ارشيف من :آراء وتحليلات
هل ينجح اليسار اليوناني في إخراج اليونان من الأزمة؟
يفترض بتشكيل حكومة يقودها اليسار
الراديكالي في اليونان أن ينهي سياسة التقشف والإفقار المفروضة على البلاد من قبل
الأشقاء الأوروبيين. لكن تحقيق هذا الهدف يمر بشطب الديون الضخمة التي تثقل كاهل
اليونانيين والتي ترفضها الجهات الدائنة. وضع صعب وحلول غير متوافرة ومشكلة يونانية
مرشحة لاكتساح سائر بلدان الاتحاد الأوروبي.
كما كان متوقعاً، بسبب فشل أحزاب اليمين ويسار الوسط في الحد من تفاقم الأزمة الاقتصادية في اليونان، أحرز تحالف اليسار الراديكالي (سيريزا) فوزاً كاسحاً في الانتخابات النيابية التي جرت نهاية الأسبوع الماضي، حيث فاز بـ 149 من أصل 300 مقعد في البرلمان.
لكن الفوز في هذه الانتخابات التي وصفت بأنها الأهم في تاريخ اليونان المعاصر، لم يكن كافياً لحصول سيريزا على أغلبية مطلقة (151 مقعداً) تمكن زعيمه ألكسيس تسيبراس من تشكيل حكومة بمفرده.
برنامج متواضع وتهديدات كبرى
لذا، لجأ إلى التحالف مع حزب "اليونانيون المستقلون" اليميني ذي التوجهات العنصرية، ومنح زعيمه بانوس كامينوس حقيبة الدفاع في وزارته، الأمر الذي أثار في أوساط اليسار اليوناني والأوروبي الأكثر تطرفاً زوبعة من الاستياء على خلفية اتهام سيريزا بأنه لن يفعل غير القيام ببعض الإجراءات الهادفة إلى إنقاذ النظام الراسمالي القائم في اليونان من الانهيار. وخصوصاً أن البرنامج الذي خاض سيريزا الانتخابات على أساسه واقعي ومتواضع لا يطمح إلى تحقيق ما تحتاج إليه اليونان فعلاً، بل إلى تحقيق ما يمكن تحقيقه في ظروف الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها اليونان، وفي ظروف العلاقة المتزايدة الصعوبة مع الدائنين الأوروبيين.
انتصار اليسار الراديكالي
فالحقيقة أن الخلافات مع هؤلاء الشركاء -وهي تتمحور حول موقف سيريزا الرافض لسياسات التقشف المفروضة من قبلهم- قد طرحت نفسها دفعة واحدة ووصلت إلى حد التهديد بالامتناع عن تسديد الديون اليونانية وحتى إلى الخروج من منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
وبالطبع لم يكن رد المصارف والحكومات الأوروبية أقل صرامة. وقد برزت المؤشرات على صعوبة تجنب الصدام من خلال حملات البروباغندا التي ركزت لا على المشكلات الحقيقية، بل على كون حكومة تسيبراس المكونة من 40 وزيراً لا تضم غير ست نساء عهد إليهن بحقائب ثانوية!
سطو على المال العام
المشكلات الحقيقية التي يعاني منها اليونان هي، في جانبها الاقتصادي، مشتركة، بنسب متفاوتة، بينه وبين سائر بلدان الغرب. وهي تعود إلى سببين أساسيين. الأول هو فساد الحكومات المتعاقبة والتسهيلات التي تسمح لحيتان المال بالسطو على المال العام. والثاني هو الانتهازية والديماغوجية اللتان تتحكمان بسلوك السياسيين : يعمدون من أجل الفوز في الانتخابات "الديموقراطية" إلى إطلاق وعود سخية تبشر بالازدهار والرفاه. وعندما يصلون إلى الحكم يجدون أنفسهم مجبرين على الوفاء بها كلياً أو جزئياً، فيقترضون الأموال ويراكمون الديون على دولهم وشعوبهم.
من هنا كانت جميع بلدان الاتحاد الأوروبي غارقة في مديونيات تزيد
في بعض الحالات عن الناتج الخام. وينتمي اليونان إلى هذه الفئة الأخيرة بمديونية
تصل إلى 536 مليار يورو وتشكل 170 بالمئة من الناتج المحلي الخام، وعجز في الموازنة
في حدود 13 بالمئة.
هذا يعني أن البلد يقف على حافة الإفلاس وإفلاسه سينقل الأزمة إلى بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى بدءاً بإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وإيرلندا ...
