذي تسببت به الحرب الاقتصادية التي تشنها عليها الولايات المتحدة عن طريق العقوبات. يضاف إلى هذا أن الرياض قد منعت أوبك من تقليص كوتا الإنتاج في البلدان الأعضاء. ويعتقد آل سعود أن بإمكانهم أن يتركوا الأمور على حالها ريثما يتوقف ضخ النفط الصخري إلى السوق، خصوصاً من قبل الولايات المتحدة، بسبب الارتفاع الكبير في تكلفة إنتاجه. ويعود هذا الاعتقاد إلى رهانهم على تحصيل حصص إضافية في السوق.
بالتوازي مع ذلك، يتلذذ آل سعود بمعاقبة إيران وروسيا بسبب ما تقدمانه من دعم لبشار الأسد. كما أنهم ينظرون بالكثير من الخوف إلى أي اتفاق ممكن حول النووي بين إيران والولايات المتحدة من شأنه أن يقود إلى انفراج على المدى البعيد.
من جهتها، تستمر إيران في الصمود. أما روسيا، فإنها لم تبال كثيراً بالهجوم النفطي السعودي لأن انخفاض قيمة الروبل لم يفض إلى انخفاض في مداخيل الدولة الروسية، وهذا لا يؤدي إلى عجز في الموازنة. أما شرق آسيا المتعطش إلى النفط، وخصوصاً الصين، الزبون الأول للسعودية، فإنه يتذوق حلاوة انخفاض الأسعار طالما استمر هذا الوضع.
سوف تبقى أسعار النفط منخفضة جداً في الوقت الحاضر. فهذا الأسبوع قلصت غولدن ساشس توقعاتها للعام 2015 بالنسبة لخام غرب تكساس والبرنت. فقد انخفض البرنت من 83،75 دولاراً للبرميل إلى 50،40 دولاراً للبرميل. أما خام غرب تكساس فانخفض من 73،75 إلى 47،15 دولاراً للبرميل. ويمكن أن يصل سعر البرميل إلى 42 أو 40،50 دولاراً قبل العودة الإجبارية إلى الصعود. فشركة نومورا سكويريتيز تتوقع أن يصعد سعر البرميل إلى 80 دولاراً من الآن وحتى نهاية العام 2015.
معاقبة روسيا أم إفلاس السعودية ؟
خلال مقابلة أجريت مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، أقر هذا الأخير صراحة بأنه يرغب في حدوث ارتباكات تطال أسعار النفط لاعتقاده بأنه سيكون من الصعب على الرئيس الروسي أن يتعامل معها. وبالطبع، فإن هذا يحسم النقاش حول الرغبة الأميركية في معاقبة روسيا والدفع نحو تصادم معها من قبل الولايات المتحدة والسعودية، خصوصاً وأن جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، قد وافق خلال لقائه الملك عبد الله في جدة، على مسعى الملك الهادف إلى زيادة إنتاج النفط بالتوازي مع اعتماد استراتيجية لكسر الأسعار.
ليس مهما أن يكون كيري قد فرط بالغاز الصخري الأميركي عن جهل أو عن عدم كفاءة (أو الاثنين معاً، على الأرجح)، لكن المهم هو أن آل سعود كانوا سيتراجعون على الفور فيما لوصدرت إليهم الأوامر الأميركية بذلك. فإمبراطورية الفوضى تهيمن على أتباعها في الخليج، وهؤلاء لا يمكنهم أن يتنفسوا دون موافقة أميركية ضمنية.
الملك السعودي
لكن ما هو أكثر إثارة للقلق هو كون الطغمة الحاكمة في واشنطن لا تبدي اهتماماً بالدفاع عن المصالح الصناعية والقومية للولايات المتحدة. إذ بالإضافة إلى العجز التجاري الضخم القائم على التلاعب بأسعار العملة، يمكن لكامل الصناعية النفطية الأميركية أن تتعرض للدمار بفعل عملية السطو على أسعار النفط. ولا يمكن لأي محلل رصين إلا أن يرى في ذلك مخالفة للمصلحة القومية الأميركية.
