ارشيف من :خاص
سقط الجواد... ولم يسقط العماد
في وقت متأخر ليلا من العام 1994 كنت ماراً في أحد شوارع حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، وعند أحد المفارق وقعت عيناي على يعنيه، ألقيت التحية بالاشارة مبتسما، فرد بالمثل. لم أرد الاقتراب منه للسلام، مقدرا ظروفه الامنية، أكملت السير فيما هو تابع الدخول في أحد الازقة..ان هي الا ثوان معدودة حتى سمعت صوته منادياً : اين انت اتريدني الانتظار طوال الليل ( طبعا قالها بالعامية : وينك بدك تنطّرني طول الليل)، فاسرعت متجهاً اليه مبتسماً وانا اقول له : ما توقعتك توقف...تحادثنا لدقائق قبل ان ينصرف كل واحد منا بطريقه.
لم تكن معرفتي بالحاج عماد عميقة، هي لقاءات معدودة حصلت بين حين وآخر بمناسبات عدة ومختلفة، عند اصدقاء تارة وفي ندوات خاصة تارة اخرى كنت اتفاجأ بحضوره فيها ولو بشكل عابر وسريع.
لا يحتاج الانسان منا لامتلاك رؤية ثاقبة عند لقائه بالحاج عماد ليعلم انه يقف امام شخصية تتمتع بكل ميزات ومواصفات القيادة : هدف واضح، سرعة بديهة، ذكاء متقد، عزيمة واصرار، وفوق ذلك كله ايمان راسخ برب لا يخلف الوعد بنصر المؤمنين.
يعشق الحاج عماد التفاصيل، يكره الجلوس في مكتبه، يفضل الاكتشاف بنفسه، لذلك عرفته الوديان والجبال والمكتبات والقاعات، راعياً وصياداً وكشافاً ومثقفاً واعلاميا حسب طبيعة المهمة، وحدها الكاميرات وعدسات المصورين لم تعرفه، ولم يكن يوما يأنس بها.
كان قائدا، لكنه متواضع، كان مثقفا لكنه يفضل الاستماع اكثر من الكلام.
الحاج عماد مغنية
اعلاميون ومثقفون وسياسيون التقوا بالحاج عماد، كان يعرفهم باسمائهم ويعرف الكثير عنهم، فيما كانوا يجهلونه الا باسم يختلف بين لقاء وآخر بحسب المناسبة.
روح الحاج عماد الجهادية والانسانية على السواء نقلها الى كل من عملوا معه، فلا غرابة أن حكايات العشق بينهم لا تنتهي.
بعد اغتيال امين عام حزب الله السيد عباس الموسوي، ادرك الامين العام الجديد السيد حسن نصر الله ان عملية الاغتيال هذه اتت في سياق تطور نوعي في عمل العدو الاسرائيلي واجهزة استخباراته، وانها ستمثل حتماً انعطافة كبرى في تاريخ العمل المقاوم، حيث سيكون لصراع الادمغة الدور الاكبر فيها.
فلا غرابة ان يسارع السيد نصر الله بعد توليه الامانة العامة، الى استقدام شاب ثلاثيني يدعى «الحاج رضوان» وتسليمه مسؤولية قيادية. ما بين تسلم الحاج عماد لمسؤوليته الجهادية والتحرير ست سنوات ( 1994-2000) ، وما بين التحرير والانتصار الكبير في حرب تموز ست سنوات أخرى ( 2000-2006).
هي اربعة عشر عاما حتى تاريخ استشهاده ( 2008)، حقق فيها الحاج عماد ورفاقه الكثير، ترك بصماته واضحة على طول جبهات المقاومة والصراع مع العدو الاسرائيلي من لبنان الى فلسطين.
كان جسد عماد مغنية هو الجواد الذي تمطيه هذه الروح، قد يتعب الجواد لكن الروح لا تتعب، فقد تغلغلت في أرواح الآلاف من عشاق عماد.
وفي الثاني عشر من شباط عام 2008 سقط الجواد...لكن العماد لم ولن يسقط.