ارشيف من :آراء وتحليلات
’إسرائيل’ والتطرف الأوروبي: وجهان لعنصرية واحدة ضد الاسلام
منذ أيام اعلن عن توقف مجلة "شارلي ايبدو" عن الصدور مؤقتا. وكانت مجلة الأعمال الهولندية “كووت” قد كشفت أن أشهر وأغنى العائلات اليهودية “روتشيلد” ، قد اشترت “شارلي إيبدو” قبل حوالي شهر من وقوع الهجوم، أي في شهر كانون الأول 2014.
وكان لآل “روتشيلد” صلات متشعبة بالسياسيين والإعلاميين، وكان لأموالهم تأثير على هؤلاء، حتى قال الشاعر الألماني “هاينرش هاينه” فيهم: “المال إله عصرنا، وآل روتشيلد هم رسله”، ومن يومها تم إطلاق لقب "رسل المال" على العائلة .
وكان الهجوم الدموي على "تشارلي ايبدو " في العاصمة الفرنسية، قد شكل صدمة للفرنسيين خاصة ولأوروبا عامة .
إن السبب "السطحي" و"المباشر للهجوم كما بدا للعيان حتى الآن" كان تكرار نشر الصحيفة الساخرة رسوما كاريكاتيرية مسيئة للأديان بوجه عام وللدين الإسلامي على وجه التحديد.
ومن المفارقات أن الصحيفة خرجت فى عددها الاخير بعنوان رئيسي ساخر يقول: "توقعات المنجم فى عام 2022 أصوم شهر رمضان!" وذلك فى إشارة إلى مخاوف التيار اليميني الفرنسي المتطرف من إنتشار الإسلام والمسلمين فى البلاد.
كما تزامن مع صدور رواية مثيرة للجدل بعنوان "الاستسلام" لمؤلفه ميشال ويلبيك الذي يتصور فيه فرنسا وقد وضعت تحت حكم رئيس مسلم عام 2022 .
وهذا التوتر والقلق في الأجواء العامة سيؤدي الى ازدياد الشعور العنصري المعادي للعرب والمسلمين المتضررين قبل غيرھم من جريمة تصب مياھا كثيرة في طاحونة اليمين المتطرف المتحفز لتسلم السلطة في الانتخابات المقبلة.
هذه "المجزرة" بحق صحيفة ربطها البعض بسياسة فرنسا الخارجية حيث تقف باريس في الصفوف الأمامية وتنخرط في عمليات واسعة تمتد من مالي وشمال إفريقيا الى العراق وسوريا، بالاضافة الى حالة "داعش" ودورھا في التعبئة والتحريض والحض على شن ھجمات ضد "الصليبيين" أينما وجدوا خصوصا في البلدان التي انضمت الى التحالف الدولي.
فالعملية الإرھابية ھي على مستوى المجتمع والرأي العام في فرنسا أكثر من صدمة وأقل من زلزال يمكن تسميتها بانها"ھزة عنيفة" لن تمر من دون سجالات ومضاعفات وتحوّلات وأثمان، فقد تم توجيه اصابع الاتهام وتحميل المسؤولية الى وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية والاستخباراتية وتحميلها مسؤولية الاخفاق والتقصير، فلم يقتصر الأمر على عدم اكتشاف مسبق لھذه المجموعة وإنما على عدم مطاردتھا وعدم التوصل إليھا بعد تنفيذ "مجزرة جماعية" في وسط باريس وفي وضح النھار...
يضاف عليه خطر وقوع اعتداءات وردود فعل ضد المسلمين في فرنسا على غرار ما شھدته الولايات المتحدة بعد ھجمات 11 أيلول، وصعود اليمين المتطرف مع ازدياد مشاعر الكراھية والتوتر الأمني والنفسي وھذا يصب في خدمة الجبھة الوطنية التي تدعو الى فتح ملف الھجرة والإرھاب والتطرف على مداه وتلصق كل ذلك بـ"الإسلام".
"الإسلاموفوبيا"
ما حدث يعزز "رھاب الإسلام" و"الإسلاموفوبيا" ليس في فرنسا فقط وإنما في كل أوروبا التي لم تتأخر في التنديد والتضامن مع باريس وفي رفع درجة الاستنفار والتأھب الأمني، وهو جارٍ في اتجاھين خطيرين: خطر وقوع عمليات إرھابية من إسلاميين متطرفين متأثرين بدعاية "داعش"، وخطر وقوع اعتداءات ضد المسلمين مع تصاعد أصوات يمينية متطرفة ضد المسلمين. وبينما بات شعار "اقتلوا كل المسلمين" من أكثر الشعارات ترويجا على "تويتر"، في بريطانيا اعتبر نائب رئيس حزب البديل من أجل ألمانيا (حزب يميني متطرف في ألمانيا) ألكسندر جاولاند، الھجوم الذي استھدف مقر المجلة الفرنسية الساخرة مبررا لوجود حركة بيجيدا "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب".
مجلة شارلي ايبدو
وبدأت مشاعر الكراھية للمھاجرين المسلمين تستقطب شعبية واسعة من شأن ترسخھا، القضاء على انفتاح المجتمعات الأوروبية ما يحض على الكراھية بما يؤدي الى تقسيم المجتمع .
فرنسا التي تضم كبرى الجاليات المسلمة في أوروبا، شھدت إقبالاً استثنائيا على كتاب الصحافي إريك زيمور "الانتحار الفرنسي "الذي يتناول شعور الفرنسيين بالإحباط إزاء أوضاع بلادھم "بحجة وجود شعب في قلب شعب آخر".
