ارشيف من :ترجمات ودراسات
الاتفاق التجاري السري الجديد بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي
عن موقع World Socialist Web Site.
16 كانون الثاني / يناير 2015
نشرت المفوضية الأوروبية الأسبوع الماضي مقترحات الاتحاد الأوروبي حول النص الحقوقي الذي سيتضمنه الاتفاق التجاري الخاص بالشراكة بين ضفتي الأطلسي والذي تدور حوله المفاوضات بين أوروبا والولايات المتحدة.
وبهذا الخصوص، أكدت المفوضة التجارية للاتحاد، سيسيليا مالمستروم، أن نشر هذه المقترحات هو الدليل على "التزام الاتحاد الأوروبي بشفافية أكبر في المفاوضات".
وكانت اتفاقية الشراكة بين ضفتي الأطلسي للتجارة والاستثمار (PTCI) قد تعرضت للنقد بسبب الطابع السري للمفاوضات. فالنقاط النصية الثماني التي تم نشرها تتعلق بمسائل من بينها المنافسة والجمارك والتغذية وأمن الحيوانات والنباتات. وهي مرفقة بكتيب يتضمن شروحات برسم القراء، إضافة إلى بيان إعلامي. لكن نشرها لم يكن أكثر من وسيلة لمساعدة النخبة الحاكمة في مواصلة التعتيم على التداعيات الواسعة للمفاوضات التجارية على مستوى شعوب ضفتي الأطلسي.
وفي الوقت الذي كانت تتباهى فيه بـ "الانفتاح في روحية الاتحاد"، أضافت مالمستروم أن هذه الوثائق حول الدخول إلى الأسواق والحصص والتعرفات هي على درجة من "الحساسية" بحيث لا يجوز نشرها.
إن اتفاقية الشراكة بين ضفتي الأطلسي للتجارة والاستثمار (PTCI) هي على صورة الشراكة بين ضفتي الباسيفيكي (PTP) التي تجري المفاوضات بشأنها حالياً بين الولايات المتحدة و12 بلداً تنتمي إلى الحزام الباسيفيكي الذي يضم كلاً من أستراليا واليابان وكندا والمكسيك وسنغافورة وفييتنام. وهنالك تبشير بأن بإمكان هذه البلدان أن تحقق ازدهاراً عالمياً أكبر، شأنها في ذلك شأن اتفاقية الشراكة بين ضفتي الأطلسي للتجارة والاستثمار (PTCI ) التي يمكنها أن تمد يد العون للاتحاد الأوروبي الذي يعاني من تفاقم الركود الاقتصادي. وإذا ما تكللت المفاوضات بالنجاح، فإن الاتفاقية الأخيرة ستكون، وفق ما تروجه الدوائر المعنية، في أساس أكبر اتفاق إقليمي للتبادل الحر في التاريخ.
أما في الواقع، فإن اتفاقية الشراكة بين ضفتي الأطلسي للتجارة والاستثمار واتفاقية الشراكة بين ضفتي الباسيفيكي تشكلان جزأً من الهجمة التي تقودها الولايات المتحدة على الصين وروسيا والتي تشكل شعوب العالم وقوداً لها.
وكما أن اتفاقية الشراكة بين ضفتي الباسيفيكي هي المعادل الاقتصادي لـ "المحور الآسيوي" الذي تقوده حكومة أوباما بهدف وضع الصين تحت الحصار العسكري، فإن اتفاقية الشراكة بين ضفتي الأطلسي للتجارة والاستثمار تترافق مع الاستفزازات العسكرية التي تقوم بها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تجاه روسيا، بما في ذلك التعزيز العسكري لقوات الناتو على طول الحدود الروسية.
وقد وصفت اتفاقية الشراكة بين ضفتي الأطلسي للتجارة والاستثمار بحق بأنها حلف ناتو اقتصادي.
وفي الملاحظات التي أدلت بها في كانون الأول / ديسمبر، أكدت مالمستروم أن الاتفاقية المذكورة "لا تقتصر على المفاوضات التجارية"، حيث اعترفت بأن المسائل التجارية التقليدية المتمثلة بدخول السلع والخدمات إلى الأسواق ليست مشكلة بالنسبة لأوروبا والولايات المتحدة حيث التعرفات الجمركية الحالية منخفضة جداً ولا تزيد عن 3 بالمئة في المتوسط. كما أكدت أن المفاوضات هي " بين الاقتصادين الكبيرين اللذين يتشاطران الكثير من القيم"، وأن الاتفاقية هي "استراتيجية" لأن عالمنا "يتغير باستمرار نحو الأفضل أو نحو الأسوأ".
