ارشيف من :آراء وتحليلات
من يقف وراء الاضطرابات الأخيرة في الجنوب التونسي؟
شهدت تونس الخارجة لتوها من مرحلتها الانتقالية الطويلة والتي انتخبت منذ أسابيع معدودات مجلسها النيابي ورئيس جمهوريتها لخمس سنوات قادمة، اضطرابات بمناطق الجنوب الشرقي الحدودية المتاخمة لليبيا. اضطرابات تمخضت عنها إصابات في صفوف المواطنين ورجال الأمن وكذلك حرق لمراكز أمنية حدودية متقدمة بالإضافة إلى سقوط قتيل في صفوف المتظاهرين.
كما تم إخلاء هذه المناطق من رجال الأمن والحرس الوطني لينتشر الجيش بدلا عنها في مشهد شبيه بأيام الانفلات التي تلت هروب زين العابدين بن علي من تونس ذات شتاء بداية سنة 2011. وبدوره أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل عن إضراب عام بولايتي مدنين وتطاوين اللتين يقع فيهما معبرا رأس الجدير والذهيبة اللذين يربطان تونس بجارتها الملتهبة ليبيا، وذلك تضامنا مع مواطني الجهة الذين رفعوا مطالب اجتماعية.
المعاملة بالمثل
وتعود أسباب هذا الاحتجاجات بحسب البعض إلى إتاوة فرضتها الدولة التونسية على القادمين والمغادرين للتراب التونسي من الأجانب ما جعل الجهات المسيطرة على المعابر الحدودية من الجانب الليبي وفي إطار المعاملة بالمثل تفرض الإتاوة ذاتها على التونسيين. ويقتات أغلب سكان المناطق الحدودية من التجارة الموازية والتهريب بين البلدين ويتكرر دخولهم وخروجهم بين البلدين في اليوم الواحد ما جعلهم أشد المتضررين من هذه الإجراءات التي كان الهدف منها توفير مداخيل إضافية لخزينة الدولة التونسية.
احتجاجات في تونس
وبحسب مصادر، فإن الحكومة التونسية قررت إلغاء العمل بهذه الضريبة التي عارضتها جهات عديدة خشية من تأثيرها السلبي على الجذب السياحي، ودعا البعض حتى إلى إعفاء مواطني المغرب العربي منها باعتبار كثرة الوافدين من هذه البلدان على الخضراء. كما تنقل وزراء من الحكومة التونسية الجديدة إلى عين المكان للاستماع إلى مطالب المحتجين تجنبا لتطور الأمور ووصولها إلى حد تصعب السيطرة عليه.
الأسباب الحقيقية
ويرى البعض أن الأسباب الكامنة وراء الاحتجاجات لا علاقة لها بهذه الإتاوة باعتبار أن هذه الأتاوة فرضت منذ سنة وأن حكومة المهدي جمعة السابقة هي التي فرضتها ولا علاقة للحكومة الجديدة التي عقدت أولى اجتماعاتها منذ أيام معدودات، بها. كما أن أهالي المناطق الحدودية لم ينتفضوا في السابق وقبلوا بالضريبة ولم يتحركوا إلا مؤخرا للتنديد بها، بالتزامن مع تسلم الحكومة الجديدة لمهامها.
وتعتبر هذه المناطق قاعدة انتخابية هامة لحركة النهضة وخصوصا لجمهورها الغاضب من تحالفها مع حركة نداء تونس والذي صوت أغلبه للرئيس المؤقت السابق محمد المنصف المرزوقي خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة. لذلك لا يستبعد بعض المحللين ضلوع أنصار المنصف المرزوقي في هذه الاحتجاجات للتشويش على الحكومة الجديدة خاصة وأن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي يرأسه المنصف المرزوقي سارع إلى إدانة العنف المسلط على المتظاهرين من قبل رجال الأمن في بيان شديد اللهجة.
فجر ليبيا
كما يرى البعض أن لجماعة فجر ليبيا، التي تسيطر على الجزء الغربي من الأراضي الليبية المتاخم لتونس، علاقة بما يحصل في الجنوب التونسي. حيث تضغط هذه الجهة، التي تضم تنظيمات إخوانية وتكفيرية، والتي لها علاقات مع أطراف تونسية، طلبا في اعتراف الحكومة التونسية بها كممثل شرعي ووحيد للشعب الليبي في مواجهة الفريق المقابل، أي برلمان وحكومة طبرق المدعومين من قوات اللواء خليفة حفتر صاحب عملية الكرامة.
قوات فجر ليبيا
ويذهب البعض أيضا الى اتهام حركة النهضة بالضلوع في هذه الأحداث رغم مشاركتها في الحكومة، وذلك لكي تضغط على الحكام الجدد من أجل منح المنتمين إليها مناصب هامة تتعلق بالأساس بـ"الولاة" (المحافظين) وحتى المعتمدين (القائم مقام). فيما يحمل البعض المسؤولية للجبهة الشعبية اليسارية متحججين بمشاركة الاتحاد العام التونسي للشغل في هذه الإضرابات من خلال دعوته إلى الإضراب العام..