ارشيف من :آراء وتحليلات

النفط الايراني ..يواجه السلاح الاسرائيلي

النفط الايراني ..يواجه السلاح الاسرائيلي
 نيكول يونس

"اشكروا الرب على الخير". لهذه الدرجة وصلت الامور بالقائمين على مصنع "ملَم" في بئر السبع. وضع يافطة مع عبارة  ( اقتباسٍ من التوراة ) على بوابة المصنع، في إشارة إلى الهند، بحسب ما نقل المحلل العسكري الصهيوني "عمير ربابورت". باعتبار أن مجمع الصناعات الجوية الإسرائيلي مدين باستمراريته للصفقات مع الهند.

هذا رَغم أنهم في الكِيان الصهيوني يعتبرون أن "نيودلهي كانت تعامل تل أبيب كما تعامل الخليلة"، كما يشير "سي. راجا موهان" رئيس قسم الدراسات الاستراتيجية في "مؤسسة أوبزيرفر للأبحاث" في نيودلهي، فالعلاقة بينهما بقيت سرية على مدى عقود ، بخاصة تلك الأمنية- العسكرية – فيما كانت الهند تشهّر بسياسات الكِيان الصهيوني على المنابر وفي المحافل الدولية. إلى أن أتى عهد "ناريندرا مودي" منذ أشهر، فتغيرت المعاملة سريعاً، وتم إشهار العلاقة النفعية القائمة بين البلدين من قبل حكومة الأخير من دون خجل أو تحفظات. فتنامت معها لغة الأمل في الصحف العبرية ، في أن "يوقف (مودي) اللهجة المزدوِجة للسياسة الهندية: إدانة شديدة إعلامياً ل"إسرائيل"، ودعم للفلسطينيين من جهة، وتعاونٌ عسكري- أمني واقتصادي ممتاز مع "إسرائيل " من جهة ثانية."
لكن بين اليمين الهندي و اليمين الاسرائيلي، هل "الحدود هي السماء" ، كما أعلنها "نتنياهو" عقب لقاءه بنظيره "مودي" ، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة؟ أم أن حدود العلاقة الهندية - الإسرائيلية عملياً هي "إيران"؟ فقد استوردت الهند من بلاد فارس ما يقارب ال 12 في المئة من استهلاكها للنفط الخام في السنوات الأخيرة. فبين صفقات الأسلحة المليارية مع الكيان الصهيوني في ضفة، و الموارد النفطية الأوفر التي تتصدر قائمة واردات الهند من إيران في الضفة الثانية، هل تصح صلاة الهند نحو قِبلتين؟

الهند هي الهدف:
"الآن وجدت فرصة للصناعات الأمنية الأكبر في "إسرائيل".. يجب أن يكون الهدف الهند."
بهذا الوضوح سطَّر وزير الحرب الصهيوني الأسبق "موشيه أرينز" ختام مقالته في صحيفة "هآرتس" منذ أسابيع، والتي خصصها للإصرار على تصويب بوصلة الصناعات العسكرية الإسرائيلية في اتجاه السوق العسكري الهندي كأولوية.
لقد أصبحت الصناعات العسكرية للكيان الصهيوني ثاني أكبر مصدّر للسلاح الى الهند في السنوات الأخيرة، بينما روسيا تتصدر اللائحة، وفرنسا والولايات المتحدة تتنافسان على الموقع الثالث. في الوقت نفسه، بلغت الموازنة العسكرية للهند في العام المنصرم ما يقارب ال 36 مليار دولار، كان للصناعات الإسرائيلية النصيب الأكبر منها بين الشركاء الخارجيين؛ اذ تخطت فاتورة التعاون التسلُّحي الهندي من صناعات الكيان الصهيوني عتبة ال 9 مليار دولار، في حين يبلغ الاستيراد الهندي للنفط الخام الإيراني 11 مليار دولار سنوياً.