وفي حديث إذاعي أحدث ضجة كبيرة في فرنسا، حذر ھذا الصحافي من أن "ھذا الوضع سيقودنا إلى الفوضى والحرب الأھلية"، معتبراً أن الحل ھو ترحيل خمسة ملايين فرنسي مسلم ووضعھم على البواخر وطردھم .
دخلت فرنسا في أتون "المساءلة والمحاسبة" حول ثغرات كبيرة في السياسة والإجراءات الأمنية . بالاضافة الى نقاشات عميقة وخطرة تتناول ھوية فرنسا الثقافية وحتى الدينية، وتتعلق بالھوية الوطنية إجمالا، وأنھى حقبة الانفتاح ، وأفاد اليمين المتطرف الذي سيكون القوة الشعبية الصاعدة في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة مدفوعا بموجة شعبية اجتماعية داخلية انغلاقية ومتشددة لن يتمكن اليسار الفرنسي من صدھا واحتوائھا.
وما حدث أدى بالتالي الى طرح وضع المسلمين في فرنسا، الدولة الأوروبية الأولى في عدد المسلمين على أرضھا (يفوق ال 6 ملايين)، وتعود خطورة ما حصل الى أن الفاعلين ھم فرنسيون من أبناء المھاجرين من الجيل الثالث ، ولدوا فرنسيين على أرض فرنسا ولم يفدوا إليھا حديثا.
اليهود خائفون
يضاف عليهم وجود اليھود في فرنسا (مليون يھودي كحد أقصى) خائفون من التطرف الإسلامي وأن يكونوا ھدفا رئيسيا وجاذبا له.
فاليمين الفرنسي المتطرف، واليمين الإسرائيلي المتطرف يتقاطعان في الإفادة الى أقصى حد من الإرھاب المستجد وفي الدفع الى حلول جذرية: اليمين الفرنسي يريد فرنسا من دون مسلمين ويذھب الى حد الإعلان عن فشل اندماجھم في المجتمع الفرنسي والمطالبة بترحيلھم.
واليمين الإسرائيلي يريد فرنسا من دون يھود ويذھب الى حد تحريض اليھود على الھجرة الى إسرائيل ومغادرة فرنسا التي لا تحميھم ولا يشعرون فيھا بالأمان...
هذا الشعور بالعداء للاسلام والمسلمين داخل المجتمعات الاوربية مهدت له اسباب عدة منها:
زيادة عدد المسلمين بشكل تصاعدي نتيجة الھجرة المتكررة من العالمين العربي والإسلامي الى بلدان أوروبا بسبب الحروب والأزمات الإقتصادية والإضطھاد السياسي، ما ولد استياءً من تنامي الوجود الإسلامي في أوروبا.
يضاف عليه دور وسائل الإعلام اليميني التي استفادت من ثورة المعلومات وسرعة نشرھا، فأخذت في نشر ثقافة الخوف من الإسلام وبث الكراھية بحق العرب، مشوّھة الإسلام ومحرضة على المسلمين.
فأوروبا اليوم تجد نفسها بين خيارين لا ثالث بينهما، وفي الحالتين هو مر، فالخيار الاول: هو اتخاذ سياسة إقصائية تھميشية ضد المسلمين والسماح بإھانتھم والنيل من مقدساتھم ومساجدھم، ما يفجر شعوراً مناھضاً لھم .
والخيار الثاني: الصمت على تنامي ھذا الحضور الإسلامي وتركه يصبح رقماً حتى داخل البرلمانات والحكومات .
وفي أجندة الاتحاد الأوروبي مساع الى إعادة تصويب الأمن الداخلي وسط التركيز على سلسلة معطيات، منھا: مواصلة تطوير فاعلية نظام المعلومات "شنغن"، وتعزيز الإطار القضائي الجنائي، وتعزيز التعاون بين "الأوروبول" وباقي الأجھزة الأوروبية و تعزيز التبادل الاستخباراتي على المستويين الأوروبي والدولي .
وقد تم وضع صندوق للأمن الداخلي في أوروبا بموازنة قدرھا 8،3 مليارات أورو.
وقد اقترحت الأجهزة الاوروبية آلية جديدة لمكافحة الارهاب تتمثل في الدعاية المضادة للجماعات "الجھادية" عبر وسائل الاعلام و التواصل الاجتماعي ومراقبتھا وإغلاق حسابات "الجھاديين" ، وتبادل المعلومات مع دول المنطقة حول المقاتلين الأجانب في العراق وسوريا واليمن وشمال إفريقيا ، وضبط نشاط الجمعيات الإسلامية في أوروبا ،و تقديم بيانات المسافرين من قبل خطوط الطيران الى أجھزة الأمن والاستخبارات ، و فرض إجراءات جديدة في حق اللجوء والإقامة للأجانب ، و اتخاذ إجراءات استباقية استخباراتية في تعقب المشتبه بھم واتخاذ إجراءات تنفيذية ضدھم ، و إعادة النظر في موضوع التعبير عن الحرية الشخصية ، و سحب جوازات السفر من المشتبه بھم.
تبدو اوروبا حائرة بين أن تتمسك بقيمھا الديمقراطية، أو أن تقلد الأميركيين في سلوكھم بعد أحداث 11 أيلول 2001 ، بالنظر إلى كل مسلم كمشروع إرھابي متطرف. وفي كل الحالات اوروبا ضحية العنصرية الاسرائيلية واليمينية التي تحرض ضد الإسلام من جهة ومن جهة أخرى تشجع على هجرة اليهود من اوروبا الى إسرائيل.