ارشيف من :ترجمات ودراسات

اضطراب السياسات والمصالح الأميركية في المشرق

اضطراب السياسات والمصالح الأميركية في المشرق

الكاتب : Thierry Meyssan
الموقع : Réseau Voltaire International
3 شباط / فبراير 2015

في العام 2001، اتخذ القرار بالحرب على سوريا بهدف ضرب "محور المقاومة" ولوضع اليد على الثروات النفطية وإعادة تشكيل "الشرق الأوسط الكبير". لكن الأولويات الأميركية تعرضت للاضطراب منذ ذلك الحين، وأصبح الهدف متمثلاً بوقف عدوى الإرهاب الذي تغذيه جميع الأطراف المشاركة في الحرب على سوريا والتي لم يعد أحد من تلك الأطراف قادراً على ضبطها. وعليه، فإن كلاً من المجمع العسكري الأميركي وأصحاب النفوذ في واشنطن ووسائل الإعلام الكبرى باتوا يأملون من الآن فصاعداً بانتصار سوريا وبشار الأسد.

أزمة السلطة في الولايات المتحدة


هنالك أولاً، أزمة السلطة التي تشل الولايات المتحدة وتواصل إشغال الطبقة الحاكمة. فبعد الدعوة التي وجهها، في 22 كانون الثاني / يناير 2014، الرئيس الفخري لـ "مجلس العلاقات الخارجية" إلى الرئيس أوباما وطالبه فيها بأن يحيط نفسه بشخصيات مجربة من الحزبين الديموقراطي والجمهوري، كرست نيويورك تايمز إحدى افتتاحياتها للتوقف عند تقرر نشر في تشرين الأول / أكتوبر الماضي من قبل "مؤسسة راند" ( Rand Corporation)، وهي مركز أبحاث متخصص في الشؤون العسكرية.

فقد غير هذا المركز توجهاته بزاوية 180 درجة خلال عام واحد، إذ بات يعتبر أن انتصار الجمهورية العربية السورية هو، من الآن فصاعداً، "أفضل الخيارات" بالنسبة للولايات المتحدة. أما سقوطها، فإنه "أسوأ المخارج". فالجماعات المسلحة فقدت كل ما كانت تتمتع به من دعم في مناطق المدن السورية، وأعمال الانشقاق توقفت منذ أكثر من عام، والجيش السوري يواصل تحرير البلاد. ويعتبر مركز الأبحاث المذكور أن الانتصار السوري لن يكون مفيداً لإيران طالما بقيت داعش موجودة في العراق من هنا، فإن الولايات المتحدة التي غذت الجهاديين حتى الآن ستتوقف عن دعمهم في سوريا، لأنهم باتوا عاجزين عن إسقاطها ولأن الولايات المتحدة تخشى انقلابهم عليها. وبالتالي، يصل مركز الأبحاث إلى نتيجة مفادها بأن أي حل تفاوضي تقدمه الدول المشاركة في الحرب على سوريا لم يعد مطلوباً، بل المطلوب هو انتصار حاسم لـ "النظام" السوري يكون لواشنطن حصة فيه.

اضطراب السياسات والمصالح الأميركية في المشرق
اميركا

إن التغير الجذري في موقف المجمع العسكري الصناعي لن يتأخر في الظهور. فقبل عام، كانت "مؤسسة راند" تطالب بقصف سوريا على غرار ما جرى في ليبيا وبشن هجوم بري محدود في الوقت نفسه ترافقه إقامة مناطق محمية يديرها " الثوار". أما اليوم، فإنها تقر بشكل ضمني بأن ما حدث في سوريا لم يكن ثورة بوجه من الوجوه، وبأن الأكثرية السنية التي ترددت خلال فترة طويلة في تقرير مستقبلها قد حزمت أمرها وعادت إلى دعم الجمهورية العلمانية.
إن المناخ السائد حالياً في واشنطن شبيه بذاك الذي كان سائداً في بداية العام 2006 يوم كان الجيش البري الأميركي متورطاً في أفغانستان والعراق وسط مساعي دونالد رامسفيلد لإخفاء الهزيمة. يومها، قام الكونغرس بتشكيل لجنة بيكر-هاملتون التي درست الوضع، طيلة ثمانية أشهر، ووصلت إلى نتيجة مفادها أن الولايات المتحدة لن تستطيع إعادة الاستقرار إلى البلدين اللذين تحتلهما إلا بالحصول على مساعدة من إيران وسوريا. وكانت صورة الوضع العسكري التي قدمتها اللجنة مخيفة إلى حد جعل الولايات المتحدة تعاقب جورج دابليو بوش في الانتخابات النصفية. عندها، ضحى بوش برامسفيلد واستبدله بأحد أعضاء اللجنة وهو روبرت غيتس. وقد لجأ وزير الدفاع الجديد إلى عقد اتفاقات ميدانية مع طهران ودمشق وقدم إغراءات للتنظيمات الأساسية في المعارضة العراقية (الجزرة) ورفع عديد القوات العسكرية المتواجدة على الأرض (العصا) بهدف فرض الاستقرار.