في أوج أزمة التدخل الامريكي لمنع صفقة صواريخ ال"سبايك" الإسرائيلية إلى الهند خلال العام المنصرم، والسعي المحموم لإبدالها بصواريخ "جافلين" الأمريكية (متضمنا عرض شراكة)، نشرت صحيفة "معاريف" العبرية تقريراً عن سوق الأسلحة الاسرائيلية في آسيا أعده المحلل العسكري الصهيوني "عمير ربابورت". تكلم التقرير عن الهدف الذي صوب عليه "موشيه آرنز" منذ أسابيع (التوجه صوب سوق السلاح الهندية) مشيراً إلى ان أكثر من يفهم  اهمية تلك السوق هم  المئات من رجالات الامن الاسرائيليين، بدءاً بوزير الدفاع نفسه، ممن تدفقوا إلى المعرضين الامنيين الكبيرين في آسيا، معرض "دفيكسبو" في نيودلهي الهند، و"الصالون الجوي" في سنغافورة.  يقول "ربابورت": " هم يفهمون ما لا يعرفه معظم الاسرائيليين: أنَّ لقرارات دول مثل الهند تاثير هائل على الاقتصاد الاسرائيلي وعلى الامن الاسرائيلي، وهو من المتوقع ان يزداد أكثر فأكثر."

ويعتمد في تقريره المفصل هذا على رأي "شيرلي بن شطريت"، نائب المدير العام للتسويق في شركة الصناعات الجوية الاسرائيلية (والذي كان يترأس مكاتب المصنع العسكري الصهيوني في سنغافورة)، الذي قال أن "الميل لتعزيز السوق الأمنية في آسيا سيتعاظم". والأهم : "حددنا كهدف سلسلة من الدول في الشرق الأقصى (ضمنها الهند)."

وهذا ما كان قد أورده سابقاً الخبير الصهيوني "يفتاح شابير"، المتخصص في شؤون التسليح والمشرف على إصدار التقرير السنوي عن ميزان القوى العسكري في منطقة الشرق الأوسط التابع لمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيل. استعرض "شابير"، في دراسة تفصيلية بعنوان "الصادرات الامنية الاسرائيلية للهند: التحديات و المخاوف"، أهم صفقات الاسلحة بين الكيان الصهيوني و الهند، اضافة الى سياق تطور العلاقات العسكرية والسياسية بين الطرفين، مشيراً إلى أن هذه العلاقات تعد "إنجازاً بالنسبة لتل ابيب".
لكن تلك العلاقة برأيه " لم تصل بعد إلى مستوى التحالف الاستراتيجي"، خاصة في ظل تطلع الهند للاستقلال في مجال التصنيع العسكري. وقد خلُص "شابير" في هذه الدراسة المفصلة إلى ان العلاقات الحالية بين الطرفين هي "مجرد نافذة لفرض صفقات جديدة لكن غير طويلة الأمد."