وفي معرض كلامها عن "النجاحات الباهرة التي حققتها الاقتصادات الصاعدة، كما في حالة الصين"، قالت مالمستروم إن نتيجة ذلك هي "تراجع النفوذ الأوروبي". وأضافت : "يمكننا ايضاً أن نولى اهتمامنا بما يجري في الشرق لأن ما تفعله روسيا في أوكرانيا قد أظهر الحاجة إلى أوروبا قوية يمكنها أن تدعم قيمنا وأن ترتقي بها على المستوى العالمي".
وقبل هذه الملاحظات، كانت مالمستروم قد استخدمت عبارات من نوع "المحافظة على تشدد معايير الإنتاج على المستوى العالمي" و"ضمان نفوذ أوروبا خارج حدودنا". كما شددت على الحاجة إلى إقدام الولايات المتحدة على "تصدير منتجاتها الجديدة من الغاز"، وهو الأمر الذي أصبح ممكناً بفضل الرمال الصخرية والحفر في البحر بالقرب من الشواطئ، والذي سيؤدي إلى "تقليص اعتماد العالم وأوروبا على الطاقة الروسية، ويمنح أوروبا الحرية والقدرة على رد العدوان".
وأكدت ايضاً أن اتفاقية الشراكة بين ضفتي الأطلسي للتجارة والاستثمار يمكنها، من خلال تعزيز تحالفنا مع الولايات المتحدة، أن تجدد شراكة من شأنها أن تؤثر على بقية العالم في العقود المقبلة بالاستناد إلى "قيم الديموقراطية، ودولة الحقوق، واحترام الأفراد والأسواق الحرة".
والهدف من كل ذلك هو، بكلام آخر، ترسيخ إمبراطورية اقتصادية تهيمن عليها الشركات المتعددة الجنسيات والمصارف وتكون قادرة على فرض إملاءاتها على من لا ينتمون إليها ويشكلون، في الوقت نفسه، موضوعات للاستهداف بشتى أنواع العقوبات.
اميركا والاتحاد الاوروبي
وأوضحت مالمستروم أن أهمية اتفاقية الشراكة بين ضفتي الأطلسي للتجارة والاستثمار هي في كونها تلغي لصالح الشركات "جميع الحواجز القائمة أمام التجارة وكل الضمانات الخاصة ببيع المنتجات".
وتتضمن مقترحات الاتحاد الأوروبي فقرات منها ما يتحدث عن "تحرير" [خصخصة] شبكات الاتصالات البريدية والالكترونية، والخدمات المالية، والتشريعات المتعلقة بالطاقة والأغذية.
وفي ظل الاتفاقية، ستشتد الرقابة التي تمارسها الشركات الكبرى على وسائل الإعلام الحكومية من خلال إجراءات على صلة بحقوق الملكية الفكرية، كما سيصبح دخول الشركات إلى المعطيات الشخصية للأفراد أكثر سهولة بكثير.
إن تداعيات مثل هذه الإجراءات هي في منتهى الخطورة خصوصاً وأن الحكومات الأوروبية معروفة بتواطؤها مع وكالات التجسس الأميركية في مجال جمع المعلومات حول مواطنيها بالذات.
هذا، ويزعم الاتحاد الأوروبي أن الاتفاقية لن يكون لها أثر مضاد على تمويل الخدمات العامة وخصوصاً في مجالات الصحة والتعليم في القطاع العام. ولكن الوثائق تؤكد على أن حكومات الاتحاد الأوروبي "سيكون لها الحق في إدارة الخدمات كما تشاء".
إن الوعود المغرية التي تقطع على خلفية التقشف والخصخصة في جميع أنحاء القارة الأوروبية لا قيمة لها بالمرة. فالاتفاقية هي آلية تهدف إلى وضع الخدمات والعقود العامة تحت سيطرة النخب المتمثلة بأرباب العمل. ففي بريطانيا مثلاً، سيؤدي ذلك إلى التدمير الكامل للخدمات العامة في المجال الصحي.
