ارشيف من :ترجمات ودراسات
الصين تتحدى الحرب الاقتصادية التي تشنها الولايات المتحدة على روسيا
الكاتب : Alex Lantier
الموقع : World Socialist Web Site
التاريخ : 29 كانون الثاني / ديسمبر 2014
في تحد مباشر للناتو وسياساته الهادفة إلى خفض قيمة الروبل وتدمير الاقتصاد الروسي، التزمت الصين بتقديم مساعدة مالية إلى موسكو.
ففي العشرين من كانون الأول / ديسمبر شدد وزير المالية الصيني، وانغ يي، على ضرورة التعاون المتبادل بين الصين وروسيا، وذلك بين ملاحظات أخرى تضمنها تقرير حول أزمة الروبل الذي انخفضت قيمته خلال هذا العام بنسبة 45 بالمئة مقابل الدولار. وأكد وانغ لي أن "روسيا تستطيع وتمتلك الحكمة اللازمة لتجاوز الصعوبات في وضعها الاقتصادي"... "وإذا ما احتاجت روسيا، فإننا سنقدم لها المساعدة الضرورية بالقدر الذي تسمح به إمكانياتنا".
وفي اليوم التالي، قال وزير التجارة الصيني غاو هوشنغ، على قناة فونيكس في هونغ كونغ، بأن بكين ستعزز علاقاتها بموسكو في قطاعات صناعات الطاقة، متوقعاً وصول المبادلات التجارية بين الصين وروسيا خلال هذا العام إلى 100 مليار دولار، وذلك بالرغم من أزمة الروبل. وفي ظل التغيرات الكبيرة لقيمة الروبل مقابل كل من الدولار أو اليورو، اقترح غاو أن يصار إلى الابتعاد عن الدولار وتمويل المبادلات الصينية-الروسية باليوآن الصيني أو الرنمينبي.
كما أكد غاو أن الصين ستركز على "عوامل أساسية كالشكل الذي يسمح لعملتي البلدين بالتكامل". كما أدلى بتصريح إلى وكالة رويتر قال فيه : "من الممكن أن يكون مستثمرو الرساميل أكثر اهتماماً بأسواق الأسهم والمبادلات الشديدة التأرجح، ولكننا سنتعاون بذهنية متوازنة وسنشجع أشكال التعاون بين البلدين في المجالات الملموسة".
ونقلت صحيفة تشاينا دايلي يوم الإثنين الماضي عن لي جيان مين العضو في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، نقلت قوله بان المساعدات الصينية لروسيا يمكن أن تمر بقنوات كـ "منظمة شنغهاي للتعاون" أو كـ "منتدى البريكس". وهذا أمر ذو دلالة لأن الولايات المتحدة وأوروبا لا وجود لهما في كل من المنظمة والمنتدى المذكورين.
وأشار جيان مين إلى أن وزيري الخارجية الصيني لي كيكيانغ، والروسي ديمتري ميدفيديف، قد التقيا الشهر الماضي، في كازاخستان، حيث وقعا اتفاقيات هامة بخصوص شبكات الخطوط الحدديدية والبنى التحتية والتنمية في المناطق الشرقية لروسيا الواقعة إلى الشمال من الصين. وقال جيان مين إن "من بين الأمور المطروحة للبحث قروضاً مالية، وتعاوناً لتنفيذ مشاريع كبرى، وشراكة في الاستثمارات في البنى التحتية المنزلية في روسيا". وفي إطار هذه الاتفاقيات، كانت الصين قد وقعت قبل أشهر اتفاقية بقيمة 400 مليار دولار لشراء الغاز الروسي تمتد على ثلاثين عاماً.
الصين
ويأتي تقديم هذه المساعدات كرد على الحرب الاقتصادية التي تشنها الإمبريالية الأميركية والأوروبية بهدف إعادة التشكيل الاستعماري الجديد لأوراسيا.
إن القوى التي يتشكل منها حلف الناتو ترد على الدعم الروسي للرئيس بشار الأسد لمواجهة الحروب بالوكالة التي يشنها الناتو على سوريا، وعلى معارضة روسيا للنظام الأوكراني المدعوم من الغرب، بالسعي إلى خنق روسيا مالياً. ففي الوقت الذي انخفضت فيه عائدات روسيا النفطية بفعل انخفاض أسعار النفط في السوق الدولية، وما ارتبط بذلك من هبوط قيمة الروبل، عمدت بلدان الناتو إلى قطع سبل الاقتراض أمام روسيا وطالبتها بالرضوخ لنظام كييف.
لقد تمت صياغة الآلية المالية التي تستند إليها هذه الاستراتيجية من قبل آندرز آسلوند، من معهد بترسون للأبحاث الاقتصادية العالمية، ونشرتها صحيفة فاينانشال تايمز في لندن. وبهذا الصدد، كتب آسلوند بأن "روسيا لم تحصل على أي تمويل دولي ذي شأن، حتى من قبل المصارف الصينية الحكومية، لأن الجميع يخشون الرقابة المالية الأميركية". فوفقاً لحسابات آسلوند، هنالك رساميل في حدود 125 مليار دولار تخرج سنوياً من روسيا، والاحتياطي الروسي من العملات الخارجية يقتصر على 200 مليار دولار، والمديونية الخارجية الروسية تصل إلى 600 مليار دولار، ما يعني أن روسيا ستستنفد احتياطيها من الدولار، وستواجه الإفلاس خلال أقل من عامين.
