ارشيف من :آراء وتحليلات

الامام الخميني والثورة الاسلامية.. بين انجازات الامس وتحديات اليوم

الامام الخميني والثورة الاسلامية.. بين انجازات الامس وتحديات اليوم

في حديث جانبي على هامش احد مؤتمرات الوحدة الاسلامية في العاصمة الايرانية طهران قبل سنوات قال مفكر اسلامي من شمال افريقيا، وهو يحلل ابعاد ومضامين الثورة الاسلامية الايرانية والدور التأريخي لزعيمها الامام الخميني: "ان البعد الثقافي – الاجتماعي للثورة الاسلامية اهمل الى حد ما على حساب البعدين السياسي والفكري ما جعل الثورة تبدو للبعض وكأنها تحول في السلطة السياسية ليس الا".

وكان من بين ما جاء في المداخلات على كلامه هو "ان الثورة الاسلامية واجهت ومنذ وقت مبكر جملة تحديات خطيرة ساهمت في تسليط الاضواء على البعدين السياسي والفكري اكثر من البعد الثقافي – الاجتماعي ، وقد تمثلت تلك التحديات بجملة احداث ووقائع وتداعيات، لعل ابرزها كان الحرب التي شنها النظام العراقي ضد ايران بدفع وتشجيع وتمويل من قوى دولية واقليمية واستمرت ثمانية اعوام في محاولة للقضاء على الثورة، وكذلك الحملة الشرسة التي تبنتها وسائل الاعلام والاوساط الفكرية في الغرب على ايديولوجية الثورة، حيث حاولت تصويرها على انها ايديولوجية تقوم على الارهاب والعنف والتطرف" الى جانب من قال: "ان البعدين السياسي والفكري ينطويان في كل الاحوال على بعد ثقافي – اجتماعي يمكن لمن يقرأ الواقع والخطاب المطروح قراءة دقيقة وموضوعية ان يدرك ويشخص ذلك، وخصوصا التراث الفكري والثقافي والسياسي الذي تركه مفجر الثورة " .

الامام الخميني والثورة الاسلامية.. بين انجازات الامس وتحديات اليوم
الثورة الايرانية

ولا شك فإن تحليل ماهية المفردات والمفاهيم التي جاءت بها الثورة واجراء مقاربات بينها وبين مفردات ومفاهيم منظومات ثقافية وفكرية اخرى يمكن له ان يساهم في اجلاء الجانب الآخر من صورة الثورة الذي لم يكن واضحا بما فيه الكفاية للذين كانوا يراقبون التفاعلات من بعيد ولم تتح لهم الفرصة للاقتراب من مسرح الاحداث، ولكن في نفس الوقت فإن قراءة فكر الامام الخميني يمكن ان يساهم الى حد كبير في استجلاء صورة الواقع بدقة ووضوح .

الامام الخميني .. وخطاب التغيير

فالمتابع او الباحث لا يمكن له ان يقف على حقائق الثورة الايرانية ويشخصها بدقة ما لم يتوقف عند الخطاب المتعدد الابعاد والجوانب الذي تبناه الامام الخميني منذ الانطلاقة الحقيقية لحركته الشاملة باتجاه التغيير في عام 1963 وحتى وفاته في عام 1989.

إذ إن هذا الخطاب بإطاره العام الشامل يتيح فهم الابعاد والمضامين الحقيقية للثورة الاسلامية الايرانية، ويخرجها بالتالي من حالة الاختزال السياسي – الفكري ، لا سيما وان الجانب الثقافي والاجتماعي في ذلك الخطاب شغل حيزا كبيرا.

وفي ذلك يقول الباحث كامل الهاشمي في كتابه الموسوم (اشراقات الفلسفة السياسية في فكر الامام الخميني)، "بالاستناد الى الاهمية التي تكون للثقافة والاعلام في علاقتهما بالسلطة ما كان بالامكان ان يغفل الامام الراحل وهو الرجل ذو الحس السياسي المرهف والوعي الاجتماعي المستوعب هذه الاهمية ، لا سيما ان الامام الراحل قد شاهد ووعى كيف يتلاعب الاعلام المعادي بالحقائق والمواقف في ما تبناه من موقف تجاه الثورة الاسلامية التي قادها الامام نفسه" .

ويضيف في موضع اخر قائلا: "والامام يدرك تمام الادراك ان الثقافة غدت قيمتها وفاعليتها وموقعيتها في عصرنا الراهن تتأسس بالاستناد الى الدعم الاعلامي الذي تمثل امكانياته المتطورة او المتخلفة المقياس العملي في نشر ثقافة ما وتوسيع نطاق تأثيرها، او في منع ثقافة اخرى وتضييق مجال نفوذها" .

الامام الخميني والثورة الاسلامية.. بين انجازات الامس وتحديات اليوم
الامام الخميني

"ولقد كان الامام يستشعر الاسى والمرارة من استخدام الاعلام في ترويج الافكار المنحطة والثقافة المبتذلة وقلب الحقائق وتزييف الواقع، وهي المظاهر التي غدت تسم اكثر ما تقدمه وتبثه وسائل الاعلام في عصرنا الراهن مما جعل منها وسائل فعالة في التغطية والتعمية على انسان العصر" .

ومن الواضح ان الامام كان يتناول بالتحليل الدقيق في معظم الاحيان مخاطر وتحديات القيم الثقافية والاجتماعية المبتذلة والمنحطة المستوردة من الغرب التي عمل النظام الشاهنشاهي على بثها وترويجها في اوساط الشعب الايراني المسلم بأشكال واساليب ومناهج مختلفة، ومن خلال قنوات التثقيف والتوعية الاجتماعية المتمثلة بالمدارس والجامعات ووسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وحتى الكيان العائلي، ويعتبر ان عملية التغيير اذا اقتصرت على تغيير السلطة السياسية في القمة فقط ولم تكن عملية تغيير شاملة وكاملة فإن ذلك يعني ابقاء الحال على ما هو عليه بكل ما يشتمل عليه من مساوئ وسلبيات، لذلك فإن منهجه كان يقوم على اساس القضاء على كل المظاهر والظواهر الخاطئة بعناوينها المتعددة، بتعبير اخر كان الامام القائد يهدف الى اصلاح الفرد ليكون ذلك مقدمة لاصلاح وبناء المجتمع بناء سليما ورصينا ومحكما .

مظاهر متعددة للبناء الاجتماعي

ولعل عملية البناء الاجتماعي الجديد اتخذت اشكالا مختلفة التقت كلها عند نقطة واحدة، فمثلا جرت اعادة النظر بصورة شاملة بمحتوى ومضمون ما تبثه وسائل الاعلام المرئي والمسموع والمقروء ولكن بصورة تدريجية حتى لا تتولد ردود فعل سلبية او تقوم بعض الجهات بتوظيف بعض الهفوات والاخطاء لتحقيق اهداف خاصة. وتم كذلك وضع خطط علمية وصياغة مشاريع شاملة لاساليب ادارة المدارس والجامعات وتشخيص دورها في عملية البناء الاجتماعي الجديد من خلال المناهج العلمية الموضوعة التي من المفترض ان تعكس جوهر الثقافة الاسلامية الاصيلة بعيدا عن الثقافات الغربية والشرقية الوافدة، وكذلك تم تشكيل مؤسسات ومراكز ذات طابع ثقافي – فكري – اجتماعي من قبيل منظمة الاعلام الاسلامي ومؤسسة الفكر الاسلامي، اضافة الى ذلك اعطاء الحوزة العلمية دورا اكثر فاعلية وحيوية في التوجيه والتثقيف وبث الوعي .
2015-02-13