ارشيف من :ترجمات ودراسات

ما هو منظور دول أوقيانوسيا وآسيا حول تنظيم «داعش»؟

ما هو منظور دول أوقيانوسيا وآسيا حول تنظيم «داعش»؟

هارون ي. زيلين 
 "ناشيونال إنترست"
1 كانون الأول/ديسمبر 2014

في الآونة الأخيرة أتيحت لي فرصة للسفر إلى عدد من الدول الرئيسية في أوقيانوسيا وآسيا الحليفة للولايات المتحدة لمناقشة قضايا متعلقة بالعراق وسوريا وتنظيم «داعش» والمقاتلين الأجانب. وفي حين ينصب الكثير من تركيز واشنطن على دور الشركاء الأوروبيين الغربيين والعرب في الحرب، إلا أن لدول أوقيانوسيا وآسيا مصالحها الخاصة أيضاً في هذا الشأن. وقد تحدثت بوجه خاص مع مسؤولين حكوميين وباحثين أكاديميين وغيرهم في سنغافورة واليابان والصين ونيوزيلندا وأستراليا. وبينما ينظر كل بلد إلى مجموعة هذه المشاكل من خلال منظور مختلف أو مصالح مختلفة، كما ويرى كل منها درجات متفاوتة من مستويات التهديد، إلا أنه من الواضح أن الجميع قلقون ويريدون تأدية دور نشط في مكافحة هذه المشاكل.

سنغافورة

على الرغم من أن عدد قليل من المواطنين السنغافوريين ذهبوا إلى سوريا، إلا أن الحكومة تأخذ على محمل الجد احتمال توجه المزيد من المتطرفين للقتال هناك. وبالتالي، فمن بين الشؤون الأكثر إلحاحاً بالنسبة إلى سنغافورة هو تطوير برنامج أفضل لمواجهة التطرف العنيف واستراتيجية أفضل للعلاقات المجتمعية. ويحاول المسؤولون في البلاد صياغة فهم أفضل لمختلف المسارات التي تؤدي إلى التطرف بهدف المساعدة على توفير الموارد ونقاط الاتصال على الأرض للتعرف على العلامات المبكرة لتلك المسارات في المساجد والمدارس، إلى جانب التواصل مع أولياء الأمور والمعلمين والأئمة وغيرهم. ومن المخاوف الأخرى البارزة في سنغافورة، استخدام مقاتلين أجانب آخرين في شرق وجنوب آسيا لأراضي سنغافورة كنقطة عبور في طريق الأفراد إلى تركيا للوصول إلى ساحة المعركة السورية.

اليابان

هناك أعداد ضئيلة من اليابانيين الذين توجهوا للقتال في سوريا والعراق، وحتى أقل من عدد السنغافوريين الذين توجهوا للهدف نفسه. من هنا، تريد اليابان استخدام هذه الجهود العالمية التي يبذلها التحالف كطريقة أخرى للمحافظة على علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة. ومن الممكن أن تأمل اليابان أن يُرد لها الجميل في وقت لاحق إذا ما واجهت أي مشاكل مع الصين في المستقبل. وبالإضافة إلى ذلك، لدى اليابان مصالح اقتصادية ونفطية كبرى في العراق، وكذلك في مناطق أخرى كان التنظيم يحاول أن يفرض نفوذه فيها، ولاسيما في الجزائر (تنظيم «جند الخليفة في أرض الجزائر») وليبيا (تنظيم «مجلس شورى شباب الإسلام»).

ما هو منظور دول أوقيانوسيا وآسيا حول تنظيم «داعش»؟
داعش

ويتذكر المسؤولون اليابانيون تماماً ليس فقط موت العديد من مواطني بلادهم خلال هجمات عين أميناس في جنوب الجزائر قبل عامين، بل أيضاً المواطنين اليابانيين الذين قتلوا في هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. وتُساعد هذه الحوادث على وضع إطار للمخاوف التي يشعرون بها في الوقت الحالي بعد أن احتجز التنظيم أحد مواطنيهم الذي حارب في صفوف جماعة «الجبهة الإسلامية السلفية» المتمردة. وعلاوة على ذلك، فإن إلقاء القبض مؤخراً على أحد خريجي الجامعة الذي اعتنق الإسلام وحاول الذهاب إلى سوريا يدفع بالمسؤولين أيضاً إلى التفكير جيداً حول التطرف المستقبلي المحتمل لمجتمع اللاجئين من الأويغور، إلى جانب العمال المهاجرين من إندونيسيا وماليزيا وتايلاند والفلبين وباكستان. إلا أنهم في الوقت الراهن لا يقلقون بشأن هذا النوع من التهديد.