الأكيد أن السعوديين قد ابتهجوا لاتفاق الرياض. فسياستهم الرسمية كانت تكمن دائماً في السعي إلى منع ظهور أي بديل للنفط، بما في ذلك الغاز الصخري الأميركي. على هذا الأساس، ليس هنالك ما هو أفضل بالنسبة لهم من تخفيض سعر النفط والاستمرار في ذلك بما يكفي من الوقت اللازم لجعل أي توظيف في الغاز الصخري أمراً غير ذي معنى.
لكن هذا يطرح مشكلة ضخمة : لن يكون من الممكن لآل سعود أن يحصلوا، إذا ما باعوا النفط باقل من 90 دولاراً للبرميل، على عائدات نفطية تكفي لتغطية الموازنة السنوية. قد يكون إلحاق الضرر بروسيا وإيران أمراً ممتعاً بالنسبة لهم، لكن هذه المتعة تتضاءل كثيراً عندما ينعكس ذلك سلباً على محفظتهم المنسوجة بالذهب.
آفاق المشكلة تتجه على المدى البعيد نحو تحسن مستوى الأسعار. فالنفط يمكن استبداله في حالات كثيرة، ولكن ليس هنالك حتى الآن أي حل بديل للمحرك الذي يعمل على الاحتراق الداخلي. وعليه، ليس مهماً ما تفعله أوبيك. فهدفها هو صيانة الطلب على النفط مقابل المحروقات البديلة والحصول على عائدات قصوى من هذه المادة المحدودة. باختصار، فإن ما يجري هو عملية تثبيت خبيثة للأسعار.
وهنا أيضاً، تتعقد الأمور بفعل عامل أساسي وبالغ الأهمية. فآل سعود وبلدان الخليج الأخرى قد أغرقوا السوق، ولكن غولدمان ساشس وسيتي غروب وجي بي مورغان هم من نفذوا المهمة القذرة في الخفاء عن طريق إبرام عقود آجلة ومربحة على مشتقات النفط.
إن تحديد أسعار النفط يمثل عملية سطو يلفها الظلام بحيث لا يمكن إلا للمصارف ذات الصلة بتجارة النفط، أمثال غولدمان ساشس أو مورغان ستانلي، أن تشكل أكثر من فكرة بسيطة عن الجهات التي تشتري وتبيع العقود الآجلة أو تلك الخاصة بالمنتجات المشتقة، وهذا ما يعرف باسم النفط على الورق. وغياب القواعد الذي يميز هذا الكازينو الذي يحرك المليارات من الدولارات يفسح المجال أمام جميع مستلزمات فقاعة المضاربة بالتعاون مع الأصدقاء الذين يحركون مضخات النفط الخليجي. وفي ظل أسواق عقود النفط الآجلة وبورصات لندن ونيويورك التي تحتكر العقود الآجلة، لا يعود من الممكن لأوبيك أن تتحكم بالأسعار. وبذلك تخلو الساحة لوول ستريت. ذلكم هو السر الكبير. وقد يمكن لآل سعود أن يناموا قريري العين على وهم أنهم يتحكمون بالأسعار. لكن ذلك ليس غير مجرد وهم.
صعوبات في التفاهم
كما ولو أن كل ذلك ليس مربكاً بما فيه الكفاية، جاءت المسألة الحاسمة المرتبطة بخلافة الملك عبد الله لتقفز إلى مقدم المسرح. فالملك البالغ 91 عاماً من العمر نقل، عشية رأس السنة، إلى المستشفى في الرياض بسبب ضيق في التنفس [...]. ومن الممكن (وهذا سر يخص الأسرة المالكة) أن يكون مصاباً بسرطان رئوي، ما يعني أن ايامه قد اصبحت معدودة. المهم أن الاحتفاء به بوصفه إصلاحياً وتقدمياً يعكس كل ما تنبغي معرفته عن المملكة السعودية. وإذا شئتم الكلام عن حرية التعبير، فهذا جائز ولكن على سبيل المزاح.