من هنا، خفّت الحكومات الأوروبية عام 2010 لتدارك الوضع واتخذت الترويكا المكونة من الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي قراراً بالعمل على إنقاذ اليونان عبر منحه قروضاً تصل إلى 110 مليارات يورو، مقابل اعتماد الحكومة اليونانية لسياسة تقشف صارمة.
إنقاذ اليونان أم تجويعه؟
وبنتيجة هذه السياسة التي اشتملت على تجميد أجور الموظفين لمدة ثلاث سنوات، وفرض ضرائب مرتفعة على الاستهلاك، وعمليات خصخصة مرفقة بتسريحات واسعة النطاق، ارتفعت معدلات البطالة لتصل إلى 27 بالمئة من الأيدي العاملة النشطة و50 بالمئة من الفئات الشبابية، وتقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 25 بالمئة.
واحتجاجاً على سياسة التقشف وتردي الأوضاع المعيشية لشرائح واسعة من السكان، خرجت تظاهرات صاخبة في أيار/ مايو 2011، وأحدق بالبلاد خطر الاضطراب الاجتماعي. ولتلافي هذا الخطر، تم في تموز/ يوليو إقرار برنامج إنقاذ جديد حصلت بموجبه الحكومة اليونانية على قرض بـ 109 مليارات يورو، ثم تكرر الأمر في تشرين الأول/ أكتوبر مع برنامج مساعدات جديد بـ 106 مليارات يورو اشتمل على تنازل المصارف الأوروبية الخاصة عن 50 بالمئة من الديون المتوجبة على الحكومة اليونانية مقابل تعويم جديد للمصارف اليونانية.
وكل ذلك ظل بلا فائدة. لأن معظم أموال هذه القروض
كانت تعود، على شكل فوائد على الديون، إلى خزائن الجهات الدائنة وفي طليعتها
الحكومة والمصارف الألمانية.
وفي هذا الإطار، من الواضح، أن الحل الوحيد للمشكلة هو في شطب الديون اليونانية. لكن الجهات الدائنة ليست مستعدة لأكثر من التساهل في إعادة جدولة الديون وحتى في تقديم قروض جديدة من المعروف أنها ستدفع بالأزمة الاجتماعية في اليونان نحو المزيد من التفاقم، وستضع منطقة اليورو وكامل الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى حلف الناتو، أمام استحقاق التفكك.
غياب الحل يعني أن اليونان سيسقط في قبضة العصابات التي تجيد استعمال الكلاشنكوف، بحسب تعبير أحد وزراء الحكومة السابقة. والاستطراد جائز لأن ما يجري اليوم في اليونان قابل لأن ينتقل سريعاً إلى سائر بلدان الاتحاد الأوروبي.
كما كان متوقعاً، بسبب فشل أحزاب اليمين ويسار الوسط في الحد من تفاقم الأزمة الاقتصادية في اليونان، أحرز تحالف اليسار الراديكالي (سيريزا) فوزاً كاسحاً في الانتخابات النيابية التي جرت نهاية الأسبوع الماضي، حيث فاز بـ 149 من أصل 300 مقعد في البرلمان.
لكن الفوز في هذه الانتخابات التي وصفت بأنها الأهم في تاريخ اليونان المعاصر، لم يكن كافياً لحصول سيريزا على أغلبية مطلقة (151 مقعداً) تمكن زعيمه ألكسيس تسيبراس من تشكيل حكومة بمفرده.
برنامج متواضع وتهديدات كبرى
لذا، لجأ إلى التحالف مع حزب "اليونانيون المستقلون" اليميني ذي التوجهات العنصرية، ومنح زعيمه بانوس كامينوس حقيبة الدفاع في وزارته، الأمر الذي أثار في أوساط اليسار اليوناني والأوروبي الأكثر تطرفاً زوبعة من الاستياء على خلفية اتهام سيريزا بأنه لن يفعل غير القيام ببعض الإجراءات الهادفة إلى إنقاذ النظام الراسمالي القائم في اليونان من الانهيار. وخصوصاً أن البرنامج الذي خاض سيريزا الانتخابات على أساسه واقعي ومتواضع لا يطمح إلى تحقيق ما تحتاج إليه اليونان فعلاً، بل إلى تحقيق ما يمكن تحقيقه في ظروف الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها اليونان، وفي ظروف العلاقة المتزايدة الصعوبة مع الدائنين الأوروبيين.