الصفقات الاسرائيلية – الهندية :
لم يوفر الكِيان الصهيوني اي وسيلة لفتح امكانيات تطوير اكبر مما هو ممكن للجيش الاسرائيلي.حتى ولو عبر خوض مخاطرة "التعاون" مع دول أجنبية ، ولكنها "صديقة"، كالهند؛ وذلك عبر "مديرية تطوير الوسائل القتالية" في وزارة الحرب الاسرائيلية "مفات". اضافة الى ذلك، فقد اقامت وزارة الحرب قسما للمساعدة في التصدير الامني "سِبت". فتطوير السلاح الاسرائيلي قائم على التصدير، اذ ان المبيعات الخارجية هذه ، هي عمليا الممول الاساسي للصناعات العسكرية و التي تغطي  كلفة التطوير الضخمة لها. " إن 80 بالمئة من انتاج الصناعات الامنية الاسرائيلية الأربعة (الصناعة الجوية – البيت- رفائيل- تعس) مخصص للجيوش الاجنبية (لا يتضمن ذلك تصدير وسائل الحماية والدفاع التي تعتبر "مدنية" )- " بحسب تقرير "عمير ربابورت".
وبحسب اخر دراسة للخبير "يفتاح شابير" منذ ايام بعنوان " على حبل دقيق إسرائيل والهند و إيران"  يشير "شابير" إلى ان التعاون الأمني (العسكري) هو الابرز في صورة العلاقات بين الهند و الكيان الصهيوني. والتعاون يشمل شراء منظومات سلاح خاصة ونقل تقنيات عسكرية وتطويرا مشتركا لمنظومات تسليح. ويتم التباحث اليوم بين الطرفين في صفقة لشراء طائرة اخرى للانذار الجوي المبكر ولتطوير مشترك لمنظومات صواريخ ارض – جو مختلفة.
وبمراجعة مقتضبة لصفقات الاسلحة الهندية-الاسرائيلية  التي استعرضها تفصيلياً ايضاً الخبير "يفتاح شابير" في تقريره  الاسبق عن "الصادرات الامنية العسكرية الاسرائيلية للهند"، ا ضافة الى تلك التي عُقدت بعد اصدار الدراسة، تتوضح صورة المسار التصاعدي العلاقات العسكرية الاسرائيلية-الهندية.

1- صفقة طائرات "فالكون- اواكس" : بقيمة 1.1 مليار دولار ثمناً ل  3 طائرات بنظام رادار الرصد الجوي بعيد المدى من طراز فالكون . وتكمن اهميتها بقدرة المراقبة التكتيكية للاهداف الجوية وجمع المعلومات الالكترونية. وهو مشروع روسي – "اسرائيلي" المشترك خاص بسوق السلاح الهندية. (ينص العقد على  شراء 3 انظمة رادارية من نوع EL-M2075  المعروفة باسم فالكون من تصنيع شركة "التا" الاسرائيلية وتثبيتها على متن طائرات IL-76-TD الروسية).
2-صفقة  رادارات EL-M2083 : وقد قدرت قيمة الصفقة بحوالي  600 مليون دولار ل 4 رادارات. نشرت الرادارات على الحدود الهندية الباكستانية لرصد الخروقات الجوية من قبل الطيران الباكستاني.
3- صفقة "باراك 8 ": بلغت قيمتها 1.4 ميليار دولار. وهي منظومة دفاع جوي متعددة المهام تخدم في المجالين البري و البحري. هدف المنظومة الاساسي هو حماية المنشآت الاستراتيجية البحرية؛ وقد شاركت الهند في تطوير المنظومة الى جانب الكيان الصهيوني.
4- صفقة أنظمة "سبايدر" : قيمة الصفقة 450 مليون دولار . هي أنظمة دفاع أرض- جو للرد السريع قصير المدى. و"سبايدر" قادر على تتبع 60 هدف في الوقت نفسه و يمكنه ان يعمل في جميع الاحوال الجوية.
5- صفقة طائرات "هيرون": قيمة الصفقة 220 مليون دولار ل 50 منها. وهي طائرة استطلاع من دون طيار قادرة على الطيران لمدة 52 ساعة. وهي تغطي مساحة استطلاع واسعة من الارض. الطائرة مصممة للاستطلاع المباشر؛ كما أن لها القدرة على تحديد الاهداف بدقة عالية. وانظمتها على اتصال  بمحطة السيطرة الارضية عن طريق الموجات الكهرومغناطيسية او عبر الاقمار الصناعية.
6- صفقة صواريخ "باراك 1" :  بقيمة 144 مليون دولار. ثمناً ل 262 صاروخ "باراك 1" .  صاروخ مضاد للصواريخ البالستية للبحرية الهندية.
7- صفقة صواريخ وقواذف "سبايك" : بقيمة 400 مليون دولار ل8356 صاروخ "سبايك" موجه مضاد للدروع و 321 قاذفة صاروخ. وتستخدم صواريخ سبايك ضد الأهداف البشرية و المدرعات و الأهداف المحصنة وهي مٌجهزة بأنظمة إستشعار مزدوجة كهرو-بصرية وبالأشعة تحت الحمراء تعمل ليلاً نهاراً و في مختلف الأحوال الجوية.