وهنا يكون السؤال : من هو الملك الجديد ؟ أول المطروحة أسماؤهم هو الأمير سلمان البالغ من العمر 79 عاماً والذي يشغل منصب وزير الدفاع. وكان قد شغل منصب أمير منطقة الرياض طيلة 48 عاماً. كما أنه كان الصقر الحقيقي الذي أشرف على تقديم مختلف الهبات الخاصة للمجاهدين الأفغان خلال فترة الجهاد في الثمانينات. من أبنائه الأمير فيصل أمير منطقة المدينة. ولا حاجة لأن نضيف أن أسرة الأمير سلمان تسيطر فيما يبدو على جميع وسائل الإعلام السعودية.
ولكي يصل سلمان إلى العرش، عليه أن يثبت أنه جدير بذلك. لأن مثل هذا المعركة لا يمكن الفوز فيها سلفاً. خصوصاً وأن عبد الله، وهو معروف بصلابته أمام شتى الاختبارات، قد شهد وفاة اثنين من ولاة عهده هما سلطان ونايف. أما بالنسبة لسلمان، فإن الأمور تبدو أكثر صعوبة : فقد سبق له وخضع لعملية جراحية في العمود الفقري، وتعرض لجلطة دماغية، وهذا يسمح بالقول إنه قد يكون مصاباً بما هو أكثر خطورة من ذلك.
ومما لا يسمح لسلمان بالكثير من التفاؤل أنه كان مهدداً بإخلاء منصبه كنائب لوزير الدفاع، بعد وقت قصير من توليه هذا المنصب، بسبب تورطه في لعبة بندر بوش الخبيثة في سوريا.
وأياً يكن الأمر، فإن لسلمان خليفة هو النائب الثاني لرئيس الوزراء، الأمير مقرن، وهو الأمير السابق لمنطقة المدينة ورئيس جهاز الاستخبارات السعودي. ومقرن معروف بقربه الشديد من عبد الله. وإلى ذلك، يبدو أن مقرن هو آخر أبناء عبد العزيز بن سعود ممن يمكنهم أن يملأوا الفراغ بجدارة. وعليه، فإن المشكلة سوف تطرح نفسها عندما يتولى مقرن منصب ولي العهد ويصبح من الضروري اختيار من يليه بين أحفاد ابن سعود.
وهذا يقودنا إلى من يسمونهم بأمراء الجيل الثالث، وهم شباب أقل ما يقال فيهم إنهم بعيدون عن الليونة. أبرزهم هو متعب ابن الملك عبد الله، وهو في الثانية والستين من عمره. وهنا من المكن أن نتكلم عن المحسوبية. فمتعب يتصرف وكأنه أمير حرب من خلال إشرافه على فرقته الخاصة داخل الحرس الوطني. وقد علمت من بعض المصادر أن إشاعات تنتشر في الرياض مفادها أن اتفاقاً قد أقيم بين عبد الله ومقرن يقضي بأن يعمل عبد الله على إيصال مقرن إلى العرش، بينما يعمل مقرن على إيصال متعب إلى ولاية العهد. وهنا ايضاً، وبما أننا إزاء سر من اسرار البيت السعودي، فإن الطقس الهوليودي هو الأكثر مناسبة للمقام.
أبناء الملك عبد الله في كل مكان. فمنهم أمير مكة ونائب أمير الرياض ورئيس الهلال الأحمر السعودي. والأمر نفسه ينطبق على ابناء سلمان. ولكن هنالك ايضاً محمد بن نايف، ابن ولي العهد المتوفى نايف والذي اصبح وزيراً للداخلية عام 2012 والمسؤول بالتالي عن المسائل البالغة الحساسية ذات الصلة بالأمن الوطني، والذي لا يتردد عن اللجوء إلى الوسائل القمعية الواسعة النطاق. ومحمد بن نايف هو المنافس الأكبر لمتعب بين أمراء الجيل الثالث.
