ارشيف من :حزب الله
عندما يصبح الجهاد تَرِكة تتوارثها الأجيال
تأتي ذكرى الشهداء القادة لهذا العام في وقت تظهر فيه جلية حالة التخبّط والفراغ الريادي الذي يعاني منه عدد من الأحزاب والكيانات السياسية والاجتماعية في البلاد. وفيما يضرب الجفاف منابع الزعامات التاريخية لدى بعض البيوتات السياسية، وتستعد أخرى لتوريث المناصب، تجدّد المقاومة شبابها مقدّمة الجيل الجديد من القادة الشهداء على مذبح الوطن والقضية.
تتجدّد الذكرى، ومعها تتجدّد خيبة المراهنين على أفول نجم المقاومة وجفاف منابعها. ستتكرّر هذه الخيبة في كل عام، خاصة وأن المقاومة أصبحت مدرسة تخرّج القادة على أسس متينة عمادها البنية الذاتية للقائد ـ القدوة، من جهة، والدفع المعنوي والإيماني للقضية التي يحملها أبناء المقاومة وشعبها، من جهة ثانية. وعليه، فإن "مُنتَج" المقاومة هو محلي ابن بيئته الشعبية والثقافية، غير "مستَورَد" من الخارج و"مُبَرمَج" وفقاً لأهداف الرعاة الرسميين.
بالنظر الى سِيَر القادة الثلاثة أصحاب الذكرى، الشهيد الشيخ راغب حرب، والشهيد السيّد عباس الموسوي، والشهيد القائد عماد معنية، نجد أنهم خرّيجو بيئة شعبية قاومت الفقر والعَوَز بالتوازي مع مقاومتها للإحتلال والعدوان الإسرائيلي الممتد، ومعاصرو حقبة زمنية كثرت فيها الزعامات والإقطاع السياسي والمالي والإجتماعي، إنْ على الساحة اللبنانية بشكل عام، أو داخل ساحتهم وبيئتهم بشكل خاص. عمل القادة الثلاتة في ظل تأثير عقلية جماعية كانت تقدّم المال والسلطة الى واجهة الممارسات الحياتية اليومية، حيث كان ابن البيك بيك، وابن ماسح الأحذية لا فرصة لديه سوى مسح الأحذية وتلميعها.. بإخلاص. استفادوا من القاعدة الصلبة لمناصرة المحرومين التي وضعها الإمام المغيّب السيّد موسى الصدر، ومضوا على نهجه.
فمثلاً، عمل الشهيد الشيخ راغب حرب، على جبهتين: إجتماعياً عبر تأسيس الجمعيات والمستوصفات وبيوت المال التي تعنى بالفقراء والمحتاجين. سياسياً من خلال تعبئة الجمهور وتوعيته وتحضيره لمواجهة الإحتلال وأطماعه، مستفيداً من انتصار الثورة الإسلامية في إيران على الشاه المدعوم أميركياً وإسرائيلياً، ليُنمّي في نفوس طلابه ومحبّيه ومريديه نبتة المقاومة.
أما الشهيد السيّد عباس الموسوي، فقد جهد مع أبناء بيئته ورفاق دربه في وضع اللبنة الأولى لـ"مؤسسة المقاومة" ضد الإحتلال الإسرائيلي، ورعى مجاهديها نفسياً وعسكرياً، وسهر على تأمين عتادهم وذخيرتهم، ورفع قدراتهم. كان الشهيد السيّد عباس الموسوي من سنخ الرجال الأتقياء الذين وهبوا مالهم وحياتهم ووقتهم لله ونصرةً لعباده المستضعفين. وفيما كان التاريخ يسجّل له دعاءه الخالد: "إلهي: إن أردت معاملتي بعدالتك ومحاسبتي على ما اقترفتُه كلُ جارحةٍ من جوارحي، فأطالبك أن ترزقني شهادةً مطهّرةً أنا اخترتها بنفسي كفّارة عن ذنبي، شهادةً قلَّ نظيرُها، يتفتت فيها جسدي وتنال كل جارحةٍ من جوارحي ما تستحقه من القصاص والعقوبة، وبعدها يا ربّ يصبح حتماً أن تسكنني بجوارك وجوار أوليائك (...)"، كان بعض الزعماء من أبناء جيله يرسل ابنه الى جامعات الخارج للدراسة، ومنهم مَن كان يعقد الصفقات السياسية مع الإسرائيلي والأميركي، ومنهم مَن كان يسعى لتثبيت أركان عائلته في جذور الدولة ومؤسساتها.
