ارشيف من :آراء وتحليلات
فقهاء داعش: من الصدّامية الى ابن تيمية
«أما إذا كان في التمثيل الشائع دعاء لهم إلى الإيمان أو زجر لهم على العدوان فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد المشروع». بهذا النص لابن تيمية حاول تنظيم داعش تبرير جريمته بحرق الطيار الاردني معاذ الكساسبة.
لقد اعتاد التنظيم على قتل المختطفين لديه عبر قطع الرؤوس، لكنه هذه المرة اختار الحرق كاسلوب، في تطور بارز يدفع بالعنف الى مستويات عالية لناحية التفنن بالقتل، في مسعى منه لتحقيق بعض اهدافه المتعلقة باثارة الرعب واظهار « الغلظة» التي تقع في صلب استراتيجيته التي أثارت حتى حفيظة الجماعات التي تحمل نفس الفكر كتنظيم القاعدة.
لم يعتد داعش عندما ينشر مشاهد قتله واعداماته ان يذيل عمله بفتوى تبرره، ما يشير بوضوح انه يعلم تماما ان عمله الأخير هذا سيثير الكثير من اللغط والاستنكار، فعمد الى تضمين الفيلم فتوى من ابن تيمية، كما ان هذا الارفاق يشي ان التنظيم يسعى لمخاطبة محازبية اولا ومن يحمل فكر ابن تيمية ثانيا، لا كل المسلمين فضلا عن غيرهم.
وعلى اي حال فقد بات معلوما ان معظم كوادر داعش هم من مخلفات جيش صدام حسين واجهزة استخباراته. وهي اجهزة احترفت اساليب تعذيب وقتل بشعة لم تكن تقتصر فقط على دفع المعتقل لشرب ماء النار او وضعه على صفيح معدني قد اشعلت النار تحته، بل تعدته الى سلخ جلده حيا والى ابعد من ذلك مما يمكن لعقل اجرامي ابتكاره.
داعش
العسكريتاريا الداعشية
يأخذ تنظيم القاعدة على داعش ان الاخير لا يملك منظرين فكريين، أو «علماء» معتبرين، ومن هذه النقطة تحديدا شن هجومه عليه وعلى اعلان خلافته وانها باطلة بسبب عدم وجود «اهل الحل والعقد» في صفوفه. ويبدو هذا الكلام صحيحاً اذ لم يبرز في صفوف داعش اي شخصية علمية معتبرة مما يطلق عليه اسم «السلفية الجهادية»، ما جعل تنظيم داعش تنظيما عسكريا وامنيا بحتاً لا غطاء شرعيا له من قبل « مشايخ وعلماء» هذه الجماعات. ويمكن للمتابع لداعش ان يلحظ افتقار اصداراته لكتب معتبرة عند «اهل الحل والعقد» بين صفوف ما يسمى «بالجهاديين»، في وقت يركز فيه التنظيم على عنصر التعبئة «الثورية» من بيانات واصدارات صوتية او مرئية لعملية الاستقطاب اضافة الى دور المال وعنوان «الخلافة الاسلامية» الجذاب.
البصمات الصدامية
والواقع ان بصمات حزب البعث العراقي وجيشه واستخباراته يمكن ملاحظتها بسهولة في اساليب عمل التنظيم، ليس فقط في اساليب القتل بل ايضا في اساليب الهجمات العسكرية والتجنيد الامني والاغتيالات واقصاء المخالفين والمعارضين، مع اضافة لمسة «اسلامية» عليها تسعى لشرعنتها.
ومن هنا يبدو تزاوج داعش مع البعث العراقي اشبه بتزاوج الوهابية مع آل سعود. حيث اعطت الوهابية لآل سعود غطاء شرعيا لطموحات التوسع والاغارات، في مقابل حصول الوهابية على بناء دولة دينية وامتيازات مالية، وحرية عمل لنشر دعوتهم، وهكذا تحولت عمليات سلب النجديين الى جهاد في سبيل الله يحققون من خلاله المكاسب ، كذلك الامر بين داعش «والصدّامية». فقد وجد داعش في هؤلاء عنصرا داعما له قد يحقق له امتدادا ما في بعض عشائر العراق، ويعطيهم عناصر تملك خبرة امنية وعسكرية، في مقابل حصول «الصداميين» على امتيازات خسروها بعد سقوط رأسهم، ويضفي على عمليات قتلهم وانتقامهم من الشعب العراقي بعداً شرعياً.
وهكذا وجد «الصداميون» في داعش فرصة مؤاتية لاستمرار عملهم، فتحولوا من ضباط عسكريين وامنيين الى فقهاء وامراء «جهاديين»، كانوا يقتلون باسم البعثية العراقية، واليوم يقتلون باسم « السلفية الجهادية». إنهم فقهاء داعش كانوا يفتون باسم «الصدامية» واليوم يفتون باسم ابن تيمية.