تطورات الوضع السعودي

وهنالك ثانياً، ما يجري في السعودية. فالملك الجديد، سليمان، حاول في البداية إبعاد جميع مناصري سلفه، ووصل إلى حد إقالة الأمير متعب والأمين العام للقصر قبل مضي ساعتين على وفاة الملك عبد الله. لكنه تراجع عن قراره بعد أن زاره سيده الأميركي لتقديم واجب العزاء. وفي النهاية، فإن الأمير متعب هو الوحيد الذي تم الاحتفاظ به بين شخصيات العهد السابق، في حين جرى استبعاد الأمير بندر. والمعروف أن بندر كان يدعم داعش بمشاركة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ويمارس الضغط على الملك عبد الله لصالح السديريين.

ومن المرجح أن يكون إبعاد بندر الذي تم بضغط من الرئيس أوباما إشعاراً بنهاية الاحتضان السعودي للإرهاب العالمي. ويبدو أن عملية إبعاده هذه، وهي الرابعة من نوعها، لن تؤول إلى إعادته إلى النشاط مجدداً.
ففي العام 2010، تم إبعاده لأنه حاول تدبير انقلاب على الدولة، لكنه أعيد لأسباب تتعلق بالحرب على سوريا.
وفي العام 2012، تعرض لمحاولة اغتيال رداً على التفجير الذي استهدف أعضاء في مجلس الأمن القومي السوري. لكنه عاد إلى العمل متعباً ومهووساً بعد غياب استمر لعام كامل.

وفي العام 2014، طلب جون كيري إبعاده مجدداً، لكنه عاد إلى مقدم المسرح لأسباب تتعلق بالأزمة في مصر.
والآن، تم إبعاده من قبل معسكره بالذات، الأمر الذي لا يمنحه أفقاً لعودة جديدة على المدى القريب والمتوسط.

بين حزب الله وإسرائيل

وهنالك ثالثاً، الهجوم الإسرائيلي على حزب الله ورد الحزب على هذا الهجوم، وخصوصاً ما كشفه ذلك من ضعف يعاني منه بنيامين نتنياهو في عز الفترة الانتخابية. فقد كان رئيس الوزراء الذي اشرفت فترة رئاسته على نهايتها يتمنى أن يعجز حزب الله عن الرد على العدوان وأن يشكل ذلك انتصاراً للإسرائيليين في هذه المواجهة. ولكن خطأه في الحساب قد يكلفه منصبه، وهذا سيعجب البيت الأبيض الذي لم يعد يخفي انزعاجه منذ مدة طويلة إزاء تعصب نتنياهو.
من هذه التطورات في واشنطن والرياض، وربما غداً في تل أبيب، يمكننا بكل عقلانية أن نستخلص أن الولايات المتحدة ستركز جهودها خلال الأشهر القادمة على إبعاد داعش عن المشرق والإلقاء بها خارج منطقة نفوذها للعمل ضد كل من روسيا والصين.
أما السعودية، فإنها ستسعى إلى إنقاذ نفوذها في البلدين المجاورين، البحرين واليمن، مع مد يد العون إلى الخاسر الأكبر في الحرب على سوريا، أي إلى الرئيس رجب طيب إردوغان الذي صممت واشنطن على إسقاطه. وهذا التطور سيكون بطيئاً إلى حد ما وسيرتبط بنتائج الانتخابات في تل أبيب. وبالرغم من تحول “الجهاديين” إلى خطر على استقرار جميع دول المشرق، بما فيها إسرائيل، فإن بإمكان نتنياهو، في حال فوزه، أن يستمر في وضع سلاحه الجوي ومستشفياته في خدمتهم. لكن من الصعب أن نتخيل أنه سيستمر في ذلك عندما تبدأ جميع بلدان المنطقة بمحاربتهم. أما في حال فشله، فإن خليفته سيتعاون بقوة مع الولايات المتحدة ضد “الجهاديين”.
ومرة أخرى، فإن دمشق، أقدم مدينة مأهولة في العالم، ستتخلص من الهمج الذين سعوا إلى تدميرها.
2015-02-09