فمن المنتظر أن يترافق تطبيق الاتفاقية مع هجمة قوية على الوظائف ومستوى المعيشة والحقوق الديموقراطية التي تشكل، في نظر النخب الحاكمة، عائقاً أمام استمرارها في جني الأرباح. وبهذا الصدد، أقرت المفوضية الأوروبية بأن خشية العمال من فقدان وظائفهم أمر طبيعي في ظل تطبيق الاتفاقية.
وتساءل البعض عما إذا كانت الاتفاقية ستحظى بالقبول في ظل تصاعد الأزمة داخل منطقة اليورو وما ينشأ عن ذلك من توترات بين الدول الأعضاء ولكن أيضاً بين بعض شرائح النخب الحاكمة في أميركا الشمالية وأوروبا. ومع هذا، وأياً تكن هذه الخلافات فإن النخبة التي تمسك بالقرار عازمة إلى أبعد الحدود على تجاوز جميع العوائق لكي تعيق سيطرتها على جميع جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
ويتأكد ذلك من خلال إصرار الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على أن تشتمل المفاوضات على إدخال آلية لحسم الخلافات بين المستثمرين والدول الأعضاء. وهذه الآلية تسمح بملاحقة الحكومات أمام القضاء فيما لو شعر المستثمرون بأن سياسات تلك الحكومات قد جعلتهم يخسرون شيئاً من أرباحهم.
وبناء على معلومات أولية حصلت عليها صحيفة دي زايت الألمانية ونشرتها في آذار / مارس 2014، فإن المادة رقم 14 من القواعد المقترحة من قبل الاتفاقية تمنع الحكومات من اللجوء "مباشرة أو بشكل مباشر إلى التأميم أو نزع الملكية أو القيام بإجراءات يكون لها مفعول التأميم أو نزع ملكية" الاستثمارات إلا إذا كان ذلك لتحقيق "هدف يخدم الصالح العام، ومن خلال احترام القانون، وعلى أساس بعيد عن التمييز". كما تنص المادة نفسها على دفع غرامات وتعويضات مقابل اي إجراء من هذا النوع.
إن نظام الغرامات والتعويضات قد أصبح ساري المفعول في العديد من الاتفاقيات التجارية الثنائية. ووفقاً لبعض المصادر، فإن 500 شركة تقوم حالياً بملاحقة حكومات عديدة أمام القضاء بتهمة التسبب بإلحاق أضرار وللحصول على تعويضات.
أما أضخم تعويضات تمت المطالبة بها حتى اليوم فهي تلك التي استهدفت دولة إكوادور التي صدر قرار في العام 2012 يلزمها بدفع مبلغ 1،77 مليار دولار إلى شركة أوكسيدونتال بتروليوم لأنها ألغت عقداً سبق ووقعته مع الشركة المذكورة.
ومن الحالات المشهورة والمثيرة للأسى في هذا المجال، نذكر :
- حالة شركة آشميا الهولندية للتأمين الصحي التي حصلت على تعويض بقيمة 29،5 مليون دولار من الأموال العامة لجمهورية سلوفاكيا لأن هذه الأخيرة اتخذت إجراءات عام 2006 بهدف الحد من نفوذ الشركات الخاصة في القطاع الصحي الحكومي.
- حالة شركة فيوليا دو فرانس التي رفعت دعوى بحق مصر بعد انتهاء تعاقدها مع الحكومة المصرية، في تشرين الأول 2011، لمعالجة النفايات في مدينة الاسكندرية. وقد ادعت الشركة بأن قرار المجلس الوطني للأجور القاضي بتصحيح أجور العمال لتتناسب مع ارتفاع معدلات التضخم قد ألحق اضراراً بالأرباح المتوقع تحقيقها من قبل الشركة المذكورة.
- حالة شركة الطاقة السويدية فاتنفال التي رفعت دعوى ضد الحكومة الألمانية وطلبت تعويضات بقيمة 6 مليارات يورو لأن تلك الحكومة قررت التخلص تدريجياً من الطاقة النووية في أعقاب كارثة فوكوشيما.
والمعروف أن المحاكم التي ترفع إليها هذه القضايا تعقد جلساتها سراً، وهي تتكون من محامين عن الشركات، ولا مجال فيها للاستئناف ولا سقف للغرامات التي يمكن أن تفرضها.ويمكن لها أن تأمر وزارة المالية في أية دولة أن تدفع تعويضات للشركات التي يمكن أن تخسر "أرباحها المستقبلية المتوقعة" بسبب سياسات تلك الحكومات.