ارشيف من :آراء وتحليلات

عمليات باريس لرفع مستوى التوتر في الشرق الأوسط وأوكرانيا

عمليات باريس لرفع مستوى التوتر في الشرق الأوسط وأوكرانيا


هنالك أسباب عديدة تسمح بالتشكيك في صحة الرواية الرسمية حول العمليات التي جرت مؤخراً في باريس. فوضع هذه العمليات في إطارها الجيوسياسي الصحيح والتساؤل حول المستفيدين منها يسمحان بتوجيه أصابع الاتهام إلى واشنطن وتل أبيب.

فالحقيقة أن الرواية الرسمية حول العملية التي استهدفت مكاتب شارلي إيبدو تعاني من نقاط ضعف عديدة أسهب المراقبون في تعدادها والتعليق عليها. وقد توقف مراقبون غربيون عديدون أمام المهنية العالية التي تم من خلالها تنفيذ العملية ولفتوا إلى "التسهيلات" التي سمحت بتنفيذها. والخلاصة أنهم لاحظوا وجود تشابه بينها وبين العمليات الإرهابية التي كان ينفذها الناتو في بلدان أوروبا الغربية بهدف اتهام الاتحاد السوفياتي بتنفيذها ولإجبار حكومات هذه البلدان على المزيد من الخضوع لإملاءات واشنطن التي غالباً ما كانت تتبرم بها تلك الحكومات بسبب عدم ملاءمتها للمصالح الوطنية الأوروبية.

إرهاب أميركي


وبالنتيجة، وضعوا عمليات باريس في سياق هذا النوع من العمليات التي ترعاها الولايات المتحدة وتستخدم في تنفيذها لفيفاً من أجهزة الاستخبارات التابعة للناتو وغيره.

وقد أوردوا العديد من الأمثلة عن انخراط أميركا القوي في صناعة الإرهاب، ومن جملتها هجمات 11 أيلول / سبتمبر 2001. واستندوا إلى وثائق صدرت قبل أشهر عن هيومان رايت ووتش ونشرت في العديد من وسائل الإعلام الغربية. وتؤكد هذه الوثائق أن جهاز الشرطة الفيدرالية الأميركية (إف. بي. آي) قد دفع، لقاء عمولات مالية، بالمئات من المسلمين الأميركيين الذين يعانون من أوضاع سيئة أو مشكلات عقلية ونفسية، إلى الشروع بتنفيذ عمليات إرهابية، لا لشيء إلا لكشفهم وإلقاء القبض عليهم. أما الغرض من هذه الإجراءات المشينة فكان تسهيل تمرير قوانين مكافحة الإرهاب وتمكين الأجهزة الأميركية من الظهور بمظهر الحارس الأمين لأمن المواطنين الأميركيين. وقد اعترف بعض كبار المسؤولين الأميركيين بذلك وبرروه بأن المعنيين هم إرهابيون بالقوة وأن عدم توظيفهم من قبل الشرطة الأميركية كان سيسمح بتوظيفهم من قبل تنظيم القاعدة.

عمليات باريس لرفع مستوى التوتر في الشرق الأوسط وأوكرانيا
عملية شارلي ايبدو


وإرهاب صهيوني

ومن الجدير بالذكر أن هذا التوصيف يلتقي مع توصيف صدر عن مسؤولين أتراك اتهموا جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، الموساد، بأنه الجهة التي تقف وراء عمليات باريس.

وسواء تعلق الأمر بالموساد أو غيره من المنظمات الإرهابية التي يرعاها الناتو، ومنها الجماعات التكفيرية، فإن عمليات باريس قد هدفت إلى تحقيق فوائد معينة، والنظر في المستفيدين منها هو من الوسائل الكاشفة عن منفذيها الحقيقيين.

 الكيان الصهيوني في طليعة المستفيدين من عمليات باريس
والحقيقة أن الكيان الصهيوني هو في طليعة المستفيدين. فعملية المتجر اليهودي التي قتل فيها أربعة من اليهود الفرنسيين على يد فرنسي من أصل عربي أدت إلى انتعاش الدعاية الصهيونية التي تصور العرب والمسلمين كإرهابيين كما تصور "إسرائيل" كبلد مسالم وخاضع على الدوام للتهديد الإرهابي.

وفي الوقت نفسه، أعطت دفعة قوية للمشروع الإسرائيلي الهادف إلى تعزيز هجرة اليهود الصهاينة إلى الأراضي المحتلة. كما سمحت لبنيامين نتنياهو بتلميع صورته وصورة كيانه الإرهابي من خلال تصدره لمسيرة باريس. ومن جهة أخرى، جاء اعتراف الاتحاد الأوروبي الأخير بالدولة الفلسطينية ليعزز من رغبة الكيان الصهيوني بمعاقبة فرنسا بصفتها إحدى أبرز بلدان الاتحاد.

الحرب على روسيا

أما الفائدة التي حققتها واشنطن فلا تقل أهمية بما شكل رسالة واضحة إلى الحكومة الفرنسية فيما يتعلق بموقفها من الأزمة في أوكرانيا. فالمعروف في هذا المجال أن واشنطن تسعى باتجاه دفع الأوروبيين نحو انخراط قوي في حرب على روسيا ينظر إليها في واشنطن على أنها المخرج الوحيد من الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الولايات المتحدة.

فالمعروف أن الأوروبيين قد بدأوا بإظهار التبرم بالعقوبات التي تقودهم الولايات المتحدة إلى فرضها على روسيا، لأن روسيا ترد عليها بضغوط تلحق أضراراً أشد بالاقتصادات الأوروبية.

الشرطة الفيدرالية الأميركية توظف مئات المسلمين الأميركيين في تنفيذ عمليات إرهابية في الولايات المتحدة
 
ففي الصيف الماضي، كان الاتحاد الأوروبي على وشك الاتفاق على إلغاء العقوبات على روسيا. لكن الأميركيين لجأوا إلى الأسلوب الإرهابي فأوعزوا إلى عملائهم في أوكرانيا بإسقاط الطائرة الماليزية ووجهوا التهمة بإسقاطها إلى مؤيدي روسيا، الأمر الذي أدى إلى تسعير الوضع وإجبار الأوروبيين على التراجع عن توقيع الاتفاق على إلغاء العقوبات قبل يومين من موعد توقيعه.


وقبل أيام قليلة من عمليات باريس الأخيرة، كان كل من الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية قد أطلقا تصريحات مؤيدة لإلغاء العقوبات على روسيا، في وقت تعمل فيه واشنطن على رفع منسوب التوتر في أوكرانيا. وهذا يسمح بالقول إن العمليات كانت بمثابة تحذير أميركي للأوروبيين من الاستمرار في تمنعهم عن الانخراط بقوة أكبر في التصعيد مع روسيا.
2015-01-26