الصين

من بين جميع هذه البلدان، الصين هي الأكثر انزعاجاً من هذه التوجهات، ويعود ذلك جزئياً إلى أن البلاد قد شهدت بالفعل موجة عنف من مجتمعها الذي كان يشارك في الماضي في عالم الجهاد العالمي مع «حزب تركستان الإسلامي» في إقليم شينجيانغ والمناطق القبلية في باكستان. وتخشى الصين أن توفر سوريا سبيلاً جديداً للتجنيد والتدريب والعودة إلى البلاد لتنفيذ هجمات إرهابية محلية. ويُعتقد في هذا الإطار أن 100 شخص على الأقل قد ذهبوا إلى سوريا، ومعظمهم من الأويغور على الرغم من وجود عدد قليل من قومية الهان الصينية أيضاً. وفي ما يتعدى مجموعة من حوالي أربعين شخصاً يقاتلون في صفوف(«حزب تركستان الإسلامي في بلاد الشام»)، فإنه من الصعب التأكد من عضوية المواطنين في جماعات أخرى. وفي ما يتخطى قضية المقاتلين الأجانب، يعتقد الأكاديميون الصينيون أن عودة أعمال العنف في الآونة الأخيرة في العراق سيضر بالمشاريع الاقتصادية الحالية أو المستقبلية، سواء في قطاع النفط أو القطاعات المتصلة بصورة أكثر بالبنية التحتية، بما في ذلك بناء الطرق السريعة. ومع التوغل المتزايد "للجهاديين" إلى لبنان، يحذر العلماء أيضاً من سلامة أفراد الجيش الصيني الذين يساعدون قوة حفظ السلام الدولية على "الحدود اللبنانية- الإسرائيلية"، على الرغم من أن مسؤولاً كبيراً في الحكومة قد أشار إلى أنه يمكن أن تكون الصين على استعداد للمساعدة في مهمات تدريبية لقوات الأمن العراقية. وأخيراً، في حين يشير الإجماع إلى أنه من غير المرجح أن تنضم الصين إلى الدول الغربية والعربية في تنفيذ العمليات العسكرية، يُعتقد أن بكين مستعدة لتقديم دعم مالي أكبر للجوانب الإنسانية للتداعيات، على الرغم من أن سجلها على مدى السنوات الثلاث الماضية في سوريا يدفع إلى التشكيك في هذا الادعاء.


نيوزيلندا

من الناحية التاريخية، كانت نيوزيلندا في آخر قائمة الدول الغربية التي كان مواطنوها يسافرون إلى الخارج للقتال. وقبل قضية سوريا، كان يُعرف عن شخصين أو ثلاثة فقط شاركوا في القتال خارج البلاد في فترة تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي. وبينما تبقى الأعداد قليلة بالنسبة إلى مشاركة مواطني نيوزيلندا في سوريا (ستة إلى ثمانية أشخاص)، لا يزال المسؤولون في البلاد قلقين من رد فعل سلبي محتمل. لذلك، أوجز رئيس الوزراء جون كي خمس طرق يمكن من خلالها أن تشارك بلاده في جهود المجتمع الدولي وقوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة:

 1. تكثيف تبادل المعلومات الاستخباراتية/العمليات في التحالف الاستخباراتي الذي يشمل كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا.

 2. استخدام دورها في مجلس الأمن الدولي على مدى العامين المقبلين في محاولة لإيجاد حل دبلوماسي لبعض القضايا الإقليمية الأخرى مثل أنشطة إيران النووية والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، من أجل أن يؤدي إلى احتمال تخفيف حدة التوتر.

 3. عقد المزيد من الشراكات مع الجهات الإقليمية الفاعلة: إندونيسيا وماليزيا وغيرها من الدول

 4. تعزيز المساعدة الإنسانية للاجئين والنازحين داخل بلادهم

 5. المساعدة في بناء قدرات الحكومة العراقية الجديدة (الشرطة والمحاكم والعملية البرلمانية).