لم يختلف منهج الشهيد القائد عماد مغنية، عن سلفَيه الشهيدين، غير أنه وضع بنفسه أساسات الإنتصارات التي حقّقتها المقاومة منذ عام 2000. كان الشهيد مغنية "سليل المقاومات" وحركات التحرّر الوطنية، مهندس العمل المقاوم، ومحدِّث أسلوبه وتكتيكاته واستراتيجياته. صال وجال في سوح الجهاد في فلسطين ولبنان وغيرهما، فيما كان زعماء الداخل يتقاسمون كعكة السلطة مع أبنائهم وحاشيتهم. حصد التحرير عام 2000 والنصر الإلهي عام 2006، ترك للصهاينة آلاف الشبّان المدرّبين الجاهزين لدخول الجليل وقصف حيفا وما بعد بعدها. الحاج عماد كالسيّد حسن نصرالله والشهيد السيّد عباس الموسوي، الشهيد حسّان اللقيس، وغيرهم كثر من قادة المقاومة، لم يوفّروا أبناءهم للمستقبل، بل دفعوا بهم الى الصفوف الأمامية في مواجهة العدوان الإسرائيلي. واليوم، يدفعون بهم الى الصفوف الأمامية في مواجهة العدوان التكفيري وفي سبيل تثبيت وجهة البوصلة باتجاه فلسطين، وعدم حرفها عن مسارها كما يسعى التكفيريون.
يُسجّل لقادة المقاومة الأوائل أنهم هم مَن هَدَى آباءهم الى طريق ذات شوكة، لم يسيروا على خطاهم بل انتشلوهم من واقعهم المرير حيث الإقطاع والإحتلال، وما قالوا إنّا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون. اليوم، وفيما باتت بعض البيوتات السياسية مجرّد ذكرى وفلوكلور لبناني عتيق، يتسلّم الأبناء راية المقاومين المؤسسين الأوائل، ويسيرون على خطاهم. على هذا الخط بالذات يستشهد المقاومون في سوريا، ومن أجل فلسطين استشهد بالأمس القائد محمد أحمد عيسى "أبو عيسى"، وجهاد عماد مغنية، وعباس إبراهيم حجازي، ومحمد علي حسن أبو الحسن، وغازي علي ضاوي، وعلي حسن إبراهيم، وكثيرون غيرهم ينتظرون.. وما بدّلوا تبديلا.
تتجدّد الذكرى، ومعها تتجدّد خيبة المراهنين على أفول نجم المقاومة وجفاف منابعها. ستتكرّر هذه الخيبة في كل عام، خاصة وأن المقاومة أصبحت مدرسة تخرّج القادة على أسس متينة عمادها البنية الذاتية للقائد ـ القدوة، من جهة، والدفع المعنوي والإيماني للقضية التي يحملها أبناء المقاومة وشعبها، من جهة ثانية. وعليه، فإن "مُنتَج" المقاومة هو محلي ابن بيئته الشعبية والثقافية، غير "مستَورَد" من الخارج و"مُبَرمَج" وفقاً لأهداف الرعاة الرسميين.
بالنظر الى سِيَر القادة الثلاثة أصحاب الذكرى، الشهيد الشيخ راغب حرب، والشهيد السيّد عباس الموسوي، والشهيد القائد عماد معنية، نجد أنهم خرّيجو بيئة شعبية قاومت الفقر والعَوَز بالتوازي مع مقاومتها للإحتلال والعدوان الإسرائيلي الممتد، ومعاصرو حقبة زمنية كثرت فيها الزعامات والإقطاع السياسي والمالي والإجتماعي، إنْ على الساحة اللبنانية بشكل عام، أو داخل ساحتهم وبيئتهم بشكل خاص. عمل القادة الثلاتة في ظل تأثير عقلية جماعية كانت تقدّم المال والسلطة الى واجهة الممارسات الحياتية اليومية، حيث كان ابن البيك بيك، وابن ماسح الأحذية لا فرصة لديه سوى مسح الأحذية وتلميعها.. بإخلاص. استفادوا من القاعدة الصلبة لمناصرة المحرومين التي وضعها الإمام المغيّب السيّد موسى الصدر، ومضوا على نهجه.
