ارشيف من :آراء وتحليلات
وسقطت ’القاعدة’ من سوريا
في كلمته الاخيرة في احتفال تكريمي لشهداء القنيطرة، تحدث الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن التعاون الحاصل بين جبهة النصرة ممثلة تنظيم القاعدة في سوريا وبين العدو الاسرائيلي. مشبها الجبهة «بجيش لحد السوري» في اشارة الى جيش لحد اللبناني، وهي الميلشيات المسلحة التابعة لاسرائيل التي كانت تعمل في منطقة الشريط الحدودي قبل تحريره عام 2000.
والواقع أن حزب الله يملك معطيات كثيرة عن طبيعة هذه العلاقة بين النصرة واسرائيل الا ان السيد نصر الله لم يكن بحاجة للاتيان بهذه المعلومات في ظل وجود كثير من المعلومات مما هو موثق عند الجميع سواء من معالجة جرحى هؤلاء او الزيارات المتكررة لمسؤولين صهاينة الى منطقة الجولان حيث يتفقدون هذا الجبهة ومنها زيارة رئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو.
يأتي هذا التعاون ليلقي بظلاله على كم هائل من الخطابات والبيانات والكتابات التي دأب على نشرها التنظيم كجزء من أدبياته في الحقبات الماضية، بدءا من زعيمه اسامة بن لادن وصولا الى معظم قياداته ومنظريه.
تعتمد هذه الادبيات على نزعة تبريرية تتعلق باسباب محاربة بعض الانظمة العربية معللة ذلك بان هذه الانظمة «عميلة للصليبيين واليهود»، وان واسقاطها ضروري في طريق الوصول الى بيت المقدس ومحاربة الصهاينة.
وتتردد هذه المبررات ايضا في بعض الكتابات ذات الطابع «الاستراتيجي» للتنظيم الذي يشدد مثلا في كتاب «الزرقاوي الجيل الثاني للقاعدة» بانه من الضروري الوصول الى بلاد «الشام» ليحصل التلاحم مع «العدو اليهودي».
ابن لادن والرصيد المعنوي للقاعدة
وتشير الوثائق الى ان ابن لادن وبالتوافق مع ايمن الظواهري كان قد أخذ على الزرقاوي في العراق استهدافه لفئات معينة وفق طائفتهم مخطئا الزرقاوي باستهداف مناطق باكملها بسبب تعامل البعض مع الاحتلال الاميركي، وقد بقي ابن لادن على موقفه هذا حتى تاريخ مقتله في العام 2011، دون أن ننسى ان الرصيد الهائل الذي حصل عليه ابن لادن في صفوف من يسمون بـ«الجهاديين» كان بسبب مواقفه من «الصليبيين واليهود» وبعض العمليات التي نفذت ضد الاميركيين تحديدا. الا ان التنظيم شهد نقلة كبيرة في الذهاب بعيدا في التعامل مع الصهاينة عبر جبهة النصرة وزعيمها ابي محمد الجولاني المبايع للظواهري. ومع ذلك فان هذا الاخير لم يتخذ اي خطوة في هذا الشأن.
جبهة النصرة
السياسة التي تخفي ضعفاً
ويمكن رد تجاهل الظواهري لهذا الامر الى الضعف الذي تعانيه القيادة المركزية للتنظيم والمتمثلة بايمن الظواهري. هذا الضعف تكرس أكثر مع عودة القاعدة الى اعتماد سياسة «أهل البيت ادرى بما فيه» والذي يعني عمليا الترك لكل فرع من فروع التنظيم باختيار السياسة التي يراها ملائمة للبلد الذي يعمل على ارضه.
والواقع ان هذه السياسة وان كانت صحيحة بشكل مبدئي الا انها تتعلق بتفاصيل العمل من النواحي التكتيكية دون أن يخرج الفرع عن الاطر العامة والاستراتيجية للتنظيم الام.
والظاهر ان سياسة «اهل البيت ادرى بما فيه» التي يعتمدها القاعدة منذ مدة انما تسعى لاخفاء الوهن الذي اصاب قيادته المركزية منذ اغتيال ابن لادن، ليس فقط بسبب توسع داعش على حساب القاعدة وانما ايضا بسبب الصعوبة التي يجدها الظواهري في التواصل مع باقي القيادات من جهة وبسبب تشكيك بعض «الامراء» بكفاءة الظواهري نفسه رغم مبايعتهم له.
هذا الضعف في القيادة المركزية لم يجعل جبهة النصرة تتعامل مع الاسرائيلي في سوريا وحسب بل وجدنا الامر يتكرر في اكثر من جبهة تابعة للقاعدة. حيث نرى عناصر تابعة للقاعدة ايضا في فلسطين المحتلة تتوجه للقتال في سوريا او اليمن وهي على بعد مرمى حجر من العدو الاسرائيلي. وكذلك فاننا ما نراه شريطا حدوديا او حزاما امنيا في الجولان يحمي الحدود مع فلسطين المحتلة يتكرر في شبه جزيرة سيناء حيث تقوم المجموعات التابعة للقاعدة بتوجيه سلاحها باتجاه القوى الامنية المصرية واحيانا باتجاه المدنيين معطية ظهرها للعدو الاسرائيلي.
وسقطت القاعدة من بوابة سوريا وفلسطين
لقد قال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله منذ مدة ان سوريا كانت فخاً نصبه الغرب لتنظيم القاعدة ، وقد كان يقصد بذلك انه تم الايقاع به لتصبح سوريا مركزا للتجمع بحيث يسهل توجيه الضربات له، الا انه وبعد ان ذهبت القاعدة الى حد التعامل مع الصهيوني فقد باتت سوريا فخاً مزدوجا، الاول كتجمع والثاني كسقوط لجميع شعارات التنظيم المتعلقة بمحاربة «العدو اليهودي»، وانقلاب القاعدة على شعارات مؤسسها.
ولئن كان الزرقاوي قد اسقط القاعدة في العراق عبر تحويل الحرب من حرب على المحتل الاميركي الى حرب على الشعب العراقي وفق انتمائه الطائفي، فان الحرب على سوريا قد اسقطت كامل التنظيم في فخ شعاراته من بوابة العداء لاسرائيل ونصرة القضية الفلسطينية التي ظهرت انها خارج جدول أعمال تنظيم القاعدة.