لكن، يبدو الآن أن الصين قد قبلت مخاطرة الدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة، وهي تتهيأ علناً لإرسال قارب نجاة لإنقاذ روسيا من الناحية المالية. فالاحتياطي الصيني من العملات الصعبة هو الأكبر في العالم ويبلغ 3،89 تريليون دولار، ويسمح للصين، أقله على الورق، بتغطية ديون روسيا بسهولة.
إن الدعوات التي أطلقها وانغ وغاو لمساعدة روسيا تحمل دلالة كبيرة لأنها جاءت بعد يوم واحد من اجتماع للاتحاد الأوروبي كان قد عقد الشهر الحالي وتخللته انقسامات حول موضوع روسيا. وبالرغم من التأييد الأوروبي للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا، إلا أن كلاً من وزير الخارجية الألماني فرانك والتر شتاينماير، والرئيس الفرنسي فرنسوا هولند، ورئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي، ما زالوا يبدون معارضة علنية للمقترحات الأميركية حول فرض عقوبات إضافية متدرجة على روسيا. كما أن صحفاً أوروبية هامة قد حذرت أيضاً من مخاطر انهيار الدولة الروسية.
وفي الوقت الذي تتم فيه دراسة كيفية الرد على أزمة الروبل من قبل النظام الصيني الذي يواجه تباطؤاً اقتصادياً وتصاعداً في الاحتجاجات الاجتماعية في صفوف الطبقة العاملة وجماهير الفلاحين، فمما لا شك فيه أن هذا النظام يخشى تداعيات أي انفجار سياسي واقتصادي قد يحدث داخل جارته الشمالية، روسيا.
إن الصراعات الاقتصادية التي تندلع بين القوى الكبرى فيما يتعلق بأزمة النفط والحروب التي تشنها الامبريالية في أوراسيا، كل ذلك يشهد على تفاقم أزمة الرأسمالية العالمية وعلى خطر نشوب حرب عالمية.
وفيما لو أقدمت الصين على مد يد المساعدة إلى روسيا، فإن من شأن ذلك أن يفاقم الصراع بين الصين والولايات المتحدة. من هنا، تسعى الولايات المتحدة إلى محاصرة الصين عسكرياً من خلال محورها الآسيوي، وعبر تحالفها مع كل من اليابان وأستراليا والهند.
والأكيد أن المخططات التي تستهدف الصين، على المستويين العسكري والاقتصادي، هي الآن قيد الدراسة في وول ستريت والبنتاغون.
ففي مقالة ظهرت قبل عام من الآن بعنوان "على الصين ألا تكرر أخطاء قيصر ألمانيا" في فاينانشال تايمز، وجه كاتبها مارتن وولف تحذيراً إلى الصين من مغبة القيام بأي عمل يمكن تفسيره بأنه إعادة نظر بمسألة الهيمنة الأميركية على العالم. وأكدت المقالة أن سياسة صينية تعيد إنتاج التحدي الذي أبداه قيصر ألمانيا تجاه الهيمنة البريطانية قبيل الحرب العالمية الأولى في العام 1914، ستؤدي إلى النتيجة نفسها، أي إلى تفجر حرب شاملة.
وإذا ما تفجرت مثل تلك الحرب، فإن الولايات المتحدة ستعمد إلى عزل الصين في مجال التجارة العالمية. كما يمكنها، بحسب وولف، أن تجمد قسماً كبيراً من الأسهم الصينية بالعملة الصعبة. ويذكر وولف أيضاً بأن احتياطي الصين من العملات الأجنبية والذي يعادل 40 بالمئة من ناتجها الداخلي الخام هو، تحديداً، محتجز خارج البلاد. ولا جدال بأن سرقة تريليونات الدولارات التي كسبتها الصين من خلال تجارتها مع الولايات المتحدة وأوروبا ستطرح مباشرة إمكانية انهيار التجارة العالمية وستمهد الطريق أمام حرب بين القوى النووية.
إن الإمبريالية الأميركية بسياساتها التي تتصاعد فيها عناصر اللجاجة والعنف تبالغ في تقدير حظوظها، ما يفقدها مصداقيتها في داخل البلاد ويغذي معارضة الدول المنافسة. وخصوصاً أن الولايات المتحدة تدفع بذلك الصين وروسيا نحو التحالف وتنقض ما غزلته خلال عشرات السنين على مستوى ما اعتبر إنجازاً ضخماً حققته الديبلوماسية الإمبريالية، أي التقارب الذي حصل عام 1972 بين الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون والزعيم الصيني ماوتسي تونغ، وهو التقارب الذي تحولت معه الصين إلى حليف للولايات المتحدة في وجه الاتحاد السوفياتي السابق.
إن كثيرين من الصينيين ينظرون إلى روسيا بصفتها الشقيق الكبير، والبلدان كل منهما مهم بالنسبة للآخر من الناحية الاستراتيجية. هذا ما يقوله جين كان رونغ العميد المشارك في جامعة رين مين مستشهداً بالدعم الذي قدمه السوفيات للصينيين خلال حربهم ضد الأميركيين في كوريا، بعد وقت قصير من وصول الحزب الشيوعي الصيني إلى السلطة عام 1949. ويضيف رونغ : "باسم المصالح القومية، يتوجب على الصين أن تعمق تعاونها مع روسيا عندما يكون مثل هذا التعاون ضرورياً".
وقد نشرت صحيفة غلوبال تايمز القريبة من الحزب الشيوعي الصيني افتتاحية الأسبوع الماضي ذكرت فيها أن روسيا هي شريك لا بديل عنه على المسرح الدولي. وأضافت : "على الصين أن تعتمد سياسة نشطة لمساعدة روسيا في الخروج من أزمتها الحالية".