وفي هذا السياق تبرز قضية أمنية رئيسية أخرى وهي أن مسؤولاً رأى أنه يتوجب على المزيد من الأفراد في نيوزيلندا (وكذلك في أستراليا وبريطانيا) النظر فيها، وتتعلق بالمشاكل الأمنية المحتملة في الاحتفال بالذكرى السنوية المائة لمعركة غاليبولي في تركيا في عام 2015. ويتجلى القلق في أن تنظيم «داعش» قد يحاول تنفيذ عملية تستهدف الاحتفال.

 أستراليا

من بين جميع الدول التي تحدثت فيها، بدا المسؤولون الاستراليون الأكثر قدرة وفي الوقت نفسه الأكثر قلقاً، ذلك لأنهم شهدوا تاريخاً من المؤامرات والهجمات ضد بلدهم ومواطنيه. ويُعتقد في هذا السياق أن عدد الأستراليين الذين توجهوا إلى الخارج للمشاركة في قتال أجنبي يتراوح ما بين 60 و250 أسترالياً. ولا بد من الإشارة إلى جانب مثير للإهتمام: شعر الأفراد بالقلق من أنه مع كل التركيز المنصب على العراق وسوريا، يتم تجاهل جنوب وجنوب شرق آسيا، وهي مناطق أقرب بكثير إليهم. وهم يطرحون في هذا الإطار أسئلة حول ماهية القدرات التي قد يفرضها فرع تنظيم «القاعدة» الجديد،«تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية» «فرع القاعدة في شبه القارة الهندية»/«قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية»، على بقية دول المنطقة، فضلاً عن مصير القيادة المركزية لـ تنظيم «القاعدة» بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان. ووفقاً لذلك، لا يزال المسؤولون يعتقدون أن لهم مصلحة كبيرة في التعامل مع التحالف الأمريكي، وتحديداً في التواصل العسكري في العراق. كما وتأمل كانبيرا في تعزيز وترسيخ علاقات أفضل حول هذه القضايا مع إندونيسيا والفلبين وباكستان وماليزيا. وفي إطار أقرب من أراضي البلاد، فعلى الرغم من أنه من المؤكد أن قضية عودة المقاتلين الأجانب تقلق الحكومة، إلا أن المؤامرات المحلية المستوحاة من التنظيم فضلاً عن التوترات الطائفية الجماعية المحتملة تُعتبر من القضايا الأكثر إلحاحاً. وينطبق ذلك بشكل خاص في ضوء المؤامرات الفاشلة الأخيرة، إلى جانب العدد الكبير من الرعايا اللبنانيين السنة والشيعة في البلاد. ورغم أن هذه المجتمعات بقيت هادئة نسبياً، إلا أن التوترات الجماعية في ألمانيا والدول الاسكندنافية توضح أنه من الممكن أن يحدث ذلك في المستقبل في أستراليا.

المحصلة


بالإضافة إلى هذه الدول، أتيحت لي الفرصة حين كنت في سنغافورة للتحدث إلى أكاديميين أندونيسيين وماليزيين وصفوا لي المخاوف المتزايدة حول هذه القضية في بلديهما. وبالتالي، من المهم أن لا تنشغل واشنطن فقط في إشراك الأوروبيين الغربيين والعرب في هذه المشاكل. فهذه القضية تتداخل مع العديد من المواقع وذلك ليس نتيجة لتعبئة المقاتلين الأجانب فحسب، بل أيضاً حصيلة سعي التنظيم لفرض سيطرته على أراضٍ خارج العراق أو سوريا. على سبيل المثال، سبق لنا وأن شهدنا جماعات و/أو أفراد في إندونيسيا والفلبين وباكستان بايعت أبي بكر البغدادي، خليفة «داعش». ونتيجة لذلك، فإن الأمر يؤثر على معظم دول العالم، لذا لا بد من الحصول على شركاء من كافة الأنحاء. ومن المؤكد أنه لن يكون من السهل محاولة تحقيق التوازن بين مصالح مختلف البلدان وقدراتها والقيود السياسية الداخلية فيها، ولكنها محاولة تستحق العناء بالنسبة إلى واشنطن لإشراك جميع الذين هم على استعداد للانخراط في هذه المسألة بطريقة إيجابية.

2015-02-05