الهند-ايران V/S  الهند – "اسرائيل":
لكن بالعودة إلى الدراسة الاخيرة الصادرة منذ أيام  - "على حبل دقيق "إسرائيل" والهند و إيران" -  فقد رسخّ مدير مشروع  الميزان العسكري في منطقة الشرق الأوسط  في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي مقولته الواردة في الدراسات السابقة  بأن الهند،  رغم انها أصبحت الزبونة الكبرى للصناعة الامنية الاسرائيلية، لكن علاقاتها بالجانب الاسرائيلي لم تتطور بعد  لتصبح تعاونا استراتيجيا. كما ويصعب الحديث ايضا في واقع الامر عن تعاون في جوانب السياسة الدولية.

ففي المقلب الاخر، ورغم  الهزات التي مرت بها العلاقات الايرانية الهندية بسبب ضغوط  جهات خارجية  سواء من النظام الدولي (وقرارات مجلس الامن) ام من قبل الولايات المتحدة الامريكية.  فقد بقيت العوامل العميقة الجيو- سياسية في أساس علاقات الهند بايران وتتمثل اولا في مواردها من المحروقات (10% من احتياطي النفط الخام المثبت في العالم و ما يقارب 15% من احتياطي الغاز الطبيعي المثبت في العالم). فالهند متعطشة للطاقة وسيزداد الطلب فيها مع الوقت.

تجدر هنا الاشارة إلى النفي الهندي القاطع ، منذ ايام،  للشراكة مع الكيان الصهيوني في مجال النفط.
فقد أوضحت الشركة الرسمية للنفط والغاز الطبيعي في الهند "ONGC ، بشكل قطعي، أنها لا تنوي عقد أي صفقة شراكة مع حقل "ليفياثان" الإسرائيلي في البحر المتوسط. مؤكدة أن " لا صحة لما تناقلته وسائل الإعلام عن أي تعامل مع الجانب "الإسرائيلي" بشأن هذه الإشكالية".
أما من الناحية الجيو- استراتيجية ، فالعائق الحدودي الباكستاني بين الهند ومصالحها في افغانستان لا حل له الا عبر طريق وحيد هو ايران وهي الجسر الوحيد امنيا و اقتصاديا للهند باتجاه افغانستان. كما ان موقع ايران على ساحل الخليج الفارسي  وسيطرتها على مضيق هرمز يجعلها قادرة على التهديد بوقف النقل البحري منه، في منطقة ذات أهمية كبرى للتجارة الهندية.

النفط الايراني ..يواجه السلاح الاسرائيلي
اسرائيل ابرز مصدريالسلاح الى الهند

هذا من دون ان نسقط من الحسبان القدرة البالستية لايران  وقدراتها البحرية و العسكرية المعتبرة؛ كما أن ايران ستظل الجسر الذي يصل الهند بدول وسط آسيا؛ وهي من أهم أسواق الهند التجارية.
وايران ايضاً طريق الهند البري الممكن الى شمال اوروبا الذي، رغم صعوبته  وخطره، الا انه يبقى بالنتيجة  الطريق الوحيد المحتمل.
وتخلص دراسة الخبير الصهيوني"شابير" إلى  أن " نظرة الى منظومة العلاقات بين الهند وايران ولا سيما العوامل الثابتة فيها، وهي التاريخ والثقافة والطاقة والجغرافيا، تُبين ان هذه العلاقات كانت وستظل مهمة لها أكثر من علاقاتها باسرائيل. والحقيقة ان علاقات (الهند) بايران اليوم هي في حالة حضيض مؤقتة ويجب علينا في اسرائيل ان نفهم ذلك. ستظل علاقات اسرائيل بالهند متعلقة بقدرة الهند على السير على حبل دقيق بين منظومات علاقاتها."
2015-02-02