وهنا، لا بد من أن ننسى وحدة الأسرة، خصوصاً عندما يكون الأمر متعلقاً بالغنائم الدسمة في شبه بلد هو عبارة بالأحرى عن مزرعة نفطية كبيرة. ورغم كل هذا، فإن الشخص الذي يرث هذه الغنائم سيجد نفسه أمام الحفرة وأمام صرخات الاستغاثة المتكررة نفسها : ارتفاع معدلات البطالة، لا مساواة كبيرة، انقسامات تحزبية مرعبة، توجهات جهادية مختلفة الأشكال، وكل هذا دون أن ننسى الكلام عن مشكلة هي ليست بأصغر المشاكل : مدعي الخلافة في بلاد الشام، إبراهيم (ابو بكر البغدادي) الذي يهدد بالزحف إلى مكة والمدينة. ولا ننسى أيضاً مجلس العلماء الرهيب والجدير بالانتماء إلى حقبة القرون الوسطى (علماء شغوفون بالجلد وقطع الرؤوس وبتر الأطراف)، ولا ننسى الاعتماد الكلي على النفط، وجنون الارتياب غير المحدود تجاه إيران، والصعوبات المتزايدة في علاقة السعودية مع سيدها الأميركي.
متى يستدعون الجيش؟
وكما ولو أن الأمر صدفة، فإن "أسياد العالم"، الحقيقيين، في محور واشنطن-نيويورك، هم بصدد مناقشة اهتراء تلك العلاقة. في حين أن "أسياد آل سعود" ليس لهم من يلجؤون إليه غير بيادق وأتباع من نوع بوش الثاني وجون كيري على الأكثر. ويهمني أن أؤكد في هذا التحليل أن أي وعد يقطعه كيري لآل سعود مقابل تعاونهم في العمل من أجل إلحاق الضرر بالاقتصاد الروسي هو وعد لا يعني شيئاً بالمرة.
إن الضجيج الذي يصدر عن ناحية "أسياد العالم" يبعث على الاعتقاد بأن وكالة الاستخبارات الأميركية ستنقلب عاجلاً أو آجلاً على آل سعود. وإذا ما حدث ذلك، فإن السبيل الوحيد أمام آل سعود للمحافظة على بقائهم لا يمكن أن يكون شيئاً آخر غير التقرب من موسكو. وهذا يكفي لكي نتلمس المسار الانتحاري لآل سعود في هجومهم على الاقتصاد الروسي.
ومع أن أحدا لا يمكنه إلا أن يظل غريباً عن الغموض الكامل لآل سعود، فإن هنالك تياراً تحليلياً يعتقد بأن أفراد الأسرة السعودية يعرفون جيداً ما يفعلون. لكن ذلك ليس صحيحاً بالضرورة. إذ يبدو أن آل سعود يعتقدون بأن نيل الحظوة عند المحافظين الجدد يمكن أن يعزز مواقعهم في واشنطن. لكن ذلك لن يحدث مطلقاً. فالمحافظون الجدد ينظرون بهوس شديد إلى المساعدة التي يقدمها آل سعود لباكستان في سعيها لصنع صواريخ نووية يمكن لبعضها – وهذا أمر ما يزال مفتوحاً أمام المراهنات- أن ينشر على الأراضي السعودية لأغراض دفاعية في وجه التهديد الإيراني الخرافي.
الأمر غير واضح ؟ هذه العبارة لا تكفي لإعطائنا فكرة ولو صغيرة عن طبيعة الوضع. لكن هنالك أمر مؤكد : أياً تكن اللعبة التي يعتقد آل سعود أنهم يمارسونها، فإن لهم مصلحة كبرى في أن يبدأوا بالكلام بشكل جدي مع موسكو. علينا فقط أن نتمنى ألا يرسلوا بندر بوش مرة أخرى في مهمة إلى روسيا.