جهاد تتوارثه الاجيال
فمثلاً، عمل الشهيد الشيخ راغب حرب، على جبهتين: إجتماعياً عبر تأسيس الجمعيات والمستوصفات وبيوت المال التي تعنى بالفقراء والمحتاجين. سياسياً من خلال تعبئة الجمهور وتوعيته وتحضيره لمواجهة الإحتلال وأطماعه، مستفيداً من انتصار الثورة الإسلامية في إيران على الشاه المدعوم أميركياً وإسرائيلياً، ليُنمّي في نفوس طلابه ومحبّيه ومريديه نبتة المقاومة.
أما الشهيد السيّد عباس الموسوي، فقد جهد مع أبناء بيئته ورفاق دربه في وضع اللبنة الأولى لـ"مؤسسة المقاومة" ضد الإحتلال الإسرائيلي، ورعى مجاهديها نفسياً وعسكرياً، وسهر على تأمين عتادهم وذخيرتهم، ورفع قدراتهم. كان الشهيد السيّد عباس الموسوي من سنخ الرجال الأتقياء الذين وهبوا مالهم وحياتهم ووقتهم لله ونصرةً لعباده المستضعفين. وفيما كان التاريخ يسجّل له دعاءه الخالد: "إلهي: إن أردت معاملتي بعدالتك ومحاسبتي على ما اقترفتُه كلُ جارحةٍ من جوارحي، فأطالبك أن ترزقني شهادةً مطهّرةً أنا اخترتها بنفسي كفّارة عن ذنبي، شهادةً قلَّ نظيرُها، يتفتت فيها جسدي وتنال كل جارحةٍ من جوارحي ما تستحقه من القصاص والعقوبة، وبعدها يا ربّ يصبح حتماً أن تسكنني بجوارك وجوار أوليائك (...)"، كان بعض الزعماء من أبناء جيله يرسل ابنه الى جامعات الخارج للدراسة، ومنهم مَن كان يعقد الصفقات السياسية مع الإسرائيلي والأميركي، ومنهم مَن كان يسعى لتثبيت أركان عائلته في جذور الدولة ومؤسساتها.
لم يختلف منهج الشهيد القائد عماد مغنية، عن سلفَيه الشهيدين، غير أنه وضع بنفسه أساسات الإنتصارات التي حقّقتها المقاومة منذ عام 2000. كان الشهيد مغنية "سليل المقاومات" وحركات التحرّر الوطنية، مهندس العمل المقاوم، ومحدِّث أسلوبه وتكتيكاته واستراتيجياته. صال وجال في سوح الجهاد في فلسطين ولبنان وغيرهما، فيما كان زعماء الداخل يتقاسمون كعكة السلطة مع أبنائهم وحاشيتهم. حصد التحرير عام 2000 والنصر الإلهي عام 2006، ترك للصهاينة آلاف الشبّان المدرّبين الجاهزين لدخول الجليل وقصف حيفا وما بعد بعدها. الحاج عماد كالسيّد حسن نصرالله والشهيد السيّد عباس الموسوي، الشهيد حسّان اللقيس، وغيرهم كثر من قادة المقاومة، لم يوفّروا أبناءهم للمستقبل، بل دفعوا بهم الى الصفوف الأمامية في مواجهة العدوان الإسرائيلي. واليوم، يدفعون بهم الى الصفوف الأمامية في مواجهة العدوان التكفيري وفي سبيل تثبيت وجهة البوصلة باتجاه فلسطين، وعدم حرفها عن مسارها كما يسعى التكفيريون.
يُسجّل لقادة المقاومة الأوائل أنهم هم مَن هَدَى آباءهم الى طريق ذات شوكة، لم يسيروا على خطاهم بل انتشلوهم من واقعهم المرير حيث الإقطاع والإحتلال، وما قالوا إنّا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون. اليوم، وفيما باتت بعض البيوتات السياسية مجرّد ذكرى وفلوكلور لبناني عتيق، يتسلّم الأبناء راية المقاومين المؤسسين الأوائل، ويسيرون على خطاهم. على هذا الخط بالذات يستشهد المقاومون في سوريا، ومن أجل فلسطين استشهد بالأمس القائد محمد أحمد عيسى "أبو عيسى"، وجهاد عماد مغنية، وعباس إبراهيم حجازي، ومحمد علي حسن أبو الحسن، وغازي علي ضاوي، وعلي حسن إبراهيم، وكثيرون غيرهم ينتظرون.. وما بدّلوا تبديلا.