انتصار اليسار الراديكالي
فالحقيقة أن الخلافات مع هؤلاء الشركاء -وهي تتمحور حول موقف سيريزا الرافض لسياسات التقشف المفروضة من قبلهم- قد طرحت نفسها دفعة واحدة ووصلت إلى حد التهديد بالامتناع عن تسديد الديون اليونانية وحتى إلى الخروج من منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
وبالطبع لم يكن رد المصارف والحكومات الأوروبية أقل صرامة. وقد برزت المؤشرات على صعوبة تجنب الصدام من خلال حملات البروباغندا التي ركزت لا على المشكلات الحقيقية، بل على كون حكومة تسيبراس المكونة من 40 وزيراً لا تضم غير ست نساء عهد إليهن بحقائب ثانوية!
سطو على المال العام
المشكلات الحقيقية التي يعاني منها اليونان هي، في جانبها الاقتصادي، مشتركة، بنسب متفاوتة، بينه وبين سائر بلدان الغرب. وهي تعود إلى سببين أساسيين. الأول هو فساد الحكومات المتعاقبة والتسهيلات التي تسمح لحيتان المال بالسطو على المال العام. والثاني هو الانتهازية والديماغوجية اللتان تتحكمان بسلوك السياسيين : يعمدون من أجل الفوز في الانتخابات "الديموقراطية" إلى إطلاق وعود سخية تبشر بالازدهار والرفاه. وعندما يصلون إلى الحكم يجدون أنفسهم مجبرين على الوفاء بها كلياً أو جزئياً، فيقترضون الأموال ويراكمون الديون على دولهم وشعوبهم.
أموال القروض المقدمة إلى
اليونان تعود إلى خزائن الجهات الدائنة |
هذا يعني أن البلد يقف على حافة الإفلاس وإفلاسه سينقل الأزمة إلى بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى بدءاً بإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وإيرلندا ...
من هنا، خفّت الحكومات الأوروبية عام 2010 لتدارك الوضع واتخذت الترويكا المكونة من الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي قراراً بالعمل على إنقاذ اليونان عبر منحه قروضاً تصل إلى 110 مليارات يورو، مقابل اعتماد الحكومة اليونانية لسياسة تقشف صارمة.
إنقاذ اليونان أم تجويعه؟
وبنتيجة هذه السياسة التي اشتملت على تجميد أجور الموظفين لمدة ثلاث سنوات، وفرض ضرائب مرتفعة على الاستهلاك، وعمليات خصخصة مرفقة بتسريحات واسعة النطاق، ارتفعت معدلات البطالة لتصل إلى 27 بالمئة من الأيدي العاملة النشطة و50 بالمئة من الفئات الشبابية، وتقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 25 بالمئة.
واحتجاجاً على سياسة التقشف وتردي الأوضاع المعيشية لشرائح واسعة من السكان، خرجت تظاهرات صاخبة في أيار/ مايو 2011، وأحدق بالبلاد خطر الاضطراب الاجتماعي. ولتلافي هذا الخطر، تم في تموز/ يوليو إقرار برنامج إنقاذ جديد حصلت بموجبه الحكومة اليونانية على قرض بـ 109 مليارات يورو، ثم تكرر الأمر في تشرين الأول/ أكتوبر مع برنامج مساعدات جديد بـ 106 مليارات يورو اشتمل على تنازل المصارف الأوروبية الخاصة عن 50 بالمئة من الديون المتوجبة على الحكومة اليونانية مقابل تعويم جديد للمصارف اليونانية.
الأزمة اليونانية قابلة لاكتساح سائر بلدان الاتحاد الأوروبي |
وفي هذا الإطار، من الواضح، أن الحل الوحيد للمشكلة هو في شطب الديون اليونانية. لكن الجهات الدائنة ليست مستعدة لأكثر من التساهل في إعادة جدولة الديون وحتى في تقديم قروض جديدة من المعروف أنها ستدفع بالأزمة الاجتماعية في اليونان نحو المزيد من التفاقم، وستضع منطقة اليورو وكامل الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى حلف الناتو، أمام استحقاق التفكك.
غياب الحل يعني أن اليونان سيسقط في قبضة العصابات التي تجيد استعمال الكلاشنكوف، بحسب تعبير أحد وزراء الحكومة السابقة. والاستطراد جائز لأن ما يجري اليوم في اليونان قابل لأن ينتقل سريعاً إلى سائر بلدان الاتحاد الأوروبي.